26 - عِبر من قصص الأنبياء - ب – هارون عليه الصلاة والسلام

الرابط المختصر
Image
26 - عِبر من قصص الأنبياء - ب – هارون عليه الصلاة والسلام

من اللفتات المهمة في قصة هارون عليه الصلة والسلام أهمية اللين في الدعوة إلى الله عز وجل، وهذا يتضح في موقفين بارزين هما: الحوار مع فرعون، والموقف من عبادة بني إسرائيل للعجل. فلما أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام بالذهاب إلى فرعون ودعوته لعبادة الله عز وجل وتوحيده أمرهم بلين القول معه "اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تَنِيا في ذكري* اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً ليّنا لعله يتذكر أو يخشى* قالا ربّنا إننا نخاف أن يفرُط علينا أو أن يطغى* قال لا تخافا إنني معكما أسْمعُ وأرى" (طه: 42-46). فبرغم جبروت فرعون وطغيانه أمرَهُما الله عز وجلّ بلين القول، لأن هذا هو الأصل في الدعوة الربانية، ولأن الله عز وجل يرحم عباده برغم كفرهم فلا يعاجلهم بالعقوبة، ولكن هذا اللين في الخطاب هو في الأسلوب والكلمات حتى يستمع للخطيب والرسالة والدعوة، وليس اللين في الضمون وماهية الخطاب، فلا لين ولا تهاون فيهما، وقد وضّحت الآيات الأخرى حقيقة لين الخطاب كما في قوله تعالى: "اذْهب إلى فرعون إنه طغى* فقل هلْ لك إلى أن تزكّى* وأهديكَ إلى ربك فتخشى" (النازعات: 17-19). وبعد أن تلطّف موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام بفرعون أكثر من مرة، وبقي فرعون على غروره وكفره وعناده، وتطاوَل وتواقح على موسى عليه الصلاة والسلام "فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلا ربّ السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً" (الإسراء 101 - 102) فلقد تجاوزه موسى عليه الصلاة والسلام وأكمل خطابه بلينٍ في الأسلوب وثباتٍ ووضوحٍ في عرض التوحيد وبيان كفره وعقابه! ومن هنا فإن عرض الدعوة الإسلامية يكون باللين في الخطاب كأصلٍ عام مع وضوحٍ وثباتٍ في عرض التوحيد والدين إلا مع من طغى وتجبّر فإنه يجابَه بما يناسب حاله، ومن الأخطاء الحاصلة اليوم تمييع الدين والعقيدة مِن بعض الدعاة والقادة بسبب ضغط الواقع الداخلي والخارجي لحسابات سياسية أو مكاسب حزبية، فكل هذا باطل لا يجوز بحال من الأحوال. والموقف الثاني التي تَبيّن فيه لين هارون عليه الصلاة والسلام هو حين أنكر على بني إسرائيل عبادتهم لعجل السامري "ولقد قال لهم هارون من قبلُ يا قومِ إنما فُتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتّبعوني وأطيعوا أمري" (طه: 90)، فهارون أنكر على بني إسرائيل لكنهم رفضوا موقفه، وكادوا أن يبطشوا به وبالأقلية التي تبعته "قال يا ابن أمّ لا تأخذ بِلِحيتي ولا برأسي إنّي خشيتُ أن تقولَ فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقُب قولي" (طه: 94).   وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان موقف هارون عليه الصلاة والسلام مصيباً بعد تركه بني إسرائيل واللحاق بموسى عليه الصلاة والسلام في الطور "قال يا هارون ما منعك إذ رأيتَهم ضلّوا* ألاّ تتّبِعنِ أفَعصيتَ أمري" (طه: 92-93)، فالعلامة ابن عاشور يراه خلاف الأولى وأنّ مصلحة العقيدة أولى من جمع الكلمة، والشيخ عمر الأشقر يراه موقفا مصيبا قبِلَه موسى وأقره الله عليه، والجميع متفق على أهمية الإعلان عن إنكار الباطل تجاه توحيد الله عز وجل، وهو أمر يقصّر فيه كثير من أهل الخير اليوم ويخالفون نهج الأنبياء فيه بحجج واهية!