34- عِبر من قصص الأنبياء - ب – يونس عليه الصلاة والسلام

الرابط المختصر
Image
34- عِبر من قصص الأنبياء - ب – يونس عليه الصلاة والسلام

من العِبر والدروس المهمة في قصة يونس عليه الصلاة والسلام أن الهداية والتوبة بابها مفتوح ولكل الناس، ولا يعلم أحد متى تأتي أو من يستفيد منها، وأن على المؤمنين الصبر على الدعوة دوماً وعدم اشتراط تحقق النتائج امامهم فوراً "فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت" (القلم: 48). ففي قصة يونس عليه الصلاة والسلام أنه ذهب غاضباً من قومه بعد أن أصروا على كفرهم وعنادهم برغم أنه توعدهم بالعذاب من الله عز وجل بعد ثلاثة أيام، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود بسندٍ صحيح أنه قال: "إن يونس عليه الصلاة والسلام كان وعد قومه العذاب وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام"، كما حدث من قبل مع قوم ثمود حين عقروا الناقة "فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدٌ غير مكذوب" (هود: 65)، فلما لم يستجِب قوم يونس له ذهب غاضباً دون إذن من ربه، أما قومه فقد تشاوروا بعد ذلك وقرروا أن يونس عليه السلام صادق فإن غادرنا فالعذاب نازل لا محالة، فلما تفقدوا يونس عليه الصلاة والسلام وكان قد ذهب سراً كما يفعل العبد الهارب من سيده "وإن يونس لمن المرسلين* إذ أبق إلى الفلك المشحون" (الصافات: 139-140)، عندها أدرك قومُ يونس أن عذاب الله واقع بهم لا محالة، فقرروا التوبة والانصياع لله عز وجل، ويكمل ابن مسعود قصة قوم يونس عليه الصلاة والسلام فيقول: "ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا، فجأروا إلى الله واستغفروه، فكفّ الله عنهم العذاب". فالقوم تابوا في غياب يونس عليه الصلاة والسلام الذي كان قد ركب في السفينة وهاج البحر فيها ثم اقترعوا بمن يرمى من السفينة، ووقعت عليه القرعة، ورمي في البحر لكن الحوت التقمه ثم دعا ربه فاستجاب له وأمر الحوت بأن يلقيه على البر وأنبت عليه شجرة يقطين، ومن ثم عاد لقومه مرة ثانية لكنهم كانوا مؤمنين في هذه المرة. فالهداية غيبٌ لا يعلمه إلا الله عز وجل ولذلك كان يونس عليه الصلاة والسلام ملاما عندما ظن أن أمر قومه انتهى وأن العذاب سيهلكهم، لكن الأمور جرت على غير ظنه، فقد أدرك القوم أنفسهم وتابوا لربهم فتاب عليهم، ولذلك علينا أخذ العبرة بعدم تحجير الهداية والتوبة ومنعها عن الناس، فنحن لا ندري ماذا سيحدث في الغيب وما هو مستقبل الخلق. وما أجمل الإشارة والربط بين قصة يونس عليه الصلاة والسلام والتي تُقرر أن باب الهداية مفتوح وكل الاحتمالات قائمة وبين قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الطائف الذين آذوه وضربوه ورفضوا دعوته وهي الحادثة التي لقي فيها عداس والذي هو من أحفاد قوم يونس عليه الصلاة والسلام، فحين جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام وعرض عليه أن يهلك أهل الطائف اتسع أفق رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بهم وقال قولته الخالدة: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا" رواه البخاري.