مراكز الأبحاث الأمريكية والسنة النبوية: مؤسسة راند نموذجا

الرابط المختصر
Image
مراكز الأبحاث الأمريكية والسنة النبوية: مؤسسة راند نموذجا

* محاضرة قدمت في جمعية إحياء الحديث الشريف بالأردن في 27/10/2018
 
تمهيد مرحلة ما قبل مراكز الدراسات:
كان الاستشراق -وهو طلب علوم أهل الشرق ولغاتهم- منهجا راسخا في أوروبا من قرون عديدة، وكان يعتمد على جهود فردية غالبا، وبعد الحرب العالمية الثانية وانحسار الاستعمار خفّ اهتمام أوروبا بالاستشراق، وفي مؤتمر للمستشرقين بباريس في سنة ١٩٧٣ تم التوافق على إنهاء استخدام اسم "مستشرق".
ولكن أمريكا، بوصفها القوة الصاعدة، اهتمت به، فأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوما يشجع ويدعم الجامعات على فتح أقسام خاصة للاستشراق، واستقدمت أمريكا خبراء من أوروبا، غالبهم يهود، وعلى رأسهم برنارد لويس، وكانت الجامعات الأمريكية قد افتتحت أقساما لِلّغات الشرقية منذ عام ١٨٣١.
بقي دور هذه الأقسام هامشياً في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حتى جاءت أحداث 11/9، والتي صدمت الأمريكيين والعالم، واستغلتها مراكز الدراسات والأبحاث التي لم تكن تكترث كثيرا لشؤون الشرق الأوسط والإسلام لتتصدر الموقف في تحليل وتفسير ما حدث وتقديم الرأي والمشورة للساسة والإعلام والمجتمع، وهاجم المستشرقون الجدد في مراكز الدراسات المستشرقين التقليديين في مراكز الجامعات بعد أحداث ١١/٩ بحجة عدم تنبؤهم بالخطر القادم!
ويبدو أن المستشرقين الجدد استغلوا الفرصة للصعود على أكتاف المستشرقين التقليديين، وتولي مهمة القيادة بأنفسهم في التعاطي مع الشرق الأوسط.
نشأة مراكز الدراسات:
يعرّف هاشم صالح مراكز الدراسات بأنها: أي منظمة تقوم بأنشطة بحثية سياسية تحت مظلة تثقيف وتنوير المجتمع المدني بشكل عام، وتقديم النصيحة لصنّاع القرار بشكل خاص.
كانت بداية هذه المراكز اعتراض بعض النخبة الفكرية على عدم الأخذ بنصائحهم من قِبل الرئيس ويلسون في اتفاقية فرساي ١٩١٩ فقرروا تأسيس معهد لتقديم أفكارهم للنخبة والجمهور باعتباره معهدا غير ربحي وغير حزبي، لكنه لم يستمر طويلا.
وتنقسم المراكز إلى مراكز ذات تمويل حكومي (جامعات بدون تلاميذ)، ومراكز ترويجية دعائية، ومراكز فخر وغرور.
فظهرت مراكز الدراسات والأبحاث المستقلة عن الجامعات، حيث يُعتقد أن أول مركز ظهر في سنة ١٩١٠ عبر أربعة اجيال من الاهتمام والأسلوب:
1- مؤسسة كارنيغي للسلام ١٩١٠، مؤسسة هوفر الخاصة بالحرب والثورة والسلام ١٩١٩، ومجلس العلاقات الخارجية ١٩٢١، حيث اعتنت بالقضايا الاجتماعية والإصلاحية لأمريكا عقب الحرب الأهلية، وكانت الغاية إعلام صناع القرار والجمهور بالعواقب المحتملة لخيارات السياسة الخارجية.
٢- مؤسسة راند 1948، حيث أضافت البعد الاقتصادي والسياسي بعد الحرب العالمية الأولى والقضايا الاستراتيجية والعسكرية التي تهم صناع القرار بعد الحرب العالمية الثانية.
٣- مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية 1962، حيث جمع بين دراسات السياسات وتسويقها إعلاميا، وتعاون بقوة مع اللوبيات وجماعات المصالح، ثم تضخمت أعداد المراكز من 25 إلى مئات المراكز نتيجة تنافس التيارات المحافظة والليبرالية واليسارية، والذي سمّي حرب الأفكار.
 ٤ - مركز كارتر ومركز نيكسون وأمثالهما، والقائمة على تراث شخصية معينة.
اليوم تزايدت أعداد المراكز وتضخم نفوذها ودورها وتجاوز الدور الإعلامي والإرشادي لدور المشاركة في صنع القرار والسياسة. حيث بلغ عددها في أمريكا 1776 مركزا، حيث ساهمت طبيعة النظام الأمريكي السياسية الحزبية والانتخابية، والتى تحتاج إلى صناعة أفكار لتشكيل رأي عام يتيح له الفوز بالانتخابات! كما أن الدستور الأمريكي كفل حق جماعات الضغط والمصالح (اللوبيات) ومنها مراكز الدراسات والفكر بالتأثير في السياسات عبر التأثير على النواب، لذلك لا تقارن مراكز أوروبا بأمريكا، لا من حيث العدد ولا الإمكانات ولا الدور.
فعبر قرن ونصف (١٨٦٥ -٢٠١١) تقريبا تحولت هذه المراكز من اتحادات ولجان تقدم النصيحة والمشورة إلى منظومات فكرية تنفيذية تصنع الأفكار وتسعى لتطبيقها على أرض الواقع. يقول جيمس ماكقان: لقد ولّى الزمن الذي كان فيه شعار مراكز الفكر: لنبحث، لنكتب، وسيجدون ما نقوم به.
وأصبحت المراكز تنافس اللوبيات على التأثير في السياسة الأمريكية، وأصبحت أيضا محط أنظار الساسة بعد انتهاء خدمتهم الحكومية، كما أن رموز هذه المراكز أصبحوا مرشحين للمناصب الحساسة مما يديم تأثيرها.
تؤثر مراكز الفكر على الساسة من خلال: توليد أفكار وخيارات مبتكرة، تأمين اختصاصيين للعمل في الحكومة، توفير مكان للنقاش على مستوى عالٍ، تثقيف مواطني أمريكا، إضافة لجهود الحكومة في التوسط وحل النزاعات، ولذلك يسميها البعض مدافع التفكير وليس مراكز التفكير!
وهناك شكوك في أن البعض أو الكثير من دراسات مراكز الفكر هذه هي لغاية الترويج والفرض لرؤى معينة تحت اسم دراسة علمية!
هذه المؤسسات تتباين في توجهاتها الفكرية (محافظة، ليبرالية، يمينية، وسطية، يسارية) وتتباين في مصادر التمويل بين حكومية أو أهلية، وتتباين هل هي مقتصرة على شؤون الشرق الأوسط أو هو أحد اهتماماتها.
وهذه المراكز والباحثون فيها كحال المستشرقين من قبل، فيهم مَن يجاهر بخدمته للسياسات الرسمية الاستعمارية للسلطة، وفيهم مَن يتحرج من ذلك ويدّعي الحياد إن كان لا يمانع من استفادة السلطة منها بشكل غير صريح.
لم تكن هذه المراكز تهتم كثيراً بالشؤون الإسلامية، وقد شكّل نجاح ثورة إيران بقيادة الخميني ضد الشاه في 1979 موجة عابرة من الاهتمام أعقبتها مرحلة الجهاد الأفغاني، والتي تقاطعت معها السياسة الأمريكية ضد التمدد السوفييتي، لكن أحداث 11/9 شكلت المنعطف الأكبر لتولي العديد من المراكز الأمريكية الشؤون الإسلامية اهتماما بالغاً، وأصبحت تنافس مراكز الاستشراق التقليدية في الجامعات الأمريكية. 
ويعرّف الباحث د. عبد الله بن محمد المديفر موجة الاستشراق الجديدة بما يلي: جهود فكرية منظمة يقوم بها غربيون بدأت بعد الحرب العالمية الثانية تستخدم العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة، وتجعلها وسيلة لدراسة العالم الشرقي أو تحقيق تغريبه وفرض الهيمنة عليه، أو هما معًا، وذلك من خلال مؤسسات ووسائل وأساليب جديدة.
ورغم اتحاد الغاية بين هذه المراكز التقليدية والجديدة، وهي مواصلة الصراع الفكري مع الإسلام بصور متعددة، إلا أنه أصبح هناك تنافس وتباين بين هاتين المجموعتين من المراكز الاستشراقية التقليدية بالجامعات والمراكز السياسية المستقلة، من مظاهره:
أن المستشرقين التقليديين كانوا علماء بارعين ومتخصصين في اللغة العربية وبعض العلوم الشرعية أما الجدد فهم جهلاء بكل ذلك، ولا يهتمون بهذه الجوانب، ولذلك تجدهم من خلفيات متعددة إعلامية أو سياسية أو أمنية، واستبدلوا لقب المستشرق بالخبير والمختص والباحث.
واختفت الدراسات الاستشراقية التقليدية التي تركز على قضايا جزئية كتحقيق مخطوط أو قضية فرعية لصالح الدراسات الاجتماعية والسياسية التي تمس مجتمعا أو دولة أو إقليما.
ولم يعد هناك دور للمستشرق التقليدي الفردي لصالح الاستشراق الجماعي/ الفريق.
وغابت الدراسات الاستشراقية السافرة في هجومها على الإسلام لصالح الدراسات التي تراعي عدم إثارة جمهور المسلمين.
وانتهت مرحلة الدراسات والتقارير السرية لصالح الأبحاث المنشورة، أما السرية فلا تتجاوز الـ 5%.
كما أن غالب المستشرقين الجدد له رأي مسبق معادٍ للإسلام والمسلمين، ويوظف دراساته لتطويع الإسلام لمصالح أمريكا، لذلك هناك فارق في درجة العداء للإسلام بين خبراء مراكز التفكير فالمستشرقون الجدد أشد غلوا مقارنة بمراكز المستشرقين التقليديين في الجامعات الأمريكية التي أسسها المستشرق اليهودي برنارد لويس.
ومنذ سنة ٢٠٠٣، تم فتح عدة فروع لهذه المراكز في البلاد العربية وإصدار دراسات وتقارير ومجلات باللغة العربية.
مؤسسة راند:
الاسم هو اختصار للبحث والتطوير، تأسست سنة 1945 بشراكة بين سلاح الجو بالجيش الأمريكي وشركة دوجلاس للطيران، وبهذا يتضح الأصل العسكري لراند، وكانت في بادئ الأمر تركز على الأبحاث التقنية العسكرية بهدف إدامة البحث والتطوير في القطاع العسكري بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وضرب اليابان بالسلاح النووي.
وفي ١٩٤٨ تم إنهاء الشراكة وتحويلها الى مؤسسة مستقلة غير ربحية، وذلك بسبب تحسس بعض العلماء والباحثين من المواقف العسكرية للجيش، وحصلت على تبرع من شركة فورد، واستلمت عقد تطوير سلاح الجو، ولكن رغم استقلالية مؤسسة راند وسواها من المراكز الأمريكية فلا يعني هذا موضوعيتها التامة فيما تقدمه من دراسات، خاصة عن الإسلام والمسلمين، بل الخلل فيها هو الأصل، رغم أن كثيرا من أبحاثها يتعلق بالجانب العسكري.
ولمؤسسة راند دور كبير في الدراسات التقنية التي غيّرت وجه العالم عبر أكثر من 60 سنة، فهي مؤسسة شبكة الإنترنت ومبتكرة البريد الإلكتروني ومخترعة منهج نظم تحليل النظم ونظريات اتخاذ القرار في حالة عدم اليقين.
وفي الستينيات من القرن الماضي اهتمت بالبعد الاجتماعي والسياسي والأمن الداخلي، وعقب أحداث 11/9 اهتمت بالعالم الإسلامي.
يعمل في "راند" 1600 موظف من 45 بلدا، مما يكسبها خبرة واسعة بالدول والمجتمعات ومكوناتها. وتبلغ ميزانيتها 100 مليون دولار، وهي أكبر ميزانية لمركز دراسات. أما إيراداتها في 2007 فقُدّرت بـ 223 مليون دولار من التبرعات والعقود وعوائد المطبوعات.
اشتهرت المؤسسة بحصول 31 من أعضائها على جوائز نوبل، وصنفت في المركز الثامن بين أفضل ١٥٠ مركزا في العالم في ٢٠١٣. وتصدر "راند" سنويا 1000 موضوع، ولا تكتفي بإصدار البحوث، بل تعمل لها ملخصا للنخبة المشغولة، وتصاغ على أسس من علم النفس المعرفي وعلم اللغة لمزيد من التأثير والإقناع، وتحرص على وصولها لها.
واليوم هي أشبه بمنظومة متكاملة لديها كلية دراسات عليا تمنح الدكتوراه في التحليل السياسي وعدة معاهد وفروع خارج أمريكا، وكان لها دور كبير في الحرب الباردة ضد روسيا، ولذاك سماها الروس أكاديمية الدمار والموت.
 
 
موقف مؤسسة راند من السنة النبوية
لمحاولة معالجة جذور الإرهاب في العالم الإسلامي والبحث لها عن حلول ضمن سياق ما بعد أحداث ٩/١١ قامت معظم مراكز الدراسات الأمريكية بدراسة الحركات الإسلامية ودورها السياسي، إلا أن مؤسسة راند خالفت ذلك، وركزت على دراسة الإسلام نفسه وكيفية تطويعه وتعديله وتبديله ليتوافق مع القيم الديمقراطية الليبرالية والاستراتيجية اللازمة لتنفيذ هذا التطويع والتبديل للإسلام، ولكن على عادة المستشرقين الجدد فإن هذه الدراسات يقدمها غير مختصين بشؤون الإسلام، وهاجسهم التوظيف السياسي للإسلام للمصلحة الأمريكية، وأبرز نموذجين لذلك تقرير "إسلام حضاري مدني" أو الاسم الآخر له "الإسلام الديمقراطي المدني" حيث طرحت له ترجمتان بالعربية، وتقرير "بناء شبكات الاعتدال الإسلامي".
 
تتنوع طبيعة دراسات مراكز الأبحاث بين كونها دراسة للفهم أو التفسير للوقائع أو للتأثير والتغيير كما هو حال هذه الدراسة "الإسلام الديمقراطي" حيث تصرح معدة التقرير أن تحقيق الحاجة والهدف قد تصل لتغيير الدين أو إعادة بنائه!
صدر تقرير الإسلام الديمقراطي سنة 2003، والغاية منه الإجابة عن سؤال: كيف نتخلص من الإرهاب الإسلامي الموجّه ضد أمريكا والعالم الغربي؟
ورغم جسامة المهمة المتوخاة من التقرير إلا من تصدت للإجابة باحثة غير متخصصة بالشريعة، وليست ذات اطلاع عليها، بل هي ممثلة سابقة ومتخصصة بالشأن النسوي! وهي اليهودية النمساوية الأصل شيريل بينارد، وزوجة زلماي خليل زاد السفير الأمريكي السابق في أفغانستان، وتعد من أسوأ باحثي راند حيادية تجاه الإسلام وأخبثهم في وضع الخطط للتغيير في العالم الإسلامي.
 واعتمدت بينارد على مراجع ومصادر غير أصلية إسلاميًا، وغالبها كتابات منحرفة إسلاميا مما يؤشر لكون التقرير موجه منذ البداية لغاية تغيير الدين وتطويعه للأجندة الأمريكية، ولذلك كان من الطبيعي أن تأتي الإجابة بتبديل وتطوير الإسلام ليتوافق مع القيم الديمقراطية والغربية شريطة عدم إثارة المسلمين مما يعمق مشكلة العنف ضد أمريكا!
وهذا يكشف عن غياب الموضوعية والمهنية في التقرير واتصافه بالتهور والتطرف عبر اقتحام باحثة غير موضوعية وغير كفؤة أصلا لمهمة مستحيلة، وهي تبديل الإسلام، وهي القضية التي أحجم عنها كبار المستشرقين التقليديين المتخصصين!
سنقف مع التقرير في محورين هما رؤيته للسنة النبوية، وكيف سيعمل على تحقيق رؤيته في واقع المسلمين؟
 
رؤية التقرير للسنة النبوية:
ليس للتقرير موقف جديد من السنة السنوية بناء على اجتهاد من الباحثة، بل هو تكرار للمواقف السلبية القديمة للمستشرقين، وما اجترته مواقف المعاصرين من العلمانيين اليساريين والعصرانيين العرب والمسلمين.
يتبنى التقرير موقفا سلبيا من القرآن الكريم والسنة النبوية، لكنه يؤكد على ضرورة تجنّب الطعن والنقد للقرآن الكريم حاليا حتى لا يثير المسلمين ضد أمريكا، والتركيز على التعامل مع الحديث والسنة وتوظيفهما لصالح القيم الغربية وتبديل الإسلام.
ومع ذلك يسعى التقرير لتوظيف السنة للطعن بالقرآن الكريم، حيث يزعم أن عدم تطبيق النبي لبعض المباح أو المكروه يطعن بصحة بعضِ ما جاء بالقران كعدم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته! وتناقَض التقرير مع نفسه عندما جعل فعل النبي للتعدد في الزوجات دليلا على خطأ التعدد الوارد في القرآن بدعوى أنه فعله لغايات سياسية مصلحية! مما يؤكد الغاية، وهي تحريف الدين.
التقرير نفى صفة النبوة والرسالة لصالح صفة المُصلح على النبي صلى الله عليه وسلم حتى تربط توجيهاته بعصره ووقته، وهي جزء من إيمانه بتاريخانية الإسلام والقرآن والسنة.
واعترض التقرير على الجانب التشريعي للسنة، ونفى قدرة السنة على اتخاذ موقف صارم أو قرار (تشريع).
وفي تعريفه للحديث شكك في اعتماد المنهج العلمي للتعامل مع السنة، كما أن التقرير يؤصل لفكرة توظيف السنة للدفاع عن قِيَم المدنية والديمقراطية وليس الإسلام والتوحيد، اتكاءً على قيام اتجاهات سابقة بوضع الحديث لمصالح سياسية! ولذلك جاء ملحق التقرير بعنوان (الحروب بين أحاديث السنة النبوية)، وادّعى التقرير أن مصداقية الحديث تعتمد على انتشاره وشعبيته وليس على موثوقيته العلمية، وهكذا أصبحت السنة النبوية ثقافة شعبية، لا وحيا ربانيا، وكل هذا تكرار لمزاعم المستشرقين السابقة.
شكك التقرير بالبخاري اعتمادا على موقع للقرآنيين، والشبهة التى طرحها التقرير سنة 2003 أصبحت متداولة اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر الحديثَ أداة مشكوكا فيها وذات عيوب.
ويريد التقرير أن يمرر قيم العلمانية من خلال الحديث والسنة بغض النظر عن صحة الحديث من عدمه، وبغض النظر عن مسلك أهل العلم في الاستدلال المتمثل بعلم أصول الفقه والقواعد الفقهية بالاعتماد على أي رواية توافقه ظاهرية سواء صحت أم لا، أو دلت على ما يريد أم لا، وهذه الانتقائية تدل على أن الهوى هو مرجعيتهم وليس ما يتوافق مع مصادر الإسلام من القرآن والسنة وغيرهما.
ولكن التقرير ينصّ على أن توظيف السنة لتمرير العلمانية وضرب الفتاوى المضادة لها يكون بشكل ثانوي وتكتيكي حتى لا يرسخ شرعية السنة.
ولنجاح هذا التوظيف يلزم ضرب مكانة العلماء وكسر احتكارهم لشرح السنة وفتح المجال للجميع!
ويدعو التقرير لوضع قائمة بأحاديث مضادة لما يطرحه العلماء لتكون في متناول أنصار الديمقراطية! والاستفادة من جهود حركة الفقه الانتقائي التى مزجت بين التأويل الشرعي والقانون المدني، والتي تمت في عدة أماكن. 
الخلاصة: شككت بينارد بالسنة واستشهدت بانتقائية منها، وأصّلت لتوظيفها لنشر الديمقراطية وقيمها، والإضافة التي قدمها التقرير على طعن المستشرقين السابقين بالسنة هي محاولة تطويع الإسلام وتطويره بالشكل المناسب للغرب عن طريق التلاعب بالسنة ووضع سياسات وخطوات عملية لتنفيذ ذلك عبر التشريعات والقوانين والمؤسسات الرسمية وجعلها أداة ضمن استراتيجية الولايات المتحدة.
ما هي الاستراتيجية المقترحة لتحقيق رؤية التقرير تجاه السنة في واقع المسلمين؟
تبيّن معنا أن غاية التقرير هي صنع إسلام يتواءم مع مصلحة الغرب من خلال فهم الإشكاليات في بُنيته نفسه ثم تعديلها! لأن التقرير ينطلق من مسلّمة مغلوطة، وهي مسؤولية الدين عن الإرهاب، فعزل الدين يؤدي إلى زوال الإرهاب.
ولكن حتى لا يُحدث ذلك أثرا جانبيا بزيادة العداء لأمريكا والمزيد من التطرف يلزم القيام بذلك من داخل الصف الإسلامي! وهذا يتطلب فحص قائمة الفاعلين في العالم الإسلامي واختيار الشريك المناسب منهم، ومن ثم دعمه وفسح المجال أمامه وإقصاء المخالفين من طريقه لتتم العملية بنجاح.
ويقسم التقرير الفاعلين في العالم الإسلامي إلى أربع فئات فكرية هي: العلمانيون، الأصوليون، التقليديون، الحداثيون، ووجد أن دعم تيار الحداثيين، بتمويلهم وفتح المنابر لهم ورعاية مشاريعهم، هو الخيار الأفضل والذي سيحقق رؤية راند بتوظيف السنة النبوية لتطويع الإسلام وتطويره ليوافق القيم الديمقراطية والليبرالية.
فمن هم هؤلاء الحداثيون المعتدلون الذين يرشحهم التقرير لهذه المهمة؟
يكفي كي نفهم مقدار التحيز وانعدام الحيادية في هذه التقارير والمعايير التي تحكم مساره أن نلتفت إلى تعريف المعتدل عند مؤسسة راند، ففي تقرير بناء شبكات الاعتدال يقولون إن: "المسلمين المعتدلين هم الذين يؤمنون بالأبعاد الأساسية للثقافة الديمقراطية، وتشمل دعم الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان المعترف بها دولياً (بما في ذلك المساواة بين الجنسين وحرية العبادة) واحترام التنوع، وقبول المصادر غير الطائفية للتشريع ورفض الإرهاب أو أي شكل غير مشروع للعنف". 
وأورد تقرير الإسلام الديمقراطي خمسة نماذج للحداثيين المقترحين للدعم، وتبنى مواقفهم تجاه السنة النبوية وهم: محمد شحرور، فتح الله كولن، خالد أبو الفضل، شريف ماردين، بسام الطيبي، وهي خلطة غريبة لا يجمعها سوى انحراف كل الأسماء فيها عن جادة الصواب، وتناغمهم مع القيم المادية الغربية، وخطورة هؤلاء تكمن في أنهم يتسترون خلف شعار خدمة الدين لا عدائه!
أما تقرير "بناء شبكات الاعتدال" الذي شاركت فيه شيريل بينارد مع آخرين فهو تكملة لبناء استراتيجية دعم شركاء نافعين للمصالح الأمريكية خاصة، والغرب عامة، وأضاف هذا التقرير في فصل الحداثيين أسماء فاقعة مثل: نوال السعداوي وسعد الدين إبراهيم وعبد المجيد الشرفي، ومِن الأسماء في قائمة التقليديين المعتدلين يُطرح اسم جماعة الأحباش.
وغالب هؤلاء الحداثيين لهم موقف سلبي من السنة النبوية فمِنهم من لا يؤمن بمرجعيتها ومرجعية الشريعة الإسلامية كلها أصلا، ومنهم من يردّ السنة كلياً كالقرآنيين الذين استشهد بهم التقرير أو يقبل الأحاديث المتواترة فقط، أو ما يوافق القرآن، ويمكن أن يؤول ما يريده أيضاً، وهم يؤمنون بتاريخانية الإسلام والقرآن والسنة.
ولو أخذنا محمد شحرور كنموذج لفهم رؤيته للسنة النبوية سنجده يعرّفها بما يلي: "هي منهج في تطبيق أحكام أم الكتاب بسهولة ويُسر دون الخروج عن حدود الله في أمور الحدود أو وضع حدود عرفية مرحلية في بقية الأمور، مع الأخذ بعين الاعتبار عالم الحقيقة (الزمان والمكان والشروط الموضوعية) التي تطبق فيها هذه الأحكام"!! ويكفي معرفة هذا التعريف لنرى النتائج الكارثية التي ستنتج عنه إذا تولى تطوير الإسلام.
 
ولو تتبعنا دور سعد الدين إبراهيم في الطعن بالسنة النبوية سنجده ينظم ندوة بعنوان "الإسلام والإصلاح" في القاهرة في أكتوبر 2004م بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز الأمريكي ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية ومنبر الحوار الإسلامي بلندن شارك فيها عشرون شخصا، من أبرزهم محمد شحرور، الذي قدم التوصية الأبرز بالاقتصار على المرجعية القرآنية ونبذ السنة النبوية!
فهذه حقيقة موقف الحداثيين من السنة النبوية، والذين ستوكل لهم مهمة تطوير / تطويع الإسلام للديمقراطية.
لكن التقرير يدرك أن الحداثيين يعانون من نخبوية وقلة في الموارد وعدم شعبوية مما يجعل تأثيرهم ودورهم هامشيا، ولتجاوز ذلك يقترح السياسات والخطوات التالية:
- خلخلة الوظائف والأدوار بين الفاعلين في الحقل الديني الذي يسيطر عليه التقليديون والأصوليون، وتبديل أنماط العلاقات السائدة بين هذه الاتجاهات لتصبّ في صالح الحداثيين، وبذلك يتم إضعاف الأصوليين.
- دعم الحداثيين مقابل التقليديين مع دعم العلمانيين بشكل فردي.
- ضرب التقليديين بالأصوليين، ويمكن الاستفادة التكتيكية من الأصوليين المعتدلين لضرب الأصولية المتطرفة.
- دعم التقليديين فيما يتوافق مع الرؤية الغربية، ويمكن جعلهم في الواجهة والطليعة لتمرير المشروع.
- العلمانيون -برغم تقاطعهم مع الغرب في القيم- إلا أن الماركسيين منهم يعادوننا سياسيا فيلزم عدم تقويتهم جماعياً، بل التعامل الفردي معهم.
- يتمثل دعم الحداثيين بنشر أعمالهم ودمج آرائهم في مناهج التعليم وفتح منابر الإعلام لهم وزيادة وجود الحداثيين في المؤسسات الدينية التقليدية.
من خلال هذا التعريف للاعتدال وللحداثيين المناط بهم تطوير وتطويع الإسلام تتكشف الحقيقة واضحة لكل ذي عينين، فهؤلاء الحداثيون أصحاب مشاريع هدامة في الغالب ومعادية للإسلام والقرآن الكريم والسنة النبوية، وهي مشاريع قديمة وليست حديثة، وهي سابقة على اهتمام مؤسسة راند، وبعض هذه المشاريع ينطلق من أرضية فكرية علمانية ماركسية ويسارية مخالفة لتوجهات "راند"، ولكن توصيات شيريل بينارد في هذا الصدد كانت تقديم الدعم الفردي لجهود ومشاريع بعض العلمانيين المخالفين، أي الماركسيين، لتتجنب أمريكا تبعات المواقف السياسية والأيدلوجية المناقضة لها من هؤلاء الماركسيين لو نجحوا في العالم الإسلامي، وفي هذا انتهازية واضحة، فالتقرير يريد توظيف الماركسيين ودعمهم ورعايتهم كأفراد لتطويع الإسلام لصالح أمريكا وليس لصالح الماركسية!
 
توصيات مقترحات:
هذه هي مخططاتهم وسياساتهم وخطواتهم معلنة واضحة من سنوات، وأخذ بعضها طريقه لعالم الواقع، فهل سنبقى في دائرة التشخيص أم ننتقل إلى دائرة الحل والعمل والعلاج؟
من المقترحات:
 
- عمل كشاف أو معجم للشبهات والطعون ضد السنة النبوية يشمل المواضيع والشخصيات حتى يسهل إرجاع الشبهات إلى أصولها وتفحص تطوراتها والجهات المتقاطعة في استغلالها وترويجها.
- عمل كشاف أو معجم للردود على الشبهات والطعون ضد السنة النبوية لتسهيل رد الشبهات وتفنيدها واستثمار المخزون المعرفي التراثي القيم والمبعثر.
- بناء منظومة فكرية تحصينية ضد الشبهات حول السنة النبوية من خلال دراسة وتحليل التراث المعرفي في رد الشبهات والأباطيل.
- عرض جوانب التميز والريادة والإبداع في تدوين السنة النبوية وعلوم الحديث بشكل بسيط وجذاب، ونشرها على نطاق واسع بين الأجيال الناشئة بأشكال متعددة: قصص، مقالات قصيرة، رسائل مختصرة لوسائل التواصل الاجتماعي.
- تطوير مناهج مداخل للسنة النبوية والثقافة الإسلامية العامة لطلاب الجامعات لتعالج الشبهات العصرية ضد السنة النبوية وتحصن الطلاب منها.
- حث طلبة الدراسات العليا على مناقشة المفاهيم والفرضيات والمشاريع العلمانية الطاعنة في السنة النبوية وتفنيدها.
- الانتقال من مرحلة رد الشبهات حول السنة النبوية إلى مرحلة تقديم مشروع حضاري عالمي اعتمادا على الوحي الرباني المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
 
 
المراجع والمصادر:
- مراكز البحوث الأمريكية ودراسات الشرق الأوسط، د. هشام القروي، مركز نماء.
- عندما يكون العم سام ناسكًا، د. صالح الغامدي، مركز الفكر المعاصر.
- الإسلام الذي يريده الغرب، صالح الغامدي، مركز الفكر المعاصر.
- مؤسسة البحث والتطوير: راند وموقفها من الدعوة الإسلامية، د. عبد الله بن محمد المديفر، مركز التأصيل للدراسات.
- الإسلاميون ومركز راند، بلال التليدي ود. عادل موساوي، مركز نماء.
- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، مركز نماء.
- بناء شبكات الاعتدال الإسلامي، شيريل بينارد وآخرون، تنوير للنشر والإعلام.