البشرية تتعذب بإقصاء الإسلام عنها

الرابط المختصر
Image
البشرية تتعذب بإقصاء الإسلام عنها

البشرية اليوم كلها تعاني، فبعضها يعاني الألم بسبب الاحتلال والاستبداد  والحروب والمجاعات وسوء الطقس، وبعضها يعاني قلقاً وأمراضاً وأزمات بسبب التخمة والغنى والترف، وبرغم شعارات العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة فإن (العالم الحر) هو الذي يتسبب في غالب آلام الناس بسبب قيمه المغلوطة وسياساته الجائرة ونخبته الفاسدة.
ولعل في مقال د. عبد الرزاق بني هاني رئيس جامعة جرش "نظرية الفوضى وأثر الفراشة" بالغد يوم 9/12/2015، توضيحا لبعض دور (العالم الحر) ونخبته الفاسدة في توضيح ذلك.
المقال حوى بعض أخبار ندوة مغلقة في أمريكا مؤخراً عن مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل المتغيرات الراهنة، والتي حضرها ثلة من صفوة علماء الاقتصاد من أمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان وروسيا ومصر والسعودية وكازاخستان، وحضرها أيضاً نائب رئيس البنك الدولي ومساعد رئيسة صندوق النقد الدولي ومحافظ بنك التنمية الأوروبي وغيرهم من المختصين.
حيث ينقل د. بني هاني عن البروفيسور نورثوه دالي قوله: "سنصحو ذات صباح لنجد بأن الخراب يلفّ حياتنا، وحينها لن تنفعنا النقود التي نطبعها لأنها ستكون بلا قيمة، ولن تكون بديلا عن الطعام الذي نحتاجه"، ثم يحدثنا عن مفاهيم جديدة في الاقتصاد منها نظرية الفوضى، وينقل عن البروفيسور كولي أن "ما يحدث على المستوى العالمي من صراعات قد يؤدي إلى اندثار البشرية، أو إلحاق أفدح الأخطار بها"، وينقل عن كولى أيضا "أن الطبقة الفقيرة والمعدمة في الولايات المتحدة وحدها تشكل 35% من مجموع السكان البالغ عددهم 315 مليون نسمة، ويشكل أفراد هذه الطبقة جيشاً جراراً وممتداً عبر الأقاليم، يمكن تعبئته في وقت قياسي، وهو قادر على إهلاك الموارد المحلية وإلحاق أفدح الأضرار بالموارد البشرية".
ثم يحدثنا د. بني هاني نقلاً عن كولي أيضاً عن "اجتماع تنادى إليه أثرياء شيكاغو ونيويورك وكاليفورنيا وتكساس وفلوريدا قبل أيام من أجل مواجهة زيادة الإنفاق على التأمينات الاجتماعية للطبقة الفقيرة وتعليم أبنائها، وتلخصت النتيجة الأساسية لاجتماعاتهم في زيادة دعم المرشحين المحافظين بعدة مليارات من الدولارات، لا أن ينفقوا تلك المليارات على صحة وتعليم الفقراء"!      
هذه هي الصورة من ندوة علمية عالية المستوى ومغلقة، خراب اقتصادي عام كارثي قادم متفق عليه، ولكن لا يعرف متى يحل موعده، وآثاره تتزايد يوما بعد يوم لدرجة أن الفقر في أمريكا بلغ 35% من السكان بعد أن كان 20% في سبعينيات القرن الماضي بحسب المقال!
والأكثر كارثية هي طريقة حل المشكلة عبر تعقيدها بدعم المحافظين المتشددين في تعميم الرعاية الاجتماعية للفقراء! وأن الأغنياء يرفضون دعم الفقراء بعدة مليارات كضرائب واشتراكات في التأمين، لكنهم لا يمانعون من صرف المليارات لدعم حملات الانتخابات للمحافظين، والتي جزء كبير من هذه المليارات يعود على الأثرياء أنفسهم من خلال صرفها في مؤتمرات واجتماعات بفنادق خمس نجوم هم يملكونها وهم من يحضرون فعالياتها! وشركاتهم هي من تنفذ الحملات الدعائية للمرشحين، وهكذا يفكر الأغنياء، وهذه هي السياسة العلمانية والرؤية الحداثية للديمقراطية!
هذه الأزمة الاقتصادية التي تطحن الغرب الرأسمالي القائم على نظام الربا المحرم والنهم الاستهلاكي المجنون، أحدث قبل عدة سنوات كارثة بيع الديون المحرم في الإسلام، وها هي أولى النتائج أن 35% من الأمريكيين فقراء معدمون، وهذا بمثابة قنبلة موقوتة!
ومن قبل سقط الاتحاد السوفيتى ونظريته الماركسية في الاقتصاد، وها هي الصين لم تتقدم وتزدهر اقتصادياً إلا بنبذ الماركسية في الاقتصاد بعد عقود من التخلف، ولكن الرأسمالية التي نفعتها في هذه المرحلة لن تتأخر أمراضها كثيراً في الظهور، فكلا النظامين يصطدمان بشريعة الله عز وجل ويتعارضان مع الفطرة السليمة ولهما آثار وبيلة، قد لا تظهر للناس مباشرة وبوضوح، ولكن طبقاً لنظرية الفراشة التي تعدّ من المفاهيم الحديثة في الاقتصاد والعلم كما بيّن ذلك د. بني هاني، فإن حركة جناح فراشة في الشرق قد يتسبب في حدوث عواصف وكوارث في مكان بعيد جداً في الغرب عقب سلسلة من التغيرات البسيطة وغير الملحوظة.
وهذا الصدام الاقتصادي مع شريعة الله عز وجل يعمل على تكدس الثروة بيد فئات محدودة جداً، واتساع دائرة الفقر والجوع في أنحاء كثيرة من العالم، وبدأت تتزايد هذه الشرائح حتى في الغرب ولم تعد تقتصر على العالم النامي.
وكالعادة في تاريخ البشرية هذا التكدس المالي لفئات محدودة يعقبه فساد وطغيان أخلاقي وقيمي "كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى" (العلق: 6-7)، وبسبب طغيان وفساد أخلاق الأثرياء الصادّين عن شريعة الله عز وجل يحدث الفساد في مجالي الطبيعة والإنسان.
ويتمثل هذا الفساد في الطبيعة بطريقة التعامل مع البيئة بشكل جائر والذي ينطلق من رؤية علمانية حداثية عدوانية للطبيعة يسمونها (الصراع مع الطبيعة)! بينما الرؤية الإسلامية تقوم على تسخير الله عز وجل الطبيعة للإنسان "وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه" (الجاثية: 13).
هذا الصراع العدواني الجشع مع البيئة جعلها تعاني من التلوث وعدم الانتظام، حتى أصبح ذلك يهدد الحياة البشرية كلها، فبسبب طمع الأثرياء بزيادة ثرواتهم يستهلكون مزيدا من الوقود في الصناعات الاستهلاكية التافهة وفي ملذاتهم العجيبة، وينتج عن ذلك تلويث للبيئة، يؤدي إلى زيادة الاحترار العالمي وتآكل في طبقة الأوزون يعمل على ذوبان الجليد في القطب المتجمد مما يهدد بزيادة منسوب البحار وحدوث فيضانات تعم مناطق واسعة في العالم، تذكروا نظرية أثر الفراشة!
وبسبب المطامع الاقتصادية الجشعة التي لا تراعي معايير البيئة يتم إزالة جبال عظيمة بتفجيرات قوية لإنشاء ملعب جولف وبحيرات اصطناعية لثلة من الأثرياء، لكن يكون عاقبة ذلك حدوث تصدعات وزلازل وخسوف في الأرض!
والأكثر بؤساً في مشهد الفساد والطغيان هذا تجده في سلوك هؤلاء الأثرياء = الشركات عابرة القارات حين ينتقلون بمصانعهم للعالم النامي لاستغلال الأيدي الرخيصة التي ليس لها حقوق عمالية، ولا يطبق على هذه المصانع معايير التلوث والإضرار بالبيئة، ثم في اجتماع قمة البيئة في باريس يسعى هؤلاء المفسدون والطغاة لتحميل العالم النامي مسؤولية مشكلة التلوث والاحترار العالمي وثقب الأوزون!! وفي مؤتمرات حقوق الإنسان يطالبون هذه الدول بمراعاة الحقوق الأساسية!!       
أما الفساد والطغيان لهذا الغنى والثراء البعيد عن شرع الله عز وجل في جانب الإنسان فيتمثل في كسر قواعد الأخلاق وخاصة العفة والحياء، حتى لم يعد هناك معيار للصواب والخطأ أو الحق والباطل، وأصبحت كل السلوكيات المشينة مقبولة ومعمول بها، حتى وصل بهم الحال لتشريع كل أنواع الشذوذ مع البشر والحيوان، وإباحة المسكرات والمخدرات بشكل قانوني، فكانت النتيجة ظهور الأمراض الجنسية التي لم تكن تعرف من قبل كمرض الإيدز، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أخطار الفساد الأخلاقي فقال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وأصبح الغرب مهدداً بالموت بسبب هذه الأمراض الجنسية الفتاكة وبسبب قلة الزواج وعدم إنجاب الأطفال، وقد شرح ذلك بالتفصيل المفكر الأمريكي باتريك بوكانن في كتابه "موت الغرب".
إن هذا الفساد الضخم في الطبيعة وفي الإنسان والذي يهدد مسيرة الحياة والبشرية هو بسبب ارتكاب الناس المحرمات والموبقات في الأخلاق والمعاملات والمعتقد "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الروم: 41) ولا حظوا أن هذه الآية جاءت في سورة الروم!  والأكثر فسادا وطغيانا أنهم يسعون لفرض فسادهم على البشرية جمعاء عبر قوانين دولية تشرعن كل تلك الفواحش وتحميها كما تنص على ذلك بنود اتفاقية سيداو.
وهذا نتاج للإعراض عن شريعة الله عز وجل، فالشريعة الإسلامية لا تقتصر على الهداية الروحانية والإيمانية التي يفتقدها الغرب بشدة تحت وطأة العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة، حيث تفشت فيه الفردانية الغالية والأنانية المطلقة والمادية المتوحشة، فأخذ يبحث عن خلاص بأي طريقة وسبيل، حتى انتشرت بينهم عبادة الشيطان بدلاً من عبادة الرحمن، وتروج بينهم اليوم الديانات الشرقية الوثنية بدلاً من عقيدة التوحيد الصافية.
وشريعة الإسلام لا تقتصر أيضاً على العبادات والشعائر، التي ضلت عنها شعوب العلمانية والحداثة، وأخذت تبحث عنها في طقوس الرقص والسحر واليوغا وغيرها، فزادتها ضلالاً على ضلالها!  
بل شريعة الإسلام فيها أيضاً سعادة البشرية وهدايتها في جوانب الاقتصاد والبيئة والصحة والعمران والسياسة، بما احتوته من أصول كلية وقواعد أخلاقية ومقاصد شرعية، تكفل العدل والحق والرحمة والسلامة والسعادة للبشرية جمعاء، ومن هنا يتبين عظم جريمة المعادين لشريعة الإسلام في حق البشرية التائهة والمعذبة.