مؤتمر: "العالم بعد الانقلاب على إرادة الشعوب"

الرابط المختصر
Image
مؤتمر: "العالم بعد الانقلاب على إرادة الشعوب"

على هامش مؤتمر "العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب"
أسامة شحادة
دعيت الأسبوع الماضي لمؤتمر "العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب" والذي أقيم باسطنبول يومي 25– 26/9/2013 ونظمه منتدى المفكرين الإسلاميين ومنتدى البرلمانيين الإسلاميين، وبالإضافة إلى الإستماع لأوراق العمل والتعقيبات وورش العمل، فإن الفائدة الحقيقية هي من الحوارات واللقاءات التي تتم على هامش الجلسات، أثناء تناول وجبات الطعام وفي المساء والنزهات الفردية.
حين رتبتت حقيبتى وضعت فيها ثلاثة كتب عن الحركة الإسلامية في تركيا كنت اشتريتها من فترة ولم تتح لي الفرصة لقرائتها، وحفزنى احتمال وجود شخصيات تركية في المؤتمر، فتكون القراءة عنها بوابة حوارات واسئلة وفهم لطبيعتها وتجربتها، وفعلاً ألقى  نائب رئيس الوزراء التركي، "بيكر بوزداغ"  كلمة قوية في الجلسة الإفتتاحية، وحضر بعض الباحثين الأتراك للمؤتمر.
الكتاب الأول كان بعنوان "رجب طيب أردغان قصة زعيم"  وهو من تأليف حسين بسلي وعمر أوزباري، وهما من مساعدي أردغان من أيام بلدية اسطنبول، وقد ترجمه د. طارق عبد الجليل، والكتاب غني بالتفاصيل عن مسيرة أردغان والمحطات التي مر بها، ويشرح حقيقة الرؤية المختلفة بينه وبين رؤية أستاذه نجم الدين أربكان، وأن هناك خلاف في التفكير بينهما، قد يكون سببه السن وطبيعة الشخصية والبقاء مدة طويلة في موقع القيادة.
الكتاب حطم الصورة الساذجة لأردغان في ذهنى وأظن كثير من الناس، من أنه فاز برئاسة بلدية اسطنبول ومن ثم تفوق في إدارتها، وهذا جعله يتطلع لرئاسة الحكومة، هكذا بكل بساطة !
فجاء الكتاب ليبين أن أردغان عانى الكثير من الإفشال والعقبات قبل أن يتمكن من الوصول لرئاسة بلدية اسطنبول، وأن هذه العقبات لم تقتصر على الحكومة والجيش التركي العلماني بل جاء بعضها من داخل حزب الرفاه الذي ينتمى له أردغان !
وأن أردغان قام بتطوير حزب الرفاه على صعيد التكتيكات الإنتخابية وعلى صعيد الأفكار، ولكن لما لم يتمكن من مواصلة المسار في داخل الرفاه وورثيه حزب الفضيلة اضطر لقيادة انشقاق من بعيد لكونه محروم وممنوع من العمل السياسي، فظهر حزب العدالة والتنمية.
حين كنت أقرأ في الكتاب وأتعرف على المؤمرات التي تعرض لها أردغان وأربكان وحزب الرفاه، كنت اتساءل هل اطلع الإخوان المسلمون في مصر وغيرها على تفاصيل تجربة تركيا ؟ وهل استفادوا منها ؟ جاءنى جزء من الجواب من حوار طويل بينى وبين د. أحمد اويصال وهو تركي مختص بعلم الإجتماع السياسي اقتم بالقاهرة، و د.ميسة وهي ناشطة مصرية متعاطفة مع الإخوان المسلمين، حيث شخص لها بعض الفروق بين التجربتين وأشار لبعض الأخطاء التي كان يمكن تلافيها مما قد يكون جنب مصر ما تشهده اليوم من انقلاب وفوضى.
الكتاب الثاني هو ( فتح الله كولن، مشروع الخدمة على ضوء نموذج الرشد) للدكتور محمد بابا عمي، من الجزائر، وبرغم أن تيار كولن في تركيا تيار قوي وله امتداده وتأثيره، إلا أن المؤلفات عنه قليلة، ولا تقدم الكثير عن فكر التيار وبنيته، وقد يكون هذا بسبب طبيعة التيار الروحية، وأنه لا يهتم بالتنظيم والسياسة.
يسعى تيار كولن حالياً للتواصل مع العالم العربي من خلال ترجمة مؤلفات كولن للعربية واصدار مجلة حراء وتأسيس المدارس التركية العربية في عدد من الدول العربية منها الأردن، وهي مدارس تجسد الرؤية التي يدعوا لها كولن بالجمع بين الإيمان والعلم مع الأخلاق الفاضلة والمهارات السليمة.
وبرغم أن كولن واربكان من جيل واحد وأرضية صوفية، إلا أنهما افترقا في قضية العمل السياسي، فأربكان بدأ عمله من السياسة والدخول في الأحزاب السياسية، بينما كولن كان ولا زال يتجنب العمل السياسي، وانحاز اكثر ليلعب دور اللوبي في العملية السياسية، ومع هذا فإنه كان لا ينصر أحزاب أربكان ! ولكن تغير موقفه مع ظهور حزب العدالة والتنمية، فمنحه دعمه وتأييده.
وتجربة كولن تطرح رؤية مختلفة تجاه العمل السياسي، فهي تتوسط بين المشاركة السياسية التي يتبناها أربكان في تركيا والإخوان في العالم العربي والجماعة الإسلامية في الباكستان، وبين رؤية ترك العمل السياسي والتي يتبناها تيار من السلفيين وجماعة التبليغ وجماعة العدل والإحسان بالمغرب، فهي رؤية تطرح أن لا تعمل بالسياسية لكن لا تضييع قوتها وتأثيرها بل تجعل منه ورقة ضغط عبر تربيطات في مواسم الانتخابات، وفعلا استفاد تيار كولن من ذلك، ويقول البعض انه جرى تفكير في داخل التيار لتشكيل حزب لكنه لم يتم، والبعض يقول أن هناك خلاف مكتوم بين التيار و اردغان حالياً، ولكن هذه التجربة حرية بالدراسة والتطوير والبحث عن مستقبلها، هل يمكن أن تنقلب مطالب اللوبى لعائق في المستقبل ؟ هل يمكن أن تصل العلاقة لقطيعة بسبب الخلاف ؟
بالمقابل في نقاش مع الأستاذ محمد حمداوى القيادي بجماعة العدل والإحسان بالمغرب، عن طبيعة الجماعة ونهاية الشوط في معارضتها، حيث أن الجماعة ترفض المسار الديمقراطي ولكنها أيضاً ترفض الخروج عن السلمية، أفادنى أن الجماعة كانت المحرض والداعم للحراك بالمغرب، لكن حين وجدت أن مواصلة التصعيد في الشارع سيجر المغرب للصدام وسيجعل من الصدام صدام بين حركتين إسلاميتين، العدالة والتنمية في الحكومة والعدل والإحسان بالشارع، اختاروا التراجع والصبر، وأنهم من 30 سنة يصبرون فلن يضيرهم صبر سنة أو سنتين، ورأيت في موقفهم هذا حكمة ورشد، واستفدت من هذا ضرورة مراجعة حصرنا الحركات الإسلامية فيما نعرف ونعايش فقط، وأن هذا خطأ فهناك رؤى وأساليب أخرى مختلفة تماماً يجب أن نتعرف عليها ونستفيد مما لديها من تميز وحق.
الكتاب الثالث ( الحركة الإسلامية في تركيا ) لمختار الغوث، ومحاولة طيبة لاستعراض مجمل مسيرة التيار الإسلامي بتركيا، لكن صغر حجمه وقلة مصادره، ووقوفه عند سنة 2007، يجعل فيه قصور ظاهر، لكن ما لفت نظرى فيه تحليله للجيش التركي وإشارته لنشوء تنظيم سري عسكري داخل الجيش في سنة 1950 أدى إلى الانقلاب سنة 1960 على الرئيس عدنان مندريس، وأن هذا التنظيم برغم ولائه لقيم اتاتورك والعلمانية، إلا أنه خالف اتاتورك الذي منع الجيش من العمل بالسياسة ونص على ذلك بالدستور، وطبق ذلك واقعا، وسار على نهجه خليفته عصمت إينونو، لكن هذا التنظيم تمرد على ذلك بحجة حماية العلمانية، ومنذ انقلابه سنة 1960 وتركيا تحت حكم الجيش سراً، حتى عدل الدستور سنة 1980 وأقر انشاء قيادة عسكرية باسم الأمن القومي تتحكم بكل شيء، ويبدو أن هذا التنظيم هو نفسه الذي قدم للمحاكمة في تركيا وأدين قادته العسكريون بتهمة محاولة الإنقلاب مؤخراً.       
وفي حديث مع المحلل التركي محمد حول تاريخ الحركة الإسلامية في تركيا وواقعها، نبهنى لقضية مهمة حذر منها النبي صى الله عليه وسلم بقوله: " فوالله ما الفقر أخشي عليكم ولكنى أَخشى أَن تبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم فَتَنافَسُوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلَكَتْهُم"، رواه مسلم.  
وأن شيئاً من هذا وقع في تركيا، فمع ارتفاع معدلات الأجور وتحسن الحالة الإقتصادية، فإن هناك مظاهر ترفية واستهلاكية بدات تشيع حتى في أوساط المتدينيين، والتي تحتاج مزيد من العناية والتركيز على قضايا الدعوة والتربية حتى نحافظ على النمو والتحسن الإقتصادي للناس ونحافظ على الإيمان والأخلاق بينهم، فبيئة الغنى تورث الترف إذا لم تضبط بالتربية السليمة التي توجه الغنى للنواحى الإيجابية، وهذا لا يقتصر على تركيا بل هي حالة عامة، فهل ينتبه لها الدعاة.
في اليوم الأخير وعلى طاولة الإفطار تعرفت من أحد الضيوف الليبيين والمتحدثين في المؤتمر أن من أبرز مشاكلهم اليوم عدم كفاءة القادة والمسؤولين، فالموظف إن كان من رجال عهد القذافي فهو يفتقر إلى المبادرة والتطوير والإنجاز، وذلك بسبب سياسة القذافى المركزية والتي حصرت ليبيا وشعبها في القذافي وأولاده، اما إذا كان المسؤول من رجال عهد الثورة، فغالبا هو يفتقد للخبرة الإدارية ولا يعرف كيف تدار الأمور، وهذا الوضع فتح الباب واسعاً لعودة أزلام القذافي من جديد.
حين أنهيت قراءة هذه الكتب وجدت أننى بحاجة أكثر للقراءة والدارسة والتعرف على تجربة تركيا، فهل توافقنى على ذلك قارئ العزيز ؟
نشر في صحيفة الغد 2013/10/5