سياسة إيران تجاه دول الجوار

الرابط المختصر
Image
سياسة إيران تجاه دول الجوار

هذا الكتاب صدرت طبعته الأولى عن دار العربي للنشر والتوزيع بالقاهرة سنة 2012، ويبدو أنه رسالة جامعية تقدم بها ضاري سرحان الحمداني، ويقع الكتاب في 265 صفحة من القطع الكبير.
موضوع الكتاب مهم ومحدد بكشف سياسة إيران تجاه دول الجوار، وهو يقتصر على دراسة الفترة بين (1990-2000)، ويقوم على فحص فرضية مهمة هي: منذ عهد الشاه ولليوم وسياسة إيران لها سمة ثابتة هي السعي نحو دور إقليمي مميز، والسعي نحو زعامة الإقليم لتحقيق مصالحها وأهدافها، وتتخذ لذلك سياسات مؤذية ومضرة وتتعارض مع مصالح الدول المجاورة وخاصة الدول الخليجية والعربية.
جاءت الدراسة في أربعة فصول وخاتمة، واعتمد الباحث على المنهج الإقليمي في دراسته لتحليل الدوائر الإقليمية في سياسة إيران وهي: جنوب آسيا (باكستان وأفغانستان)، غرب آسيا (تركيا ودول الخليج العربي والعراق)، وشمال غرب آسيا (الجمهوريات الإسلامية)، واستعان بالمنهج الوصفي التحليلي والمنهج التحليلي التاريخي ومنهج تحليل النظم لفك تعقيدات السياسة الإيرانية.
الفصل الأول استعرض الباحث فيه المتغيرات المؤثرة في سياسة إيران الإقليمية، وقسّمها إلى متغيرات مؤثرة داخلية وإقليمية ودولية.
فالمتغيرات الداخلية تشمل المؤسسة الدينية والأحزاب السياسية، وأتباعها ينقسمون إلى قسمين: محافظين متشددين وإصلاحيين براغماتيين يتبادلان المواقع بين السلطة والمعارضة تحت تحكم المرشد الأعلى، وللمؤسسة العسكرية والحرس الثوري خصوصاً دور مركزي في فرض سياسات إيران الخارجية والمعتدية على دور الجوار.
أما بخصوص المتغيرات المؤثرة إقليميا فهي المتغير الإسرائيلي والتركي والإسلامي، فإيران تتخذ من معاداة إسرائيل سببا لصرف أنظار الجمهور الإيراني عن مشاكله الداخلية بحجة الصراع مع حليفة أمريكا والدفاع عن بلد مسلم محتل مما يجذب تعاطف بعض الشعوب والجماعات والدول لصالح سياسة إيران.
وبخصوص تركيا فقد كانت في تلك الحقبة (2000-1990) على خلاف أيدلوجي مع إيران برغم المصالح المشتركة اقتصاديا من جهة والمنافسة على الجمهوريات الإسلامية من جهة أخرى، فتركيا تشترك مع الأذربيجانيين في القومية، لكنهم يوافقون إيران في التشيع، كما أن تركيا وإسرائيل في تلك الحقبة كانتا على علاقة وطيدة.
وبخصوص المتغير الإسلامي فقد سعت إيران لعقد الكثير من المؤتمرات الإسلامية لفتح قنوات مع الدول الإسلامية، وعملت على توظيف التجمعات الشيعية لخدمتها ومناصرة القضايا الإسلامية لخلق مكانة بارزة لها ومؤثرة.
أما العوامل الدولية المتغيرة والمؤثرة فقد كانت انهيار الاتحاد السوفيتي والهيمنة الأمريكية والأوربية، إذ ساهم انهيار الاتحاد السوفيتي في توسع نفوذ إيران في بعض الجمهوريات كطاجكستان وأذربيجان، ومن جهة ثانية هدد بإحياء القوميات كالقومية الأذرية التي تعد أكبر الأقليات الإيرانية مما قد يفتّت إيران.
وشكلت الهيمنة الأمريكية تحديا ضخما لإيران حيث حاصرتها اقتصاديا وحاولت زعزعة حكم الملالي مع مراعاة أن لا تفتت إيران أو تصبح حليفة للروس! لكن إيران تمكنت من العبور عبر بعض الثغرات في السياسة الأمريكية للبقاء والنجاة، حيث تلاعبت بالاتحاد الأوربي لاختراق الحصار الاقتصادي الأمريكي عبر تقديم إغراءات للشركات الأوربية مما أضعف استجابة الأوربيين لطلبات المقاطعة والحصار الأمريكية.
وجاء الفصل الثاني ليعرض القدرات والإمكانيات الإيرانية، حيث استعرض مكونات الدولة الإيرانية من حيث المساحة الواسعة والموقع الجغرافي المتميز، والبنية الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية.
ومن ثم دورها في المحيط الإقليمي العربي والذي يمتاز بالغموض  والمراوغة عموما، ومع دول الخليج خصوصا، مع وجود علاقات متميزة مع بعض الدول العربية كسوريا وليبيا؛ ثم تناول دور إيران في أفريقيا من خلال تقديم المساعدات لاختراق المجتمعات من جهة، والحصول على أصوات داعمة لها في الأمم المتحدة، وتوظيفها علاقاتها النفطية مع بعض الدول للتعاون والاستقرار مثل اليابان أو تدخلها في البوسنة والشيشان.
وختم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن مشاركة إيران في عدد من المنظمات الإقليمية والدولية إذ تجنبت إيران سياسة الانعزال عن العالم، فهي عضو بمنظمة التعاون الاقتصادي، ومنظمة تعاون بحر قزوين، حيث توظف ذلك للتمدد والنفوذ أو للحماية والبقاء من خلال مد الجسور.
وجاء الفصل الثالث ليتناول السياسة الإيرانية تجاه القضايا الإقليمية، وهو من أهم فصول الكتاب، وتناول فيه سياسات إيران حول منطقة الخليج العربي، وفي دول آسيا الوسطى، وكذلك في شبه القاره الهندية.
ففي منطقة الخليج تناول سياسة إيران تجاه العراق والجزر الإماراتية المحتلة والتواجد العسكري الأجنبي في الخليج، ففي العراق كانت هذه المرحلة عقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1988م) بانتصار العراق ومن ثم خسارة العراق عقب غزوه للكويت، وتميزت سياسة إيران بمحاولة استغلال هذا الوضع للتسلل للعراق، فمثلاً عقب الهجوم البري للتحالف الدولي لتحرير الكويت تسلل 40 ألف إيراني، كما أن إيران تدخلت في شمال العراق بحجة مطاردة الأكراد الإيرانيين، وعملت على اللعب على كل الحبال فهي تتفاوض مع العراق من جهة، وتتفاوض مع المعارضة العراقية وتدعمها، وتعارض أو توافق المشاريع الدولية تجاه العراق بما يحقق مصالحها هي لا مصلحة العراق، وتَبين ذلك بوضوح عقب الاحتلال الأمريكي في 2003 والذي ساعدت إيران على وقوعه ومن ثم تمكنت من الاستفادة الكبرى منه.
أما الجزر العربية الثلاث فلم تتغير سياسة إيران تجاهها عن مرحلة بداية ثورة الخميني أو مرحلة الشاه، فشهدت تصعيدا بالاستيلاء الكامل على جزيرة أبو موسى بعد أن كانت تتناصف مع الشارقة السلطة فيها! ثم في عام 1996 افتتحت مطارا فيها، وفي 1999 افتتحت بلدية ، وللآن ترفض إيران أي تحكيم دولي وتراهن على إطالة أمد الأزمة وعدم قدرة الإمارات على التصعيد العسكري، وتحاول إيران أن تجعل المشكلة فقط في جزيرة أبو موسى، أما جزيرتا طنب الكبرى والصغرى فلا تعترف بوجود مشكلة فيها مع الإمارات أصلاً!!
وبرغم هذا العدوان والاحتلال لدول الجوار ترفض إيران وجود قوات عسكرية أجنبية أو عربية في الخليج لأنها تهدد أمن إيران القومي، ولكنها تغطي ذلك برفع شعار (حماية أمن الخليج مسؤولية الدول المطلة عليه) مما يتيح لها العبث بأمن دول الجوار، لكن إيران قبلت بوجود مشروط للقوات الأجنبية لحين الانتهاء من تدمير القوات العراقية في انتهازية واضحة واستغلال للفرصة السانحة للتخلص من عدوها المنتصر عليها سابقاً.
وحول سياسة ومواقف إيران تجاه دول آسيا الوسطى فتناول الكتاب قضية نزاع أذربيجان وأرمينيا وقضية التعاون مع دولة تركمانستان.
فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي تنازعت أذربيجان وأرمينيا على إقليم كاراباخ، وهذا الصراع يهتم به الروس وتركيا وإيران، فإيران تشارك الأذريين المذهب، لكن القيادة الأذرية لا تحفل بالمذهب الشيعي والتبعية للملالي، كما أن تضخم القومية الأذرية والمطالبة بأذربيجان الكبرى يهدد إيران بالتفتت، وتركيا تشاطر الأذريين القومية التركية، وهذا الإقليم سيكون جسرهم للتواصل مع العمق القاري، من هنا وقفت إيران مع أرمينيا المسيحية ضد الأذريين في صراعهم سنة 1990 ومنعت عبور اللاجئين الأذريين لها.
وبخصوص تركمانستان المستقلة حديثا فإن إيران تسعى إلى توثيق العلاقات الاقتصادية معها عبر الشركات التجارية والمساعدات لتكسب سياسيا وتقوى مكانتها ودورها الإقليمي.
أما سياسة إيران في شبه القاره الهندية فتحدث الباحث عن قضية كشمير، وأفغانستان، وقضية كشمير كما هو معلوم صراع هندي باكستاني، ولما كانت إيران في صراع مع الباكستان التي تعد حليفا قويا للسعودية فقد تحولت إيران من منافسة باكستان على كشمير والعداء للهند إلى سياسة التعاون مع الهند ضد باكستان وكشمير! وبرغم ذلك بقيت إيران تراوح بين التقارب مع الهند التى تحتاج النفط الإيراني وإيران التى تحتاج الخبرة النووية الهندية وبين العلاقات المتقطعة مع باكستان أيضا رغبةً في المعرفة النووية الباكستانية، في سياسة مصلحية انتهازية.
وفي أفغانستان حرصت إيران -عقب انسحاب الروس منها- على الحيلولة دون قيام نظام إسلامي قريب من السعودية التي دعمت الجهاد الأفغاني لأن ذلك يهدد مصالح الملالي، ولذلك حثت إيران شيعة أفغانستان على تشكيل حزب الوحدة سنة 1990، وعقب قيام حكومة طالبان في أفغانستان بقيت إيران متوجسة منها، واتهمت طالبان إيران بتسليح حزب الوحدة الشيعي، وتفاقمت بينهما الخلافات لدرجة قتل طالبان عددا من الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار شريف في 1998، ولكن تجنّبت إيران الدخول في صراع عسكري مع طالبان قد يخدم خصوم إيران ويجرها إلى حرب عصابات مع نظام طالبان الذي لا يملك ما يخسره!
وجاء الفصل الرابع ليوضح انعكاسات السياسات الإيرانية الإقليمية على الوطن العربي على كل من المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، ثم بيان التوجهات المستقبلية لسياستها على المستوى الإقليمي والدولي.
كان لسياسات إيران الإقليمية انعكاسات سياسية سلبية على الوطن العربي وتحمل تهديدا لأمنه القومي، حيث شكّل تصدير الثورة الأساس في العلاقة مع الدول العربية، كما حرصت إيران على عزل دول الخليج عن محيطها العربي تحت شعار التعاون الإقليمي لدول الخليج في محاكاة للسياسة الإسرائيلية التي تسعى للتعاون الإقليمي مع دول الطوق بعيداً عن الإجماع العربي، وقد تسبب ذلك بترسخ الوجود العسكري الأجنبي في الخليج، كما أن إيران حرصت على إقامة علاقات ثنائية مع دول الخليج بشكل منفرد مما أقلق الإمارات في موضوع الجزر المحتلة، وسعت إيران للهيمنة على السودان وعبثت في الجزائر ودعمت بعض الجماعات المتطرفة.
وخطر السياسات الإيرانية تجاه الوطن العربي على المستوى العسكري يتجسد في التهديد المتمثل في الصواريخ بعيدة المدى وبرنامج الأسلحة الكيماوية والأسلحة النووية، مما يضاعف من محاولات إيران الهيمنة على المنطقة العربية كما يحدث اليوم، ومن التهديدات الإيرانية للأمن القومي العربي المواطنون من أصول إيرانية والذي جاؤوا في هجرات سابقة ولكن إيران تمكنت من الحصول على ولاء كثير منهم وخاصة من تسنموا مناصب في هذه الدول، كما تعتمد إيران على اختراق الدول مخابراتيًا تحت غطاء الدبلوماسية.
وعلى المستوى الاقتصادى تهدف سياسات إيران للمشاركة والمنافسة التجارية لتكون جسرا للاختراق والهيمنة فقد اتفقت مع قطر والكويت على مدّهما بالمياه العذبة، وهذا سيرهن قرارهما السياسي لاحقا لصالح إيران، وبسبب اكتشافات البترول حول الجزر الإماراتية قامت إيران بمد مساحة بحرها للهيمنة على النفط في باطن البحر، كما نصّت توصيات وزارة الخارجية الإيرانية على ضرورة استغلال الأزمات الاقتصادية لمصر والأردن وتركيا وباكستان والسودان ضد أنظمتها الحاكمة!
أما بخصوص مستقبل سياسات إيران على المستوى الإقليمي فسوف تبقى أزمة جزر الإمارات قائمة، ولكنها ستقارب بين عُمان وإيران، وقد حدث هذا فعلاً، وستستمر إيران في دعم جماعات التطرف والعنف وقد تكشف مؤخرا عمق العلاقات الإيرانية مع تنظيم القاعدة ولاحقا داعش، وسيبقى تبادل الأدوار بين المحافظين والإصلاحيين في سياسة إيران سببا لتحقيق اختراقات سياسية مع دول الجوار لصالح أهداف إيران.
أما على المستوى الدولي فستعمّق إيران صلاتها بالصين واليابان والهند وروسيا، وسيستمر تدهور العلاقات مع أمريكا، وهذا ما نشهده اليوم في عهد ترامب -برغم مرور 10 شهور على حكمه تقريبا إلا أنه لم يتخذ خطوات عملية بعد- بعد مرحلة أوباما التي يؤكد أغلب المحللين أنها قدمت تنازلات مجانية لصالح إيران!
وبهذا يتضح أن سياسات إيران تجاه دول الجوار تحوي قدرا كبيرا من العدوان والانتهازية، وأنها سياسة واعية ومقصودة وتوظف قدراتها المالية والسياسية وعقيدتها الشيعية في تحقيق مصالحها على حساب الدول المجاورة والأخرى ولا تتردد في اتخاذ مختلف الوسائل من الدبلوماسية والاقتصاد والتدخل العسكري أيضا.