كم أُشفق على جهود كثير من الناس الذين يملؤون الدنيا صراخا وعويلاً في حواراتهم المباشرة وفي العالم الأزرق من خلف لوحة المفاتيح، لكنّ كل صراخهم وعويلهم هو حول النصف الفارغ من الكوب!
فهُم بين من يلوم الحكام والحكومات على تقصيرهم الفاضح في نصرة الضعفاء والمنكوبين من المسلمين وبسبب علاقتهم الوثيقة بأمريكا وأمثالها، ومنهم من يلقي اللوم على بعض الحركات الإسلامية بسبب أخطائها الدائمة في التحالف والتعاون والتعامل مع ملالي الشيعة الطائفيين والإرهابيين وعدم حرصهم على سلامة التوحيد واستقامة الاتّباع للنبي صلى الله عليه وسلم.
والخطير في الموضوع أن هذه الجهود غالباً ما تكون ضائعة وغير مثمرة، بل تزيد العداوة والبغضاء بين الطرفين، فلا هؤلاء يستمعون لهولاء، ولا هؤلاء يكترثون لهؤلاء، بل تجد بينهم وصلات من الشتم والردح دونما أي فائدة!
وتخيلوا لو أن هذه الجهود تسخّر لخدمة النصف المملوء من الكوب، فتعمل على زيادة كمية ما فيه من خير وبركة، أو تهدف إلى تحسين جودة ما في الكوب بإضافة ما يجمّله ويعززه، فلو حصل هذا لكان في ذلك فائدة ومنفعة للجميع بأن جهودنا لا تضييع هباء، بل يكون لها ثمرة ونتيجة طيبة.
لو أننا نطبق الحكمة الشائعة "أشعل شمعة بدلا من لعن الظلام" لاستنارت دنيانا من حولنا بدلا من الحروب الأهلية والصراعات البينية المعرقلة.
ليس مطلوبا من الناس ترك قناعاتها، بل المطلوب عرض قناعتك بهدوء، وعدم الانشغال بالحوارات والردود العبثية على كل تعليق ومحادثة، ألقِ كلمتك وامشِ، وتعاون مع من تراه موافقا لقناعتك وحاور بلطف من تظنه جادا في الحوار المهذب.
والأهم من ذلك أن تعمل لقناعتك، فمن يحذّر -وهو مصيب- من خطر التعاون مع الشيعة ويحذّر من خطر البدع على سلامة نهج المسلمين، عليه أن يسعى بجدية لنشر السنة ومقاومة البدع والمبتدعة الحقيقيين بالحكمة والعمل الفعلي، لا أن يحارب إخوانه فقط ممّن لم يصلوا إلى قناعته بعد، بينما يسلم منه المبتدعة الأصليون!
ومن يرى أن العلّة في الحكام والحكومات نسأله: ما فائدة صبّ اللعنات والشتائم على إخوانك الذين يرون أن ذنوب الجميع -حكاما ومحكومين- هي سبب ما نحن فيه، فلماذا نعتب على الحكومات العربية على عدم الاتحاد والتعاون ونحن نرى في الثورة السورية الشعبية أكثر من 300 فصيل لم تجتمع إلا على القبول بهدنة روسية في سوريا برغم أن روسيا هي جزء من العدوان على ثورة الشعب السوري! وكيف نلوم الحكام فقط على عجزهم عن دعم للشعب الفلسطيني، والشعب الفلسطيني عبر 70 عاماً لم تندمج فصائله بل تتكاثر وتنشطر! وهي عاجزة عن اجتراح برنامج حقيقي يختلف عن برنامج الأنظمة العربية!
إن الانشغال بنصف الكوب المليء هو السبيل الوحيد ليصبح هذا الكوب ممتلئاً في النهاية، وما سوى ذلك إنما هو حرث في البحر على الحقيقة! مما قد يتسبب بكسر الكوب أو سكب ما فيه هباءً منثوراً.
إيّاك أن تنشغل بالنصف الفارغ من الكوب!
2017/07/01
الرابط المختصر
Image