ابن باديس ومنهج الإصلاح

الرابط المختصر
Image
ابن باديس ومنهج الإصلاح

بكلمات قليلة لخص لنا المصلح الجزائري العلامة عبد الحميد بن باديس منهجية الانتفاع الحقيقي بالقرآن الكريم لعمارة القلب بالإيمان والدنيا بالعمران كما تجسد ذلك واقعاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فقال رحمه الله: "فإن القرآن لا يأتي بمعجزاته، ولا يؤتي آثاره في إصلاح النفوس إلا إذا تولته بالفهم عقول كعقول السلف، وتولته بالتطبيق العملي نفوس سامية وهِمم بعيدة، كنفوسهم وهِممهم".
فالتسليم لأوامر القرآن وفهمها على حقيقتها واتباعها بالتطبيق والعمل هو منهج السلف الذي أثمر انتشار رسالة التوحيد في أرجاء الأرض في سنوات معدودة.
وقد جسدت تجربة ابن باديس الإصلاحية هذه الحقيقة بشكل مباشر وواضح، فلما اهتدى بهداية القرآن الكريم بالبدء بإصلاح الأنفس امتثالاً لقوله تعالى: "قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها" (الشمس: 9-10)، فركز ورفاقه في جمعية علماء المسلمين دعوتهم على نشر التوحيد وتعليم العلم ومحاربة الشرك والخرافة والبدعة والجهل في ظل الاحتلال الفرنسي المجرم وخيانة الطرقيين الصوفيين، أثمر ذلك نهضة إسلامية عربية في الجزائر تمثلت في انتشار الإيمان والعروبة والعلم والوطنية فتفجرت الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي، وعدّ ابن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية.
نعم، تم الالتفاف على جهود ابن باديس ورفاقه وإقصاؤهم، وتقديم رجالات فرنسا لقيادة الجزائر لاحقاً، لكن ابن باديس ورجاله أثبتوا أن سبيل التحرر والنهضة والقوة والتقدم هو منهج التسليم لحقائق القرآن الكريم والمسارعة للتطبيق والامتثال بإصلاح النفوس والعقائد، وبذلك تجتمع قوة الفكر والعمل ويتغير الواقع.
من هنا فإن معيار صدق الانتماء لمسيرة الإصلاح لكل فرد منا هو مقدار اهتمامنا وجهدنا بفهم مطالب وحقائق القرآن الكريم ومقدار تطبيق لوازم ذلك في حياتنا العملية، وكم نحقق من تقدم على صعيد تزكية نفوسنا فعلاً.
إن وجودنا في بيئة صعبة وظروف غير مواتية ليس مبرراً للتقاعس عن تزكية النفس والسعي في الإصلاح بما نستطيع، ولنا في تجربة ابن باديس مثال ومنارة، فقد سعى بما يستطيع لنشر التوحيد والعلم في أحد المساجد وأحد النوادي، فسخّر له الله عز وجل التوسع وتأسيس جمعية ومدارس وصحف و... كحال كل المصلحين من قبله ومن بعده.
إذن لنبدأ بالممكن والمتاح في الإصلاح ونركز على إصلاح النفوس امتثالاً لمنهج القرآن الكريم، والتوفيق والسداد بيد رب العباد الذي لا يضيع عمل عامل.