روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف الخوارج: "سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قومٌ يُحسنون القيل ويُسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة، لا يرجعون حتى يرتدّ السهم على فوقه، هم شرّ الخلق والخليقة، طوبى لِمن قتلهم وقتلوه، يَدعون إلى كتاب الله وليسوا منّا في شيء، مَن قاتلهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسولَ الله ما سيماهُم، قال: التحليق". صحّحه الألباني.
ويهمنا في هذه المقالة أن نقف مع قوله صلى الله عليه وسلم "يُحسنون القيل ويسيئون الفعل" ونتأمل هذا الوصف للخوارج المخربين ومن يماثلهم، وكيف يمكن أن نستفيد من هذه النصيحة النبوية في تجنّب كثير من الكوارث والجهود الضائعة والتجارب الفاشلة والطاقات المهدورة.
يحذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الانخداع بالشعارات البراقة والهتافات الجميلة والألسن الطلقة والعبارات اللذيذة المخدرة خاصة إذا كانت الأعمال المصاحبة لها سيئة!
وقد وضع لنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ميزاناً للفكر والتدبر بمقارنة الأقوال بالأفعال، فمتى تَطابق حسن الكلام مع حسن الفعال فهذا هو عين المطلوب، ومتى توفر حسن الكلام وتخلف حس الفعال فهنا يجب أن تشتعل الأضواء الحمراء وتطلق أبواق التنبيه والتحذير من الانخداع بهذه الجهات.
وهذا الميزان والصفة يتميز بهما الخوارج لأنهم يستخدمون كلام وقول "خير البرية" كما في الحديث الآخر، لتمرير انحرافهم وضلالهم بتكفير المؤمنين، ولتبرير قتلهم ردةً وكفرا!! وإن كان يشارك الخوارج في ذلك غيرهم من الضلاّل والمنحرفين.
وفي واقعنا اليوم رفعت داعش راية الخلافة والجهاد وتحكيم الشريعة، وهذه الشعارات من (حسن القيل) ومن (خير كلام البرية)، ولكن الأفعال كانت فاسدة ومدمرة ومهلكة، حيث شوهّت مفهوم الخلافة والجهاد وتحكيم الشريعة، وأصبحت الدعاية السلبية عنها هي السائدة في مناطق داعش.
وباسم الدفاع عن الأقصى ونصرة أهل القدس تم الطعن في كثير من العلماء والدعاة زوراً وعدواناً، حيث اطلقت الاتهامات ونشرت الشائعات عن تقصير وتقاعس وتفريط وخيانة، ومرة أخرى كان القول حسناً وأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعظيم حرمات الله، لكن الفعل كان سيئا بالطعن في العلماء وشتمهم وسبّهم والتنقص منهم وترك الاستماع إليهم!
وباسم الوحدة الإسلامية تتم الدعوة للتقارب مع الشيعة والتعاون معهم دون شرط أو قيد، وباسم الجهاد وتحرير المقدسات يتم تأييد محور المقاومة والممانعة، ولكن ما نحصل عليه في الحقيقة اغتيال علمائنا وقادتنا وإبادة الكثير من الأبرياء والاعتداء عليهم، وتدمير بنيتنا التحتية وعرقلة قوتنا وعزنا.
وباسم التنوير والتقدم والرقي ومثل هذا الكلام المعسول، يتم الدعوة للتبرج والسفور والاختلاط والغناء والفحش وتقليد الكفار وكسر حواجز الولاء والبراء، في إفساد للعقائد والسلوك والأخلاق.
وباسم محاربة التطرف والإرهاب والتشدد والغلو، يتم محاربة منهج التمسك بالقرآن والسنة ومنهج السلف، ويتم الترويج والدعاية لبعث التصوف المنحرف والمذهبية الضيقة وانفلات الفتوى وتصدر شرذمة من الأفاقين لمنابر الإعلام!
الخلاصة: قارِنوا الأقوال بالأفعال تتجنبوا التورط في الكوارث والمطبات.
احذروهم!
2017/08/01
الرابط المختصر
Image