الإعلام المدفعية الثقيلة

الرابط المختصر
Image
الإعلام المدفعية الثقيلة

يعتبر الإعلام من أهم الأدوات المستخدمة في حرب الأفكار التي تشن على أمتنا الإسلامية اليوم، وتوظيف الإعلام في التلاعب بأفكار الشعوب أمر عام ولا يقتصر على المسلمين، ومن يطالع كتاب (المتلاعبون بالعقول) المنشور ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية يعلم تطبيقات ذلك على الشعب الأمريكي منذ عدة عقود.
وقد تم توظيف الإعلام في عالمنا العربي في حرب الأفكار بعدة طرق وأشكال، منها الإلهاء عن الهزائم والخسائر أمام دولة اليهود بالأفلام والأغاني الهابطة، وهو ما برع به النظام الناصري. 
وفي حاضرنا يتم توظيف الإعلام في حرب الأفكار بإشراك الجمهور بالانحلال والفجور من خلال برامج الواقع، بعد أن نجح الإعلام الفاسد في تطبيع الفجور بين الناس، ومن أبرز مظاهر ذلك تفشي ظاهرة التبرج الفاحش باللباس والسلوك مع وضع غطاء الشعر!
ومن مظاهر حرب الأفكار في الاعلام إقصاء أهل العلم والخير أو حصارهم فيه، مع فتح الباب على مصراعيه لأهل الباطل من أهل الفجور أو البدع والطائفية خاصة الشيعة أو دعاة التحريف للدين لينشروا الشهوات والشبهات وترسيخ فهم مغلوط للدين، ولذلك كثر ترداد الشبهات على ألسنة العامة اليوم.
إن تأثير الإعلام في مجال تغيير الأفكار له تأثير عظيم، ومن أعظم أدوات الإعلام تأثيرا  التلفزيون بعامة، والدراما بخاصة، لأنها تخاطب جميع الشرائح، متعلمة وغير متعلمة، كبارا وصغارا، رجالا ونساء، ثم عادة يتم تقبل الرسائل المباشرة والخلفية دون مقاومة لانشغال العقول بالمتعة والترفيه والتسلية!
ويكفي في الدلالة على عظم تأثير الإعلام والدراما ملاحظة تأثير دبلجة الدراما التركية المنحلة والمحافظة، فالمسلسلات التركية السيئة كان لها تأثير سلبي في زيادة التعري وزنا المحارم وتناول الخمر وتشويه صورة الأسرة، بينما مسلسل مثل "قيامة أرطغرل" له صدى إيجابي بالعموم، وأيضا يمكن فهم ضخامة تأثير الدراما في تغيير القناعات أن مسلسل "الحاج متولي" عرض لنموذج مثالي لرجل متزوج من أربع زوجات، ويعيش بسعادة هو زوجاته، مما غيّر الكثير من القناعات السلبية لدى النساء عن التعدد، والتي تكونت سابقاً بتحريض وشحن من مئات المسلسلات والأفلام، وقد كشف كاتب المسلسل أن قصة الفيلم استفادت من السيرة النبوية في التعامل مع الزوجات!
ومن هنا؛ فإن كل ما يعرض في الإعلام هو بمثابة قصف مدفعي يستهدف الرؤوس والعقول وليس أمورا عابرة، فزيّ مذيعات الأخبار -احتشاما وعريا- هو سياسة مقصودة، ومدى فحش الألفاظ والترجمة والسلوكيات على الشاشات أمور محسوبة، ونوع الضيوف ومواضيع الحوارات اختيارات مدروسة، وإن جرأة/ وقاحة الإعلانات رسالة مختارة، فلذلك لا تتعامل مع الإعلام بحسن نية أبدا! فليس بريئا سماح سجون اليهود بعرض قنوات MBC  فقط للأسرى!
ومن آخر نماذج توظيف الدراما في حرب الأفكار ضد الإسلام فيلم "مولانا" المأخوذ من رواية إبراهيم عيسى اليساري المتشيع، الذي موله وأنتجه نجيب ساويرس السياسي المسيحي الإشكالي!
ولإدراك نظام الملالي لأهمية الإعلام في مشروعه التوسعي فقد اعتمدت إيران قبل أيام رفع ميزانية الإعلام لـ ٣ مليارات دولار لتكمل غزوها لنا من الخارج بقنواتها الفضائية، ومن الداخل من خلال أزلامها في القنوات العربية والعالمية.
من إبداعات د. فريد الأنصاري، رحمه الله، تأويله تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من نزول الفتن كالمطر بين البيوت في البخاري، بأن هذه الفتن هي البث الفضائي وما يشابهه كالانترنت الذي لا يكاد يخلو منه بيت!
وفي مقابل هذا، شهدت السنوات الماضية انفراجة مؤقتة شهدت تأسيس عدد من الفضائيات الملتزمة، والتي رغم تواضع إمكانياتها إلا أنها حققت مكاسب دعوية كبيرة، ويكفي في بيان تأثير الإعلام الملتزم دورها البالغ في نشر الدعوة في بلاد مغلقة أمام الدعوة كتونس قبل ثورة الياسمين، والتي قيل فيها إنها فتحت فضائيا! وأيضا يكفي في بيان تأثير الإعلام الملتزم أنه زلزل أركان الطائفية حين تصدى لها بمناظرات علمية حملت مراجع الطائفية على تحريم مشاهدة هذه المناظرات.
إن الاعلام أداة خطيرة لتغيير الأفكار تجاه الخير والشر، ومن تحديات العمل الإسلامي اليوم امتلاك ناصية الإعلام من كوادر مؤهلة شرعيا وعلميا ومهنيا، وتوفر المنصات الإعلامية الكافية والمناسبة، ووجود الوعي بأهمية دعم ورعاية العمل الإعلامي من العلماء وأهل المال، كما أن القطاع الإعلامي يحتاج لكثير من الاجتهاد الشرعي لتجويد دوره الدعوى المباشر وغير المباشر، فالعمل الإسلامي اليوم يخسر كثيرا من المعارك لأنه يفتقد لمدفعية إعلامية ثقيلة.