البدانة الفكرية إفراط التشخيص وفقر الحلول

الرابط المختصر
Image
البدانة الفكرية إفراط التشخيص وفقر الحلول

البدانة حالة مرضية وليست صحية بتاتاً، وتعرّف البدانة أو السمنة بأنها تلك الحالة الطبية التي تتراكم فيها الدهون الزائدة بالجسم إلى درجة تتسبب معها في وقوع آثار سلبية على الصحة، وعادة ما تنتج السمنة من مزيج من سعرات حرارية زائدة عبر منتجات العولمة والحداثة من الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والحلويات، مع قلة في النشاط البدني من خلال التنبلة أمام شاشات التلفاز أو الهاتف!
وعلى غرار هذه البدانة الجسدية هناك حالة من البدانة الفكرية والتي تُظهر البعض (منفوخا) فكريا فيما يظهر للناس، لكنه في الحقيقة نفخٌ مضرّ ودهون / أفكار زائدة لها آثار سلبية على الفرد والمجتمع!
ومصدر هذه البدانة الفكرية المصادر الملوثة للأخبار والأفكار والمليئة بالإشاعات والأباطيل والاتهامات لكنها على طريقة البرغر جذابة بلون الخس الأخضر والطماطم الحمراء والجبنة الذائبة بسبب الحرارة لما يفترض أن يكون لحماً لكنه في الحقيقة خليط من مكونات شتى لا تطاق لولا الصبغات والمحسّنات!
فهذه الألوان البهية والرائحة الشهية والدعاية المغرية التي تعرض بها وجبات البرغر ووجبات الأخبار تسبب البدانة للأجساد والبدانة للعقول والأفكار خاصة للنفوس الضعيفة التي لا تملك لجم هواها والسيطرة على شهواتها حين تعرض الوجبات الشهية الغذائية أو الخبرية أمام ناظريها.
والمشكلة أن غالب البدناء يعرفون مشكلتهم ويعرفون مخاطر استمرارهم في تناول هذه الوجبات كحال المدخنين، وأيضا أصحاب البدانة الفكرية يعلمون خطورة البقاء متسمّرين أمام الشاشات التي تمرر عليهم الأكاذيب والخزعبلات، ولكن سحر الصورة وجمال اللغة ووسوسة إبليس قلّما تمكّنهم من مقاومتها ولذلك تزاد بدانة عقولهم وأفكارهم، فتمتلئ بآلاف الأخبار والصور التي تشخص الأحوال بالحق قليلاً وبالباطل أضعافا مضاعفة فتتراكم هذه الأباطيل في فكرهم وتنتفخ به ملفات عقولهم وتصبح عرضة بشكل أيسر لكل الأمراض العقلية من سوء التقدير والتصور وخلل الفهم والإدراك وحب الإشاعة ورفض الحقيقة، ويعتاد على التفكير الأحول والذي يتسبب بتكرار الكوارث كل حين، وتسيطر عليه الدعة والسكون لثقل البدانة ويكتفي بالشجب والتشخيص وتوزيع اللعنات والاتهامات والمراوحة في المكان وهو جالس يطالع المزيد المزيد من الأباطيل التي تزيد في بدانته!
ومقابل ذلك كله يعاني من فقر في التحليل السليم والبحث عن الحلول والتي هي في الحقيقة ثمرة الفكر والعقل، كما يعاني البدين من فقر الدم برغم وزنه الكبير وحجمه الضخم!
كم هو مؤلم حين تخوض حواراً مع من يفترض به العقل والعلم لتُفاجأ بأنه من فقراء الحلول وبديني التشخيص والتقاعس!
وصدق أبو الطيب المتنبي حين قال:
أُعيذُها نظراتٍ منك صـادقةً               أَنْ تحسَبَ الشَّحمَ فيمن شحمُه وَرَمُ
أو قول الحريري في مقاماته: قد استسمنت ذا ورم، وقالت العرب: ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة، فاحذر أن تكون من بدناء الأفكار!