تتصاعد الآهات والشكوى من سوء أوضاع المسلمين وصعوبة التحديات التي تواجههم، وبالتجاوز عن آفة التعميم والمبالغة في هذه الشكاوى والتركيز على مربع الحل والعمل المطلوب للتخفيف من هذه الأوضاع السيئة والتحديات المزعجة يلزم أن نطرح بضعة أسئلة مباشرة ومهمة:
هل هذه هي أسوأ الأوضاع التي عرفتها أمتنا في تاريخها؟
هل تجاوزت أمتنا أمثال هذه الأزمات؟
هل كان لديها أدوات أفضل مما لدينا اليوم؟
للإجابة عن هذه الأسئلة نحتاج إلى مجلد أو مجلدات، ولكن لو حصرنا أسئلتنا بآخر قرنين من حياة أمتنا، سنجد أننا فقدنا دولة الخلافة الجامعة وتفتت أقاليمها إلى دول متعددة، واجتاح الاحتلال الخارجي أغلب مناطقها، وانتشر الجهل والمرض والفقر في ربوعها، وانتشرت الخرافة والشعوذة كبديل عن التدين الصحيح بفضل الجهل ودعم المحتلين للطرق الصوفية في بعض البلاد، ثم ضربتنا موجة الشيوعية واليسار باسم التحرر والتقدم، فسُبّ الله عز وجل وكُفر بالدين جهاراً نهاراً في صحف رسمية وبرامج إعلامية وقصائد وروايات أدبية في بلاد عدة، وخلت المساجد من روادها وهجرت المصاحف!
فقام علماء ربانيون في مشارق الأرض ومغاربها يدعون المسلمين للعودة إلى ربهم والتعرف عليه والقيام بواجب عقيدة التوحيد من ترك الشرك والوثنية التي انتشرت بينهم بتعظيم القبور والأضرحة وطلب الحاجات منها والاستغاثة بالأموات، وأخذوا يعلمونهم معاني ومفاهيم القرآن الكريم والسنة النبوية، فبدأت أنوار الوحي تسطع على قلوب المسلمين والمسلمات وعاد الإيمان ينمو في أفئدتهم مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليخلق -يبلى- في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" صححه الألباني في صحيح الجامع.
ومن هذه الجهود المباركة في الدعوة والتعليم التي قام بها أئمة أعلام أفذاذ تبدلت أحوال الأمة في عقودها الأخيرة، إذ عمرت المساجد وفتحت المصاحف، وملئت الثكنات بمن يدافع عن الوطن، وتواصل العمران وأنشئت المدارس والجامعات وتعلم الجيل الجديد من الفتيان والفتيات، وطويت صفحة الإلحاد والشيوعية التي خدعت البعض.
لقد كانت جهود علمائنا في التربية والتعليم والدعوة في أرجاء الأمة هي القوة الهادئة التي تصدت للتحديات بحكمة وصبر فغيرت بيئة الأمة وحسنت تربتها، وأسست لمؤسساتها التعليمية والقانونية، ورعت النابغين من شبابها الذين قادوا المسيرة لاحقاً فتحقق للأمة الاستقلال والنهضة والصلاح والصحوة الإسلامية.
إن جهود الأئمة في الدعوة والتعليم من أمثال محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة والصنعاني والشوكاني في اليمن وعثمان فودي في أفريقيا وأحمد عرفان وصديق حسن خان في الهند وغيرهم هي التي أسست للمراحل التالية من توسع أنوار الوحي الرباني بين المسلمين حيث ظهر أمثال رشيد رضا ومحب الدين الخطيب في مصر والشام وابن عاشور وابن باديس في تونس والجزائر، وغيرهم كثير كثير، كانوا آباء الصحوة الإسلامية التي نعيشها.
هذه الجهود الدعوية والعلمية بدأت بمبادرات فردية ثم كَتب الله لها القبول بين الناس عامة وسلطة، فزادت نوراً على نور، وأصبحت لها دول وممالك تسير على هديها، وجرت عليها سنن الله في الأمم والشعوب من الضعف والقوة.
إن الوعي بالقوة الفائقة للقوة الهادئة المتمثلة بالدعوة والعلم في غاية الأهمية لِما للاعتزاز بسبيل العلم والدعوة واستحضار مركزيته وأهميته وضرورة تطويره وتفعيله ضمن أصوله وأسسه من ترسيخ الثقة بمنهج السلف وثمراته العظيمة على الأمة في النفس، وحماية شبابنا من الانزلاق لمسارات التهور والعنف البراقة، وهذا لا يعني الجمود على تعليم تقليدي في المضمون أو الأسلوب أو رفض مسارات إصلاحية أخرى أقر بصوابها أهل العلم الثقات.
الدعوة والتعليم قوتنا الهادئة
2017/10/01
الرابط المختصر
Image