ترمز أسطورة حصان طروادة لخطورة الغدر والخداع تحت شعارات براقة، فلم ينجح الإغريق بالسيطرة على مدينة طروادة رغم حصارها عشر سنوات إلا بحيلة صنع حصان خشبي ضخم أجوف مملوء بالمحاربين، ثم تقديمه لأهل طروادة كهدية من الإغريق الذين قرروا الرحيل وفك الحصار، وفعلا انسحب الجيش الإغريقي وأمر ملك طروادة بإدخال الحصان للمدينة وإقامة الاحتفالات، وفي الليل خرج المحاربون من جوف الحصان وفتحوا أبواب المدينة للجيش الإغريقي الذي عاد تحت ستار الليل وتم قتل الجميع بلا رحمة، هذه قصة "حصان طروادة".
في عصرنا الحالي، عصر العولمة وعصر القوة الناعمة وحرب الأفكار، تم استحداث مصطلح "المجتمع المدني" كأداة سلمية للتغيير السياسي في المجتمعات، ولكن حتى تعمل هذه المؤسسات باستقلالية عن الدولة فإنها تحتاج لدعم مالي، ومن هنا تتقدم جهات مانحة كالمنظمات الدولية أو مؤسسات مدنية غربية غالبا أو مؤسسات حكومية غربية لتمويل ودعم برامج وأنشطة مؤسسات المجتمع المدني المحلي، وهذا يفتح باب التوظيف والتخادم والعمالة وتنفيذ الأجندات الخارجية.
ومن هنا تحول مفهوم المجتمع المدني في عالمنا الإسلامي من مؤسسات تقوم بحماية المجتمع وتدافع عن مصالحه ضد تغول السلطة المحلية أو ضغوطات المجتمع الدولي إلى حصان طروادة يقوم بتمرير ضغوط العالم الخارجي على المجتمع والسلطة المحلية، عبر حملات إعلامية عامة ومنظمة وندوات ومؤتمرات تستهدف كسب عقول صناع القرار من البرلمانيين والسياسيين والإعلاميين، بحيث يتم قلب الأفكار والتوجهات، وبالمقابل تجني هذه المؤسسات أرباحا ومكاسب مالية ضخمة باسم دعم البرامج والمشاريع!
وتتنوع الجهات الداعمة والمستفيدة في قصة المجتمع المدني بحسب تخصصها وقضيتها وبحسب توجهها السياسي وانتمائها الفكري وبحسب الدولة الداعمة وأجندتها السياسية والفكرية.
فمنذ ظهور استراتيجية الفوضى الخلاقة في مطلع عام 2005، والتي أعلنتها وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" تم تعميم برامج لنشر ثقافة حقوق الإنسان والثقافة الديمقراطية، ولكن سرعان ما ركب موجة المجتمع المدني التيار اليساري عموما، فمع ضمور الاتحاد السوفيتي وانفضاح الأحزاب الشيوعية والاشتراكية واليسارية والبعثية العربية والتي كانت بمثابة فروع لروسيا في بلادنا تحول الرفاق ليصبحوا نجوم المجتمع المدني، وليكملوا مسارهم من قاعات الفنادق بدلا من حفر الخنادق! منتهزين فرصة التوافق الثقافي مع الغرب لخلخلة بنية المجتمعات العربية الإسلامية، مع احتفاظهم بالخلاف السياسي مع الغرب.
ونافسهم على ذلك التيار الشيعي السياسي، فأصبحت مؤسسات المجتمع المدني التابعة لهذين التيارين هي حصان طروادة لتهديد المجتمعات والسلطات المحلية وإحداث اختراقات لصالح المموّلين أو الموجهين.
فبدلا من الضغط الخارجي على الدول للرضوخ لبعض الأجندات والمطالب مما قد تستغله السلطات لحشد الجماهير خلفها أو الاحتجاج بالجمهور لرفض هذه الضغوط، فإن القوى الدولية تقوم بدعم بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تتقاطع معها أو تتبع لها بسبب التمويل لحشد الجمهور خلف المطالب الدولية للضغط على الحكومة المحلية، ولعل أبرز مثال لذلك ضغط المؤسسات النسوية اليسارية المحلية على السلطات الرسمية المحافظة للرضوخ لاتفاقية سيداو العالمية التي تهدم مبادئ الأسرة في الإسلام وتشيع الفواحش والانحلال في المجتمعات.
ومن يتابع المؤسسات الحقوقية الشيعية في الداخل العربي والخارج الدولي يجد بوضوح أنها تسخّر ما تلقته من تدريب وتطوير وثقافة وتمويل من أجل الدفاع عن الإرهابيين الشيعة المحليين المتورطين في عمليات إجرامية ضد أوطانهم وشركائهم في الوطن كما في البحرين والسعودية والكويت واليمن.
وأيضا تم تسخير هذه المنابر والمؤسسات لتشويه صورة الدول السنية ووصمها بالإرهاب والقمع والاعتداء على المواطنين الأبرياء الشيعة في خدمةٍ للأجندة الإيرانية.
ومِن عجائب حكاية مؤسسات المجتمع المدني أن التمويل الغربي والأمريكي خصوصا، وغالبه تمويل شبه حكومي، يصبّ في خدمة وتقوية المعارضة اليسارية والشيعية للدول العربية التي تدعمها الإدارة الأمريكية، فما هو المقصود بذلك؟ وهل ضرب السلطة بالمعارضة كان مقصودا لخدمة مخططات معيّنة؟ وهل سيطول الزمن حتى تظهر حقائق دعم وتدريب وتأهيل قوى مثل حركة 6 إبريل المصرية منذ سنة 2008 على الثورة والاحتجاجات في صربيا وأمريكا؟
والأعجب من هذا أن ما تقوم به المؤسسات الغربية باسم دعم المجتمع المدني في عالمنا العربي، يعد خيانة وجريمة بمعاييرهم، في حالة تقديم دعم أجنبي لمؤسسات المجتمع المدني في الغرب، واليوم هناك ضجة في أمريكا بخصوص مزاعم عن دعم روسي لحملة ترامب في الانتخابات الرئاسية.
فاليقظة للغزو الناعم للأفكار والذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في غاية الأهمية ويلزمه عمل مكافئ يفند شبهاتهم ويوعي الجمهور والنخبة المحافظة والوطنية بحقيقة مخططاتهم.
المجتمع المدني: حصان طروادة في زمن العولمة
2017/02/01
الرابط المختصر
Image