منذ عدة قرون وأوضاع المسلمين بحاجة إلى إصلاح، وقد تصدى لهذه المهمة العديد من رجالات العلم والمعرفة، وقد حقّقوا على هذا الصعيد إنجازات مهمة لا ينكرها إلا جاحد وإن لم تبلغ كمال الإصلاح المنشود، ولكوننا لا نزال بحاجة لعملية الإصلاح فإن الاتعاظ بتجارب السابقين هو من عين الإصلاح.
ومن هؤلاء المصلحين العلامة القاضي محمد شاكر وابنه المحدث القاضي أحمد شاكر، اللذين كان لهما دور واسع في الإصلاح على الصعيد الديني والعلم الشرعي وعلى الصعيد القانوني والقضائي، وكان دورهما الإصلاحي تميز بالمبادرة لتقديم الحل البديل لواقع الفساد القائم، من خلال توظيف علمهما وخبرتهما واجتهادهما في سبيل تقديم حل، وعدم الاكتفاء بنقد الفساد ونقضه.
فالعلامة محمد شاكر حين عُيّن نائبا لمحكمة مديرية القليوبية وهو في ريعان شبابه، رأى حال القضاء المزري وحاجته للإصلاح فبادر وعرض على شيخه المفتي العباسي المهدي إصلاح القضاء، والخروج عن مذهب أبي حنيفة للمذاهب الفقهية الأخرى في بعض المسائل للحاجة الماسة لذلك من خلال الواقع العملي الذي عايشه في القضاء، إلا أن شيخه رفض ذلك وبشدة، وهو الأمر الذي أثبتت الأيام صحته وأخذت به أغلب دوائر القضاء في دولنا الإسلامية، إلا أنه في حاضرنا عادت طغمة منغلقة ومتعصبة للمناداة بالجمود على مذهب فقهي واحد، في دعوة للعودة لعصور التخلف والتعصب والتمزق الفقهي الأعمى!
ولكن الشيخ محمد شاكر لم ييأس، وكتب تقريرا حول واقع القضاء وطرق إصلاحه، وقدّمه للشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية، سنة 1899م، وفعلا ًتطابقت رؤية الشيخ الشاب محمد شاكر مع رؤية المفتي محمد عبده، لكن يبدو أن الأوضاع لم تكن لتسمح له بالتغيير المطلوب في القطاع القضائي في مصر، ولذلك زكّى المفتي محمد عبده الشيخَ محمد شاكر لتولي منصب قاضي قضاة السودان سنة 1900م، والتي كانت الأمور فيها أكثر قابلية للإصلاح بسبب انتهاء الثورة المهدية وتهدم القوانين والحكومة والقضاء، مما يجعل البناء الجديد لا يتطلب هدمًا!
وفعلاً قام الشيخ محمد شاكر ببناء القضاء على أسس جديدة تفادى فيها عيوب القضاء في مصر، وقد اقتبس القضاء المصري بعض هذه الإصلاحات لاحقاً فيما عرف بلائحة سنة 1910م، وبعضها دخل من خلال القانون رقم (25) لسنة 1920م.
أما ولده الشيخ أحمد شاكر أبو الأشبال فسيسير على نفس الدرب، وهو المبادرة لتقديم البدائل لإصلاح حالة الفساد القائمة على الصعيد القضائي والقانوني والفقهي، فبادر لمعالجة قضية الطلاق التي رأى معاناة الناس فيها في المحاكم سنين طويلة عبر اجتهاد علمي متين يقوم على منهج التمسك بالكتاب والسنة وفهم السلف، وكان للشيخ موقف واضح في رفض القوانين الوضعية، وأنها تصادم الشريعة ولا يجوز القبول بها، ومع ذلك تقدم ببعض الاقتراحات لتعديل القوانين الوضعية لخفض سن العقوبة على جريمة الزنا لتكون أقرب لحكم الإسلام، ولم يكتفِ بدور الإصلاح في بلده مصر فحسب، بل وضع تقريراً لإصلاح القضاء وقدّمه للملك عبد العزيز بن سعود سنة 1949م.
إن تقديم الحل والبديل هو لبّ عملية الإصلاح وثمرتها، وإذا كان الحل والبديل على مستوى القوانين والتشريعات والأنظمة فهذا يجعلها في الرتبة العليا من الإصلاح، لأنها لا تعالج قضية جزئية وحالة خاصة وتحقق العدالة والإصلاح لفرد، بل تصبح حالة إصلاح عامة وشاملة، وهو ما يجب تركيز المصلحين على القيام به والاشتغال به، وللأسف أن المفسدين هم من تنبهوا لأهمية التركيز على توجيه القوانين والتشريعات لرغباتهم، ولذلك يجتهدون على تقديم رؤى واقتراحات متلاحقة لتعديل (وتطوير) القوانين بما يطوعها للفساد!!
تقديم الحل البديل هو أساس الإصلاح نموذج آل شاكر
2018/03/01
الرابط المختصر
Image