من يتابع غالبية التعليقات والمشاركات في برامج التواصل الاجتماعي يجد أن الغالب عليها نقولات وصور تتعلق بدائرة الاهتمام من شؤون الأمة السياسية غالبا، والأخبار المزعجة والمنفرة أو من غرائب الأحداث والوقائع، وطبعا كثير من هذه المنقولات والأخبار أكاذيب محضة أو حق مخلوط بكذبات كثيرة على طريقة الجن وكهان الإنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا: يوم كذا، كذا وكذا! فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)) رواه البخاري.
واليوم فإن تناقل الرسائل المكذوبة والخاطئة التي تحمل أخبارا كاذبة مقصودة لتوجيه العقول والقلوب اتجاهات خاطئة جهد كبير يقوم عليه شياطين من الأنس لأغراض خبيثة كثيرة، ومن أمثلة الرسائل الكاذبة والموجهة رسالة عن كنيسة في جمهورية الشيك زيّنت بعظام عشرات الآلاف من المسلمين، وهي رسالة كاذبة لا أصل لها، لكنها تنتشر بقوة تثير الريبة!
والسبب في تناقل مثل هذه الرسائل المحرفة والمكذوبة أن غالب الناس تمارس سلوكا إداريا غير سليم وهو التركيز على دائرة الاهتمام الواسعة التي لا تتطلب أي جهد أو مسؤولية أو تعب، فهو ليرضي نفسه ويقنعها بأنه إيجابي وفعال ويعمل الخير يقوم بعمل (شير) أو (رتويت) أو (إعادة إرسال) أو مشاركة لما يصله دون تحقق وتثبّت من صحة الخبر والمعلومة أو الحديث النبوي أو حتى الصورة والمقطع الذي قد يكون عولج بـ (الفوتوشوب) أو تم اجتزاؤه من سياق مختلف أو كان في مناسبة قديمة!
لكن مَن كان سلوكه يقوم على مبدأ التركيز على دائرة التأثير وليس الاهتمام فهذا سيدقق في ما ينشره من مشاركات ويختار المناسب منها للمرسَل إليه بهدف التأثير الواعي عليه بتثقيفه بخبر أو معلومة صحيحة، أو تنبيه لتعديل قناعة أو سلوك اعتمادا على حقيقة شرعية أو علمية ثابتة، وستكون مشاركاته نوعية وموجّهة.
ذلك أن هذا الشخص يهدف لتوسيع دائرة الإيجابية من خلال تركيز جهده في دائرة المحيطين به التي تنتفع به وتثق في كلامه، فعندها سيحرص على المصداقية وسيحرص على منفعتهم بالتعب في التفتيش والصبر على التدقيق والتأني في الفحص والاختبار.
ومع الأيام ستزداد دائرة تأثيره وتتوسع دائرة متابعيه ومحيطه، ومن تأمل قصص نجاح من نعرف من معلمين وخطباء ودعاة وشباب متفوق، سنجد أنهم نجحوا في محيطهم القريب أولا بالتركيز عليه ومن ثم انطلقوا لدائرة أوسع منها.
ومن يريد أن يكون ناجحا في وسائط التواصل الاجتماعي ومفيدا لأمّته فعليه التركيز على دائرة التأثير فلا ينقل كل ما يصله بل يدقق فيه ويتحقق منه، ولا يرسل كل ما تجاوز التدقيق لكل معارفه ومجموعاته بل يختار منها من تلائمه تلك الرسالة، بهذا الحال سنتجنب تناقل الأكاذيب والخرافات من جهة والتي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وسماها "بقيل وقال"، وسيخف الضغط في متابعة مئات الرسائل اليوم التي لا تعني الكثيرين من الناس، وسيكون لك أثر وتأثير في قطاع معين من الناس أو الموضوعات.
وهذه القاعدة الإدارية (التركيز على دائرة التأثير) لها استخدامات متعددة، ومنها -ونحن على أبواب رمضان- ركّز جهدك الدعوي في رمضان على دائرة تأثيرك وستجني الكثير من النتائج الطيبة، وكلّ منا له دائرة تأثير تقل أو تكبر، تعرّف عليها، ركّز عليها، واستخدم الأدوات المناسبة لها، اطرح المضمون الملائم لهم وستجد أنك قد نقلتهم نقلة نوعية مما يعضد قوة المسلمين ويسد فجوة في المساحات المكشوفة ونتقدم خطوات للأمام.
تجاوز السلبية والهلامية بمخاطبة دائرة الاهتمام الواسعة التي لا تملك فيها دورا واضحا حقيقيا، والتزم السنة النبوية "كلّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته" فتعرف على رعيتك وقُم بحقها تتوسع رعيتك ويزداد تأثيرك.
دائرة الاهتمام ودائرة التأثير
2017/05/01
الرابط المختصر
Image