دقة المعلومة وسلامة التحليل الخطوة الثانية

الرابط المختصر
Image
دقة المعلومة وسلامة التحليل الخطوة الثانية

سجل الملا عبد السلام ضعيف، أحد قادة طالبان، في كتابه "حياتي مع طالبان" أن عدم تقبل الملا عمر، زعيم طالبان، للمعلومات التي قدمها إليه بصفته سفير طالبان في باكستان وسوء تقديره لحقيقة نية أمريكا بالهجوم على أفغانستان عقب حادثة 11/9 في نيويورك كان سبباً في زوال إمارة طالبان، وهو تكرار لسوء تقدير صدام حسين بخطورة وحماقة غزو الكويت وردة فعل العالم وأمريكا تحديداً.
ولا يزال كثير من العمل السياسي في عالمنا الإسلامي على مستوى الحكومات والمعارضات ومنها التيار الإسلامي يعاني من معضلة ضبابية وعدم دقة وموثوقية المعلومة من جهة ومن سوء التعامل معها وتحليلها بشكل غير سليم، مما يتسبب بكوارث ضخمة ويلحق خسائر بالغة وفادحة لمسيرة النهضة والبناء على كافة الأصعدة.
ولذلك بعد سلامة المنهج لابد من الحرص على دقة المعلومة باعتماد مصادر سليمة وموثوقة في أمانتها وفي وعيها، فبعض الناس هو محب للخير لكنه غير دقيق أو غير ذكي لا يفرق بين الحقيقة والانطباع والزيف والتزوير، وكما عرفنا في علم الرجال التفريق بين الأمانة والضبط في الحفظ، نحتاج اليوم لمعيار في التفريق بين الأمانة والضبط في الوعي لسلامة المعلومة.
وبعد الحصول على المعلومة السليمة يجب التعامل معها بطريقة سليمة وموضوعية بحسب المناهج العلمية المختصة بها، وهذا هو السبيل لبناء قرار سليم.
في غزوة بدر، وهي الغزوة الأولى للمسلمين، كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بحاجة لمعرفة حجم جيش قريش ليخططوا للمعركة، وتمكن بعض الصحابة من الإمساك بغلام لقريش فحاولوا استنطاقه عن عدد قريش فقال لهم: هم كثير، فأخذ الصحابة يضربونه!
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم استطاع الوصول للمعلومة حين سأله: "كم ينحرون من الجزور"، فقال: عشرًا كل يوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، كل جزور لمائة".
بهذه المنهجية يمكن الوصول لبناء الخطط والقرارات والتصورات، لكن البقاء في مدارات الظنون والخيالات والمعلومات المشوشة والناقصة والمغلوطة، والتعامل معها بسطحية وسذاجة وطيبة في عالم السياسة المعقد والمركب اليوم هو انتحار سياسي، ولعل كتاب "الخيال السياسي للإسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها" للدكتورة هبة رؤوف يقدم نموذجا واضحا لضعف المعلومة وتشوشها في قضية مركزية في خطاب الإسلاميين وهي قضية الدولة، وللأسف يتكرر هذا في قضايا أخرى دون تعلم أو اعتبار اللاحقين من السابقين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.