تنوعت السياسات الداخلية والخارجية في محاربة الإسلام بين سياسات صلبة تقوم على البطش والتنكيل بالإسلاميين والإقصاء للمظاهر الإسلامية، وبين سياسات قانونية وعسكرية فعلت كل تلك الجرائم باسم القانون والعدالة والدستور!
ومع ذلك فشلت كل تلك السياسات في القضاء على الإسلام وعلى المسلمين ونهض الإسلام والمسلمون من جديد شامخين في وجه الطغاة والمجرمين، كما عاد غلام أصحاب الأخدود مرات عديدة من الموت الذي رموه فيه "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد".
فلجأ الخبثاء لسياسات ناعمة (سوسيوسياسية – الاجتماعة السياسية) على غرار سياسة تجفيف منابع الإرهاب = الإسلام، التي طبقها بو رقيبة بتونس، وقاد هذا المنحى الأنظمة اليسارية في البداية ثم اعتمدت القوى الغربية هذه السياسات / القوة الناعمة بتحريض من خبرائهم اليهود والمستشرقين الجدد المتعصبين ضد التيار الإسلامي بعامة.
وقد فصل د. فريد الأنصاري في كتيبه الرائع "الفجور السياسى" هذه الاستراتيجية الهادفة لزعزعة منظومة الأخلاق والتدين في المجتمع عبر سياسات مقصودة في الإعلام والتعليم والقانون والأسرة، بحيث يشتهر الفساد والفحش وحصار قوى الخير والفضيلة وإضعاف روح الضمير الأخلاقي في المجتمع، بحيث يبدو الفحش صارخا دون نكير فينتشر العري سلوكا وصورا في الشارع والفضاء العام، وتنتشر الخمارات وعلب الليل، بحيث تصبح الثقافة السائدة هي ثقافة العهر وتصبح اللغة الدارجة هي من معجم العورة، كما يقول الأنصاري!
ولترسيخ نتائج هذه السياسات الخبيثة في تعهير المجتمع يتم محاربة الحجاب ويتم حرب قوانين الأسرة -والتي هي ما بقي من منظومة القوانين الشرعية- بحجة التطوير والتحديث ومواكبة المواثيق الدولية كاتفاقية سيداو، والغاية الحقيقية هي هدم نظام الأسرة المسلمة، والتي تعد من خطوط الدفاع والقوة للأمة المسلمة، ويعرض مركزية هذا الصراع الثقافي على الأمة المسلمة اليوم عبدالله الوهيبي في كتابه "التبرج المسيس" ومما نقله عن باحثة أمريكية قولها: "إن الجندر أصبح يشكل الخط الفاصل لحرب صراعات جيوسياسية منذ الحادى عشر من سبتمبر، ويحتل مكانة مركزية في خطاب العلاقات الدولية بخصوص الشرق الأوسط"، والجندر هو المفهوم الحداثي الذي يلغي مفهوم الرجل والمرأة ويهدم بناء الأسرة والذي تعتمده اتفاقية سيداو.
إن ما نراه اليوم من جيل صاعد لا معنى له ولا قيمة بفضل انخراطه في عالم الصورة والعالم السايبري هو مخطط مقصود لبقاء الأمة في حالة التبعية، عبر غرق هذا الجيل في عالم الموضة والاستهلاك وانتشار علاقات الخنا والدياثة تقليدا للنجوم الساقطة في وحل الفن والشهرة.
ولعل هذه السياسة هي نقطة اتفاق بين القوى العلمانية الداخلية والخارجية والغربية واليسارية، فهم يختلفون في التبعية السياسية ولكنهم متفقون على النموذج الثقافي المادي الذي يعلي من قيمة اللذة والمتعة ويتجاوز الدين والأخلاق.
ومجتمعاتنا مستهدفة بهذا ضمن استراتيجيات مقصودة ومنذ زمن بعيد، ففي برقية للسفير الأمريكي بالسعودية سنة 1979م تعقيبا على اقتحام جماعة جهيمان للحرم المكي كتب يقول: "يجب أن نواصل الاعتراف والعمل بصبر مع الحكومة في حل مشاكل التحديث بوتيرة مقبولة لثقافتهم السائدة"! وما نراه اليوم من تصاعد دعوات التأييد لنشر السينما والحفلات الغنائية في السعودية هو رجع صدى لهذه الجهود الدؤوبة في الشر والفجور!
إن وعي المصلحين بضرورة رفع سوية تدين المجتمع من خلال عمل متقن وحكيم يقوم على بناء القناعات مع شحن العواطف وفتح المجال لمساهمات الجميع في ذلك هو المسار الصحيح لكسر موجة حرب الأفكار والشبهات والعدوان الناعم بسيل الشهوات والمغريات.
فبناء القناعات الإيمانية وزرع الحصانة الأخلاقية وتهيئة المجتمع للمجابهة الثقافية باسم الانفتاح والتعددية والسياحة الوافدة وتعرية حقيقة الأساليب الناعمة في استهداف الدين هو الإستراتيجية الأنفع، والله أعلم.
سياسة تعميم الفجور والفواحش
2017/02/01
الرابط المختصر
Image