العمر قصير والإمكانات قليلة والمطلوب كثير فما العمل؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الجميع وخاصة الدعاة والعلماء العاملين لخدمة الإسلام، وتتنوع الإجابات بين تفضيل أعمال وانشطة على غيرها، أو مراعاة أحوال المكان والزمان الشخصية لكل فرد أو مجموعة.
لكن القرآن يرشدنا أن الجواب السليم هو "أحسنكم عملا" وهذا يتضمن إخلاص العمل لله عز وجل واتباع سنة الحبيب المصطفي في العمل وأيضا أن يكون هو الأحسن في هذا الوقت والمكان من ناحية الأثر والعاقبة ومن ناحية النفع والعموم ومن ناحية القدرة والإمكان، يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وممَّا ينبغي أنْ يُعرَف أنَّ الله ليس رضاه أو محبَّته في مجرَّد عَذاب النفس وحملها على المشاقِّ؛ حتى يكون العمل كلَّما كان أشقَّ كان أفضل، كما يحسبُ كثيرٌ من الجهال أنَّ الأجر على قدر المشقَّة في كلِّ شيء، لا، ولكن الأجر على قدر منفعة العمل، ومصلحته، وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله، فأي العملين كان أحسن، وصاحبه أطوع، وأتبع - كان أفضل؛ فإنَّ الأعمال لا تتفاضَلُ بالكثرة، وإنما تتفاضَلُ بما يحصل في القلوب حالَ العمل"؛ "الفتاوى" 25/281-282.
في علوم الإدارة يطرحون مبدأ باريتو (20/80) والذي ملخصه أن 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب، ومن أمثلة ذلك: في المبيعات: 80% من أرباحك تأتي من 20% من الزبائن، في الإدارة: 20% من الموظفين يقومون بـ 80% من العمل في الشركة، في تنظيم الوقت: 80% من وقتك يصرف على 20% من المهام أو الأشياء، في الاتصال: 80% من وقت اتصالك تقضيه في التكلم مع 20% من الموجودين في قائمة الاتصال على هاتفك، في الملابس: ترتدي في 80% من الوقت 20% من ماهو موجود في خزانة ملابسك.
ومن هنا يلزمنا البحث والتفتيش عن جهودنا وأعمالنا المميزة (20 %) والتي تنتج لنا (80 %) من الأجر عند الله والنفع والأثر بين الناس، وهذا يوفر علينا الكثير من الجهود والطاقات ويتماشى مع قلة الموارد المالية ولكنه يحقق لنا الكثير من النتائج بإذن الله.
وفي ظني أن التركيز على التخطيط والتفكير الدعوي من خلال حصر وسبر الاحتياجات الدعوية الاولوية على مستوى الأمة أولا ثم الإقليم ثم الدولة والمجتمع، ووضع خارطة بالأفكار الهدامة والمنحرفة التي تغزو أفكار المسلمين عبر الإعلام والتعليم والسياسة وتقييم أوزانها النوعية، يمكننا من وضع خارطة بالأولويات الدعوية العقدية والفكرية والتعليمة والأخلاقية، وما هي مفردات الأفكار والمفاهيم اللازمة للوقاية والتحصين أو للرقي وزيادة الإلتزام أو للمدافعة والمقاومة، وتبين لنا الأدوات الأفضل والأنسب لتحقيق المطلوب.
وهذا سيجنبا كثير من التجارب المكررة والجهود المنقطعة والنتائج الضعيفة لعدم وجود رؤية أو عدم وضوحها، من فوائد التخطيط أن كل ساعة تخطيط توفر لنا 4 ساعات عمل من التجربة والخطأ وعدم الاتقان!
ومما يقدم لنا 80 % من النتائج بـ 20 % من الجهد التركيز على ترجمة المواد الجاهزة والمناسبة -بحسب نتائج خطة الحصر والسبر السابقة- من الكتب والمقاطع والنشرات وغيرها للغات واللهجات المحلية وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المجانية، وبذلك نستثمر بفعالية مواد متوفرة وقيمة ونصل بها لشرائح محرومة من الخير لكنها مستهدفة من الشر بكلفة مجانية بدلا من الطباعة والشحن المكلف، ولو توفر جهة تنسيق تفعل وتستثمر طاقات الشباب والشابات في الترجمة لأصبحت الكلفة شبه منعدمة مقابل فوائد عظيمة في الدعوة والتعليم والبلاغ.
من الأولويات الحرص على الأولويات
2017/06/01
الرابط المختصر
Image