يقول العلامة السعدي في تفسيره: "ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عِظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي: { مكروا مكرا كبّارا } لا يقادر قدره ولكن الله ردّ كيدهم في نحورهم".
وفي واقعنا المعاصر نرى نماذج متعددة من هذا المكر الكُبار من الأعداء في الداخل والخارج، فصدام حسين خدعوه بالتظاهر بعدم اكتراثهم باحتلاله للكويت ثم دمّروه ودمروا العراق، ودول الخليج ظنت أنها -بالتخلص من صدام ونظامه- سترتاح وتطمئن، فإذا ابتلاع إيران للعراق يقض مضاجعهم أكثر مما فعل صدام!
أما الجماهير من المحيط للمحيط فقد ألهبتها خطابات صدام وبيانات الصحّاف، والتي تبخرت لحظة الحقيقة المروعة وتكشفت الهزيمة الساحقة والتي شرخت كثيرا من النفوس والقلوب والعقول شرخا لم يلتئم لليوم.
ثم تعلقت أنظار الناس بمحور المقاومة بقيادة ملالي طهران، وصفقوا طويلا لفَتاهم المدلل حسن زمّيرة في بيروت، ولم تمضِ إلا سنوات معدودة حتى صُدم مئات الملايين بمدى الحقد والإرهاب والطائفية التي يحملها الملالي وجنود حزب الله تجاه الأخوة الإسلامية وشركاء الوطن والجيران الأقربين! حيث ذبحوا عشرات الآلاف وفجروا أكثر من ذلك حتى فاق عدد ضحاياهم من المسلمين في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والسعودية المليون شخص في سنوات الربيع العربي الأحمر!
أما الجماهير العربية التي ظنّت أنها شارفت على امتلاك الحرية والعزة بالتخلص من الأنظمة الشائخة في تونس ومصر والأنظمة المجرمة في ليبيا وسوريا، فإذا بها تدخل في دوامة رهيبة من المكر والخداع من الداخل والخارج لم تعد تعرف فيها أين السبيل وكيف الخلاص.
ثم بعد أن كادت تضيع اليمن بأكملها في بطن الحوثيين لعبة طهران، جاءت عاصفة الحزم بعد أن بلغت القلوب الحناجر، وفرح الناس وظنوا أن الأمر لن يتعدى أسابيع أو أشهر، فإذا به يطول ويطول بسبب مؤامرات وكولسات محلية وإقليمية ودولية!
ومع نشوب الأزمة الأخيرة بين دول الخليج وقطر عادت الجماهير لتنقسم إلى معسكرين يتلاعب بهم الأشباح في وسائل الإعلام، ويتمنى كثير منهم الحرب بين الطرفين أو هزيمة طرف لحساب الآخر.
وكأن كل هذه التجارب المرّة لم تشكل في وعي الناس إدراكاً بعد بضخامة المكر والمؤامرة على بلاد الإسلام، ولم تشكل وعياً بحجم التضليل الإعلامي الذي يمارَس على الناس من الداخل والخارج.
وأيضا لم يشكل وعيا لدى الناس بمقدار سذاجة وضعف تصوراتنا للصراع السياسي، شعوبا ودولا، فإذا كانت دولة بحجم تركيا، وبرغم نجاحها في السياسة الداخلية، إلاّ أنها تتخبط في السياسة الخارجية، خاصة في قضية سوريا، بسبب عدم الاستعداد لمثل هذه التغيرات غير المتوقعة (الربيع العربي) وبسبب خلل في فهم حقيقة نظام بشار وحليفه الإيراني، وأيضا لوقوعها في دائرة المكر الغربي والروسي والإيراني.
فإذا كانت دولة كتركيا تتخبّط فما بالنا بتنظيم أو جماعة أو شيخ أو مفكر، فنصيحة لنفسي ولإخوانى: إياكم والتورط في فخاخ الأعداء التي يهدفون من خلالها إلى تفتيت المفتّت وإضعاف الضعيف، فالحذر الحذر من القضاء على ما تبقى لنا من قوة وسند، وبرغم ما فيه من سلبيات، فالبديل أسوأ، ونحن حاليا أعجز من أن نحسّن أحوالنا، فلنحافظ على الموجود.
"وإن كان مكرُهم لِتزول منه الجبال"
2017/07/01
الرابط المختصر
Image