يا أيها الذين آمنوا إن تنصُروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم"(6)

الرابط المختصر
Image
يا أيها الذين آمنوا إن تنصُروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم"(6)

يقول العلامة السعدي في تفسير هذه الآية: "هذا أمرٌ منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بِدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصَرهم الله وثبّت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبّر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعدٌ من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره"، فكيف يكون نصر الله عز وجل اليوم؟
6- "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"
تقرر هذه الآية (9 من سورة الزمر) بكل وضوح عدم استواء من يعلم ومن لا يعلم، وهي تتعلق بدايةً وأصالةً بالعلم بالله عز وجل ودينه وشريعته، ولكن هذا المفهوم يعمّ أيضا فضل العلم عموما على الجهل بكل أشكاله، لأن العلم بطبيعته يمنح أي ذات صفة المدح والثناء والتشريف، ولذلك قال ابن القيم:" إن الله سبحانه وتعالى ... أباح صيد الكلب المعلّم، وهذا من شرف العلم أنه لا يُباح إلا صيد الكلب... فدلّ على شرف العلم وفضله، ولولا مَزية العلم والتعليم وشرفه، كان صيد الكلب المعلّم والجاهل سواء"!!
ومن هنا فإن نصرة دين الله عز وجل لا تكون إلا بالعلم، وتستحيل بالجهل، العلم بالدين والعقيدة وسائر العلوم الشرعية أولاً، وقد رأينا كم تسبب الجهل بالدين وعدم الاكتراث والاهتمام به من كثير من الأنظمة والمعارَضة والحركات الإسلامية والأفراد على حدٍّ سواء في وقوع مصائب عظيمة، فتمرير كثير من قوانين الأحوال الشخصية بما يوائم المواثيق العلمانية على حساب أحكام الشرع الحنيف في عدد من الدول الإسلامية من نماذج الجهل المضرّ بالدين من الأنظمة على أقل تقدير، وهنا تظهر قوة العلم الشرعي كما في موقف الأزهر برفض منع الطلاق الشفوي أو الخطبة الموحدة.
كما أن تأييد ثورة الخميني ونظام -الملالي قديماً وحديثاً- من قبل العديد من الحركات الإسلامية هو من نماذج هذا الجهل المضر بالدين ومصالح المسلمين، وكيف تسببت جهود التصوف المنحرف المعادي للعلم والتعلم في انتشار الجهل وتفشي الأميّة في جنبات أمتنا بعد أن كانت رائدة العلم مما تسبب باندثار قوة الدولة العثمانية.
ولعل من أبرز أمثلة قوة العلم الدنيوي اقتراح سلمان الفارسي بحفر الخندق مما ألحق الهزيمة بجيش الأحزاب على قوته وكثرة أفراده.
أما الجهل بأمور الدنيا والحياة فهو سبب كثير من تخلفنا وضعفنا وفسادنا، ولنا في بعض الدول كماليزيا وسنغافورة وتركيا عبرة وعِظة بأهمية العلم والتعلم على مستوى الحكومات والأحزاب حين تنطلق من برامج علمية موضوعية حقيقية -وليست شعارات نهضوية جوفاء- وكيف أنها تصعد بمجتمعاتها وشعوبها لتنافس بهم الدنيا.
وكيف أن العلم الدنيوي وإتقانه على المستوى الفردي يمنح صاحبه القدرة على الاستفادة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية وينتقل به من طور إلى طور أعلى وأرقى.
ومن هنا فإن نصرة دين الله عز وجل تكون بتعلم وتعليم العلم الشرعي وإتقانه، وتعلّم وتعليم العلم الدنيوي وإتقانه أيضًا، بحيث يصبح المنهج العلمي والتفكير العلمي هو القائد للمنظومة الحكومية والمعارضة والحركات الإسلامية والمنظومة التعليمية ولقرارات الأفراد واختياراتهم، فينهض المجتمع بجناحيه معاً: الدين والأخلاق من جهة، والاقتصاد والقوة من جهة أخرى.