ما أحوجنا في هذا الزمان ونحن نقاوم وندافع سيل التحديات والفتن والشبهات والشهوات المتلاحقة والمتنوعة أن نستحضر خبرات وتجارب وحكمة أنبياء الله عز وجل، والذين هم خلاصة البشرية وقدوتها العليا الحقيقية "إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" (آل عمران: 33)، والتي قصّها الله تعالى علينا في كتابه لهذه الغاية "لقد كان في قَصصهم عبرةٌ لأُولي الألباب" (يوسف: 111). وستكون رحلتنا مع هذه العبر من قصص الأنبياء بتخصيص حلقتين لكل نبي ذكره الله عز وجل في القرآن وهم 25 نبيا، عليهم الصلاة والسلام، لتكون بمعونة الله جل وعلا 50 حلقة. إن قصة آدم، عليه السلام، فيها من العِبر والعِظات الشيء الكثير، خاصة في هذا الزمن الذي راجت فيه شبهات الإلحاد ونفي وجود الله عزوجل وإنكار خلقه للإنسان وكافة المخلوقات، ولعل فرضية التطور الداروينية تعد أبرز أشكال هذه الشبهة، وقصة آدم تبطلها تماماً بكونه، عليه الصلاة والسلام، قد خُلق خلقاً تاماً مباشراً دون تطور ولا ارتقاء!! وإذا كانت نظرية داروين كلما تطورت العلوم ظهر عوارها وخللها وتبيّن مناقضتها للواقع والعلم والتاريخ، فضلا عن أنها تُصادم صريح الوحي الرباني في القرآن الكريم والسنة النبوية، والذي هو المصدر الصحيح للمعرفة عن بداية خلق الإنسان، والذي كلما تطورت العلوم والمعارف العلمية تعرفت على أدلة جديدة تؤكد صدق وصحة خبر الوحي الرباني عن خلق آدم عليه السلام خلقاً تماماً ومباشراً. ومن عِبر قصة آدم عليه الصلاة والسلام بيان مركزية دور العِلم في حياة المخلوقات بعامة، وحياة الإنسان بخاصة، فلما استفهم الملائكة عن غاية خلق الإنسان وأنه قد يَسفك الدماء ويفسد في الأرض رد الله عز وجل عليهم بقوله: "إني أعلم ما لا تعلمون" (البقرة: 30)، وفعلا برغم ما يقع من الناس من فساد وسفك للدماء إلا أن هناك الكثير من الخير يقع ويحدث، ولعله أضعاف ما يقع من الشر، ولنا نموذج ومثال في صمود وبطولة وفداء وتكاتف وتعاطف وإيثار وصبر وبذل أهل فلسطين والشام وغيرهم بوجه المحتلين والغزاة، على قلة حيلتهم، ما نفاخر فيه أمام الملائكة والعالمين، وقد ثبت في السنة أن الملائكة إذا صعدت إلى الله تعالى بأعمال عباده سألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون، فكيف ببقية أعمال الخير والبر والطاعة؟ ولما عجزت الملائكة عن معرفة أسماء المخلوقات، وعرفها آدم عليه الصلاة والسلام بما علّمه ربه وتبين فضله على الملائكة، أمرها الله عز وجل بالسجود له، وفي ذلك بيان لفضل العلم وكيف أنه ميّزه على الملائكة. ومن هنا فإن سبيل رقي جنس الإنسان هو بالعلم بالدين والعلم بالأشياء والدنيا، ومَن جمع بين العلْمين كان في القمة والرفعة كما تحقق ذلك للحضارة الإسلامية قرونا طويلة، ومن قبل كان لسليمان عليه السلام "مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعدي" (ص: 35)، وفي عصرنا الحاضر مَن كان أكثر علماً بالدنيا كان في رفعة مادية ولو كان منحطاً في أخلاقه ومحطماً في روحه. ومِن أخطاء الحركات الإسلامية اليوم وراودها الزهد بالعلم بنوعيه: العلم الشرعي، فتراهم يخالفون الدين والشريعة وهم يرفعون راية تحكيم الشريعة! وتراهم معرِضين عن ضبط الحركة والسعي بالعلم والمعرفة السليمة فتكون الثمرة نكبات ومطبّات وكوارث "كالتي نقضت غزلها" (النحل: 92).
1- عِبر من قصص الأنبياء أ - آدم عليه السلام
2019/03/22
الرابط المختصر
Image