من العِبر المتعلقة بعقيدة التوحيد في قصة إبراهيم عليه السلام قضية علم الغيب وأنها تختص بالله عز وجل. فقد جاءت الملائكة لإبراهيم عليه السلام على هيئة ضيوف غرباء فرحّب بهم وأكرمهم، وبرغم أنه نبي وأبو الأنبياء وخليل الرحمن لم يَعرف حقيقة ضيوفه وأنهم ملائكة، قال تعالى: "هل أتاك حديث ضيفِ إبراهيم المكرمين* إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قوم منكَرون* فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين* فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون* فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشّروه بغلام عليم" (الذاريات: 24-28). فإذا كان إبراهيم نبي الله عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب ولا يعرف حقيقة الضيوف الذين عنده، فكيف يزعم الدجالون والمشعوذون اليوم -الذين يتستر بعضهم بزيّ العلماء- معرفة الغيب وكشف الحجب للاستيلاء على أموال البسطاء والسذج والأغبياء؟! وكيف يُصدق المتعلمون وخريجو الجامعات، وبعضهم قد يكون مسؤولاً وشخصية رفيعة في عالم السياسة أو المال والأعمال، هذه الدعاوى الفارغة بعلم الغيب ومعرفة الفرص المستقبلية أو حقيقة الأحداث الماضية وأبو الأنبياء لم يعرف حقيقة ضيوفه؟ ولكن الجهل بالعقيدة السليمة ومعاني القرآن الكريم والسنة النبوية وقصص الأنبياء هو الذخيرة التي يقوم عليها رواج أكاذيب الشرك والدجل والسبب الذي يستولي به هؤلاء اللصوص على أموال الناس بالباطل. ويقابل هؤلاء الدجالين في ادعاء علم الغيب تعصب الجهلة والحزبيين لقياداتهم ومرجعياتهم بالحق والباطل ورفض أي نقد علمي لأخطاء قياداتهم وكأنهم لا يخطئون أبداً ويعلمون الحق كله! وكلا الأمرين مخالف لمنهج الأنبياء. ومن العِبر المهمة في قصة إبراهيم أبي الأنبياء عليه الصلاة والسلام قضية اليقين بحكمة أوامر الله عز وجل، وأن اتباع منهج الأنبياء فيه الفلاح والنجاح ولو بعد حين، ولو كانت المؤشرات لا تشير لذلك، ويتبدى هذا في هجرة إبراهيم بهاجر وإسماعيل لمكة وهي صحراء قاحلة لا شيء فيها! قال تعالى على لسان إبراهيم: "ربّنا إني أسكنتُ من ذريّتي بوادٍ غيرِ ذيزرع عند بيتك المحرم ربّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" (إبراهيم: 37)، فأخرج الله لهاجر وإسماعيل ماء زمزم، ثم جلب لهم قبيلة جُرْهم لتؤنسهم. وبعد سنوات أمر إبراهيمَ وابنَه إسماعيل ببناء الكعبة "وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والرُّكّع السجود" (البقرة: 125)، ولكن من أين سيأتي الطائفون والعاكفون والرّكّع السجود؟ فجاء الأمر الرباني "وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق" (الحج: 27)، وفعلاً فإن الحجاج اليوم يأتون زرافات ووحداناً من كافة أرجاء العالم. وتحققت دعوات إبراهيم عليه السلام "ربّ اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر" (البقرة: 126)، و"ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنك أنت العزيز الحكيم" (البقرة: 129). فاليقين بحكمة أوامر الله عز وجل واتّباع منهج الأنبياء فيه السعادة والفلاح، ولو طال الزمن وكثرت العوائق.
10- عِبر من قصص الأنبياء - ب – إبراهيم عليه السلام
2019/03/31
الرابط المختصر
Image