17- عِبر من قصص الأنبياء - أ – شعيب عليه الصلاة والسلام

الرابط المختصر
Image
17- عِبر من قصص الأنبياء - أ – شعيب عليه الصلاة والسلام

تكررت قصة شعيب عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم عقب قصة لوط عليه الصلاة والسلام، في إشارة للترتيب الزمني للأنبياء، ويؤيد ذلك تصريح شعيب عليه السلام نفسه في قوله تعالى: "ويا قومِ لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبَكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قومُ لوطٍ منكم ببعيد" (هود: 89)، ويبدو أن قوم لوط وقوم شعيب عليهما الصلاة والسلام كانوا قريبين في الزمان والمكان. وقصة شعيب عليه السلام في القرآن الكريم تكاد تكون قصة نموذجية لمسيرة الدعوات الربانية عبر الزمن والتاريخ، فالبداية والأولوية في دعوة شعيب عليه السلام لقومه -كبقية الأنبياء- هي الدعوة للتوحيد وعبادة الله عز وجل ومن ثم كان علاج الآفات الاقتصادية التي تفشت بينهم على قاعدة أن ذلك من الفساد المحرم الذي لا يرضاه الله عز وجل "يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط* ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين* بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين" (هود: 84-86). وكعادة الدعوات الربانية في أن تجد صداً وعنادا من النخبة الظالمة التي ترى في الرسالات النبوية حداً لإفسادها وزجراً عن طغيانها، ولضعف حجتها تهرب للتهديد والوعيد "قالوا يا شعيب ما نفْقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" (هود: 91)، ولما ثبت شعيب عليه السلام على الحق ولم تزعزعه هذه التهديدات الفارغة تحول الملأ لمحاولة تخويف وتهديد المؤمنين كما بيّن تعالى: "وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذًا لخاسرون" (الأعراف: 90)، " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك في قريتنا أو لتعودنّ في ملتنا" (الأعراف: 88)، في وقاحة لا تزال متوارثة بين أجيال الطغاة بطرد المؤمنين أو إجبارهم على قبول باطلهم! ورغم ذلك خاطبهم شعيب عليه السلام بأن لا يجعلوا القضية شخصية فقال لهم "ويا قوم لا يجرمنّكم شقاقي"، لكنهم سخروا منه وطلبوا العذاب "فأسقِط علينا كِسفاً من السماء إن كنتَ من الصادقين" (الشعراء: 187)، فيوصي شعيب عليه السلام المؤمنين به بالصبر "وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفة لم يؤمنوا فاصْبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين" (الأعراف: 87)، فتكون العاقبة "فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين* الذين كذّبوا شعيبا كأن لم يَغنوا فيها الذين كذّبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين" (الأعراف: 91-92)، حتى يدرك المؤمنون أن الزمن يعمل دوما لصالح منهج الأنبياء ويصبرون على الثبات عليه.