23 - عبر من قصص الأنبياء - أ – موسى عليه الصلاة والسلام

الرابط المختصر
Image
23 - عبر من قصص الأنبياء - أ – موسى عليه الصلاة والسلام

تنوعت طرق عرض قصص الأنبياء في القرآن الكريم، سواءً من ناحية تجزئتها وتكررها في أكثر من سورة كقصة موسى عليه الصلاة والسلام، أو أن تورد في مكان واحد كاملة بلا تكرار، أو أن يتناول القرآن الكريم تفاصيل قصة النبي من المهد، ويورد كثيرا من تفاصيل حياته كما في قصة موسى عليه الصلاة والسلام، أو أن يتناول قصة النبي بإجمال واختصار. ولقد كانت قصة موسى عليه الصلاة والسلام من أكثر قصص الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم، حيث ورد اسم موسى عليه الصلاة والسلام في 34 سورة من سور القرآن الكريم. ومع كثرة تكرار قصة موسى وتفاصيلها فإن ما عرضه القرآن الكريم ما هو إلا جزء وبعض منها لقوله تعالى: "نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون" (القصص: 3)، فكل ما عرفنا القرآن من قصة موسى هو (مِن نبأ) وليس كل النبأ. ومِن أول العِبر في قصة موسى عليه الصلاة والسلام التفكر في الحكمة اللطيفة الخفية في إيكال مسؤولية رعاية موسى عليه الصلاة والسلام وتنشئته إلى عدوّه فرعون! كما قال تعالى: "فالْتقطه آلُ فرعون ليكون لهم عدوّا وحَزناً" (القصص: 8)، وفي هذا إشارة لبالغ حكمة الله عز وجل في مجريات الأحداث، وأن الزمن والزمن الطويل جزء من تدبير الله عز وجل للأمم والمؤمنين، فلا يستعجل المؤمنون، ولْيصبروا وليستقيموا على مراد الله عز وجل وليثبتوا على دينه. ومَن تأمل في الطريقة التي حفظ بها الله عز وجل موسى عليه الصلاة والسلام من القتل على يد جنود فرعون وهو رضيع سيجد أن ذلك تم من خلال إلقائه في البحر! "وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه فإذا خِفْتِ عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليكِ وجاعِلوه من المرسلين" (القصص: 7)، حتى يدرك المؤمنون أن أمر الله عز وجل فيه النجاة والفلاح مهما بدا في ظاهر الأمر غير ذلك، وهذا الاختبار بالثبات على أمر الرب في المدلهمات هو الذي يكشف حقيقة العبودية والإيمان بالله عز وجل في قلوب المؤمنين والمؤمنات، ولنأخذ العبرة من عاقبة نشأة موسى عليه الصلاة والسلام في قصر فرعون حيث حفظه الله عز وجل من الزيغ والركون لفرعون وباطله وظلمه وبلغ أشده "ولِتُصنع على عيني" (طه: 39)، فلنحذر من الرؤية السطحية للأشياء ولنثق بالحكمة الربانية والأمر الشرعي ففيهما النجاة والفوز. وكم تحتاج أمتنا اليوم إلى الثبات على أمر الله عز وجل وهي تعالج ظلم الظالمين وجور الداخل والخارج حتى تتجاوز المحنة، وذلك من خلال الصبر على أقدار الله عز وجل المرة، والاستقامة على أوامر الشرع التي قد تبدو قاسية ولا تعالج الجور بشكل مباشر، واتخاذ الأسباب الشرعية بأداء ما علينا من حقوق شرعية وتقليل الشر ما أمكن والإقلاع عن المعاصى والذنوب الفردية والجماعية والخاصة وذات الشأن العام، وبذلك يتحقق الإصلاح ونقوى على مدافعة الظلم ويتنزل علينا نصر الله عز وجل.