24 - عِبر من قصص الأنبياء - ب – موسى عليه الصلاة والسلام

الرابط المختصر
Image
24 - عِبر من قصص الأنبياء - ب – موسى عليه الصلاة والسلام

في قصة موسى عليه الصلاة والسلام الكثير من العبر والعِظات لكونها من أطول قصص الأنبياء والرسل في القرآن الكريم، ولذلك لا يمكن المرور على الكثير منها في هذه المساحة المحدودة. وستكون وقفتنا مع منهج موسى عليه الصلاة والسلام في إدارة الحوار والمناظرة مع طاغية مستكبر كفرعون، وهو الحوار الذي سجلته آيات عديدة في سورة طه وسورة الشعراء. ومما يلفت النظر أن الحوار الذي سجلته آيات سورة الشعراء يوحي بأنه كان بحضور مستمعين من أتباع فرعون، ولذلك كان من منهج كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام الحرص على دعوة هؤلاء واستغلال الفرصة والمنبر الإعلامي الذي أتاحه له الطاغية فرعون لدعوة هؤلاء الملأ والنخبة، وتعريفهم برسالته ودينه، وفي هذا عبرة لنا في هذا العصر باستغلال كل منابر الإعلام لتبليغ رسالة التوحيد ودعوة الله للبشرية جمعاء. وكان من نهج موسى عليه الصلاة والسلام في هذا الحوار الحفاظ على هدوئه برغم استفزاز فرعون له بالاستهزاء بالله عز وجل، كما في قوله سبحانه وتعالى: "قال فرعون وما ربّ العالمين" (الشعراء: 23)، فلم ينفعل موسى عليه الصلاة والسلام بل أجابه بثقة وهدوء ويقين: "قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين" (الشعراء: 24)، ونجد هنا أن موسى عليه الصلاة والسلام وجّه خطابه إلى الحاضرين بقوله "إن كنتم موقنين" وحاول أن يشركهم معه في الحوار، ولم يقتصر على مخاطبة فرعون، فتدخل فرعون الطاغية وحاول قطع الكلام عن موسى حين شعر أنه قد يسحب البساط من تحته بحوار موسى مع الأتباع و"قال لِمن حولَه ألا تستمعون" (الشعراء: 25)، فتجاهله موسى عليه الصلاة والسلام وأكمل حواره مع الحاضرين: "قال ربّكم وربّ آبائكم الأولين" (الشعراء: 26). ولم يجد فرعون وسيلة ليبطل قوة حجة موسى عليه الصلاة والسلام إلا حجة "المفاليس" بالهجوم الشخصي على موسى "قال إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لَمجنون" (الشعراء: 27)، فتجاهله موسى وأكمل حديثه: "قال ربّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون" (الشعراء: 28)، فلم يبقَ لفرعون إلا إنهاء الحوار بالتهديد والوعيد "قال لئن اتخذتَ إلها غيري لأجعلنك من المسجونين" (الشعراء: 29)، ومعلومٌ أن فرعون خسر هذا الحوار ثم خسر التحدي يوم الزينة، وآمن سحرتُه بموسى عليه السلام ثم خسر حياته غريقاً حين حاول القبض على موسى عليه الصلاة والسلام.   وموطن العبرة في هذا الموضع من قصة موسى عليه الصلاة والسلام أن اتّباع نهج الأنبياء في الحوار والمناظرة يكون بالطرح الهادئ والعميق المدعم بالحجة الشرعية والعقلية، والتركيز على مخاطبة الجمهور وترك ملاحقة مقاطعات ومهاترات المتعصب الجاهل الفاقد للحجة كفرعون. ومَن تابع حوارات الشيخ عثمان الخميس والشيخ العريفي في حوارات قناة المستقلة مع الشيعة سيجد كيف أثّر هذا المنهج النبوي في كسب قلوب آلاف بل ملايين الناس من الشيعة والسنة لمنهج السنة بهدوء المشايخ وحجّتهم الناصعة وعدم انشغالهم بالمهاترات من الخصم.