على عادة الأنبياء نصح إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه خصوصاً، وقومه عموماً، باتباع هداية الوحي الذي نزل عليه حتى يستقيموا على الصراط السوي وأنه ينصحهم بذلك بناءً على موقف علمي ودليل راسخ "يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتِك فاتّبعني أهْدِك صراطا سويّا" (مريم: 43)، وتلازم الدين والعلم تلازم حتمي لا ينفك، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دوماً ينتصرون في ميدان الحجة العلمية، ولا يجد الكفار والمشركون لهم من حجة لكفرهم ورفضهم للإيمان إلا باللجوء للبطش والعدوان كما حدث مع إبراهيم عليه السلام لما عجزوا عن الدفاع عن مصداقية آلهتهم المحطمة كان الحل "حرّقوه وانْصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين" (الأنبياء : 68)، وهذا سلوكهم –لليوم-، فحين عجزوا عن الدفاع عن صحة العري والفحش جرّموا الحجاب والنقاب والخمار وفرضوا عليه الغرامات! ومن أهم العِبر في قصة خليل الرحمن وأبي الأنبياء قضية أهمية فن الحوار والإجابة على الأسئلة الملغومة وحسن إدارة المعركة الإعلامية، والتي تعد من أهم المعارك الدائمة بين الحق والباطل والتي لا يخلو منها زمان، ولعلها في زماننا هذا في أشد مراحل استعارها، فمن الأهمية بمكان أن يتصدر لها ويقودها من يحسن الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والذين أداروا هذه المعارك بحرفية واقتدار. فقد مدح الله عز وجل طريقة إدارة وحجج إبراهيم العقلية في حواره مع قومه لإبطال عبادة الكواكب فقال تعالى عن نتيجة ذلك الحوار: "وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم" (الأنعام: 83)، وقد سجل القرآن الكريم حوار إبراهيم من الأصنام ليدلل بها على بطلان عبادة الأوثان كما أبطل عبادة الكواكب من قبل "فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون* ما لكم لا تنطِقون" (الصافات:91-92) ويدل ذلك على قوة الإيمان وقوة الحجة العقلية التي يستند إليها الإيمان بالله عز وجل، ولقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- تأثير حسن البيان فقال: "إن من البيان لسحرا" رواه البخاري. فلما جاء قوم إبراهيم يعاتبونه على ما حل بآلهتهم الباطلة وسألوه سؤالهم المفخخ: "أأنت فعلتَ هذا بآلهتنا يا إبراهيم"؟ (الأنبياء: 62)، والذي يهدفون منه أخذ اعتراف منه وإقرار بشكل علني يتيح لهم التنكيل به بشكل قانوني! لكنه عليه الصلاة والسلام بتوفيق الله عز وجل وفطنته وذكائه قلب كيدهم عليه بالتجاوز عن سؤالهم الملغوم ليطرح عليهم جوابه الصاعق: "بل فَعلَه كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون" (الأنبياء: 63)، مما جعلهم يقعون في الفخ الذي نصبوه له حيث اعترفوا علنًا بعجز وضعف آلهتهم عن الدفاع عن نفسها أو الوشاية بمن حطمها، وبذلك انتصر خليل الرحمن مرة أخرى في معركة الإيمان بالحجة والبرهان والمعركة الإعلامية ودوّت كلمة التوحيد عالياً "فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون* ثم نُكسوا على رؤوسهم لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون* قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يَضركم* أُفٍّ لكم ولما تعبدون من الله أفلا تعقلون" (إ الأنبياء: 64-67).
9- عِبر من قصص الأنبياء - أ – إبراهيم عليه السلام
2019/03/30
الرابط المختصر
Image