حكاية جماعات العنف من الانحراف إلى فكر الخوارج (4) عملية اغتيال السادات

الرابط المختصر
Image
حكاية جماعات العنف من الانحراف إلى فكر الخوارج (4) عملية اغتيال السادات

 
حكاية جماعات العنف
من الانحراف إلى فكر الخوارج (5)
 
تفاقمت ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب في واقعنا المعاصر لتصبح من أكبر التحديات التي تشهدها أمتنا اليوم بعد أن كانت ردة فعل ساذجة، وهذه طبيعة الضلال والانحراف، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالبدع تكون في أوّلها شبراً، ثم تكثر في الأتباع، حتى تصير أذرعاً، وأميالاً، وفراسخ"([1])، وهذا واقعٌ في تطور فكر جماعات العنف عبر عدة عقود، حيث أصبح تكفير غالبية المسلمين هو معتقدها بعد أن كان الدفاع عن المسلمين هو مبرّر تشكيلها!
... في هذه السلسلة سنتناول العوامل التاريخية والسياسية والأمنية والثقافية لظهور جماعات العنف والقتال، ومن ثم مسار تطورها التاريخي ومسار تطور انحرافها الفكري والنتائج الكارثية لها على الإسلام والمسلمين، مع التنبيه على الثغرات التي تضخّمت وتفاقمت من خلالها هذه الظاهرة السلبية، وسيكون الإطار الزمني والمكاني الذي نتناوله في هذه المقالات هو منذ انتهاء حقبة الاحتلال الأجنبي وقيام الدول العربية (المستقلة) التي لم تلبِّ طموحات شعوبها، وتصادمت مع هوية الجماهير، مما ولّد مناخا مأزوما، وظهرت فيه ردّات فعل عنيفة، عُرفت بجماعات الجهاد. 
أولاً الساحة المصرية
4- عملية اغتيال السادات
عقب الانتهاء من قضية اغتيال الشيخ الذهبي وصدور حكم الإعدام على شكري مصطفى ورفاقه وتنفيذه في يوم سفر السادات للقدس، لم تكن الساحة الإسلامية هادئة أو غائبة، بل كانت تمور وتموج بالكثير من الجماعات والأفراد الناقمين على الدولة، والذين يريدون إسقاطها لإقامة دولة الإسلام!
فعبْر مسيرة تيار العنف والقتال منذ سنة 1958 تشكّلت مجموعات كثيرة تحمل هذا الفكر، وهي إما بقايا لتنظيمات سابقة لم يقبض على أفرادها، أو قبض عليهم وأفرج عنهم فيما بعد، أو لشباب جدد تأثروا بدعاة قريبين من هذا الفكر مثل الشيخ طه السماوي والشيخ رفاعي سرور([2])، وحكايات البطولة التي نسجت حول رموزه.
ومن هنا كانت الساحة في نهاية السبعينيات من القرن الماضي تموج بعدد من التجمعات أو الروافد([3]) على حد تعبير د. محمد مورو، والتي تتبنى فكر العنف المتمثل في تكفير النظام على الأقل وضرورة محاربته بالسلاح، اعتمادا على أدبيات سيد قطب والمودودي وما تفرع عنها ككتاب صالح سرية "رسالةالإيمان"، لتشكل هذه الروافد المتعددة تنظيم الجهاد الذي سينجح في اغتيال السادات ثم تدبّ بينه الخلافات فيتفتّت لمكوناته الأولى!
وعمليات القبض والاعتقال للتيار الإسلامي في زمن عبد الناصر لم توقف المد الإسلامى، وإن عمليات الاعتقال والمحاكمة لتنظيم صالح سرية ومن بعده تنظيم شكري مصطفي وخطف سلاح حارس السفارة القبرصية لم توقف زحف ونمو جماعات العنف والتطرف بل زادتها ودفعتها للأمام، فهل كان ذلك بخطأ من السلطات، أم كان هذا بدعم وتوجيه خفي من السلطة أو جزء منها؟([4]).
وتتمثل هذه الروافد في ثلاثة مكونات أساسية هي: تنظيم محمد عبد السلام فرج، وتنظيم سالم الرحال، وتنظيم الجماعة الإسلامية في الصعيد، وقد أكد ذلك أيمن الظواهري نفسه في حوار مع صحيفة الحياة اللندنية لكنها لم تنشره([5])، حيث لخّص تاريخه وتاريخ مسيرة تنظيم الجهاد فقال:
"كانت بدايتي في الحركة الإسلامية في هذه الجماعة التي أتشرف بالانتماء إليها، وكان ذلك في حوالي سنة 1966م، عندما تكونت النواة الأولى لهذه الجماعة بعد مقتل الشهيد سيد قطب، رحمه الله، وكان من أعضاء هذه المجموعة الشهيد يحيى هاشم - الذي كان رئيساً للنيابة العامة - والأخ إسماعيل الطنطاوي والأخ نبيل برعي، ثم نمت هذه المجموعة إلى أن وصلت إلى الحجم الحالي للجماعة.
وانضم إلينا في فترة لاحقة الأخ عصام القمري، رحمه الله، وبدأ حينئذ في النشاط داخل الجيش، ثم مرت أحداث الفنية العسكرية واستشهاد الأخ يحيى هاشم، وقضايا الجهاد في عام 1977 و1978، واستطعنا بفضل الله تجنّب هذه الضربات.
وفي النصف الثاني من سنة 1980م وأوائل 1981 قمت بالسفر إلى أفغانستان للاطلاع على الأوضاع من قرب هناك، واكتشفت الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن تستفيد منها الحركة الإسلامية في ساحة الجهاد الأفغاني، وكل هذا والجماعة تنمو في صمت في الميدانين المدني والعسكري.
ثم جاءت سنة 1981م وتعرضنا في بدايتها لضربة أمنية، عرف على إثرها الأخ عصام القمري، وقبض على بعض رفاقه من الضباط، مثل الأخ عبد العزيز الجمل والأخ سيد موسى وغيرهم من الضباط، ولكننا استوعبنا هذه الضربة.
ومع نشاط "الجماعة الإسلامية" واتحادها مع الأخ عبد السلام فرج بدأ التعاون ينمو بيننا وبينهم عن طريق الدكتور عمر عبد الرحمن والأخ عبود الزمر إلى أن جاءت أحداث 1981م اغتيال السادات وأحداث أسيوط، وقبض على عدد من إخواننا بسبب الروابط المشتركة بيننا، وأمضينا في السجن ثلاث سنوات، حدث فيها تعارف عن قرب بيننا وبين إخواننا في الجماعات الجهادية، وكان من نتائج ذلك تلك الثقة العميقة بين الإخوة الذين عاشوا تلك الفترة سوياً، وبعد الخروج من السجن بدأنا في تجميع الإخوة من جديد، وقررنا استغلال الساحة الأفغانية لتدريب أعداد ضخمة من الشباب المسلم، وقد وفّقنا الله سبحانه وتعالى في ذلك توفيقاً كبيراً."
وسنتناول هذه الروافد بشيء من التفصيل.
1- تنظيم محمد عبد السلام فرج:
المهندس محمد فرج من مواليد 1951، وصاحب كتاب "الفريضة الغائبة"، وهو مهندس كان قد انضم لتنظيم جهاد اسكندرية المتبقي من تنظيم صالح سرية سنة 1978 على يد محمد سلامة، ولما تورط بعض أعضاء تنظيم الاسكندرية في قضية القنصلية القبرصية سنة 1977، فإن التحقيقات كشفت التنظيم وتمت تصفيته سنة 1979، فقطع فرج صلته بالتنظيم ورحل إلى لقاهرة وبدأ العمل مستقلاً لتحقيق فكر الجهاد.
ويبدو أن فرج كان مقتنعا بفكر الجهاد بشكل عميق، حيث كتب رسالته الشهيرة "الفريضة الغائبة"، والتي أصبحت من أهم أدبيات فكر تيار العنف والقتال لوقت طويل، وبدأ بنشرها والدعوة لفكر الجهاد في مساجد منطقة بولاق الدكرور بالخطابة والتدريس والحوارات، واستجاب له عدد من الطلبة.
 ثم امتد نشاطه لمناطق مجاورة واستجاب له طلبة آخرون، منهم طارق الزمر الطالب بكلية الزراعة والذي عرّف فرج على زوج شقيقته عبود الزمر، المقدم بالمخابرات الحربية سنة 1980، واستطاع التواصل مع بعض المجموعات المتبعثرة من تنظيم جهاد القاهرة المتبقي من تنظيم صالح سرية، وخاصة بعد أن قام رئيس التنظيم مصطفى يسري بحل التنظيم بعد اختراقه أمنيا([6])، ومن هذه المجموعات مجموعة نبيل المغربي، الذي هو ضابط احتياط سابق بالمخابرات الحربية([7])، وهكذا تجمعت هذه المجموعات التي تؤمن بفكر الجهاد والانقلاب العسكري لإقامة دولة الإسلام على يد فرج، ومارست التدريب العسكري لتلك الغاية([8])، وقد أصبح للتنظيم في نهاية سنة 1980 حضور كبير وانتشار واسع وأعضاء كثر تدربوا على السلاح وتحصل للتنظيم كميات جيدة من السلاح([9]).
ونلاحظ في تكوين هذا الرافد أنه امتداد وتطور للتنظيمات السابقة، وأغلب أعضائه طلبة (شباب صغار السن)، وبعض أعضائه عسكريون، يهدف للانقلاب العسكري، أما فكر هذا التنظيم فوضعه شاب صغير السن (كان عمره آنذاك 28 سنة) وليس متخصّصاً أو مؤهلا شرعياً وعلمياً لوضع فكر يقود الأمة!
وقد قام شيخ الأزهر آنذاك جاد الحق بالرد على هذا الكتاب وبيان ما فيه من أوهام، وكذلك فعل د. محمد عمارة، ويمكن تلخيص أهم التعقبات على فكر فرج فيما يلي:
أنه لا يفرق بين سعة مفهوم الجهاد، الذي يشمل جوانب عديدة ولا يقتصر على مفهوم القتال الضيق الذي ركز عليه فرج! ومنها تجنّيه على العلماء والمجاهدين بادعائه ضياع هذه الفريضة، ومنها سوء تعامله مع فتاوى ابن تيمية بالاجتزاء والتوجيه غير السليم، وتعميمه الحكم بالردة على جميع حكام العصر، وهذه نتائج طبيعية لشاب مهندس متواضع المعرفة بالعلم الشرعي! وهذه الأمور ستكون عمدة تراجعات جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية بعد عقدين من الزمان سالت فيها دماء ألوف الأبرياء وأدخلت مصر في دوامة حرب أهلية بلا نتيجة سوى التضييق على الدعوة الإسلامية وتمكين العلمانية!
2- تنظيم سالم الرحال:
محمد سالم الرحال من مواليد عام 1956 وهو أردني من أصول فلسطينية ومتأثر بفكر حزب التحرير بتكفير الأنظمة السياسية والدعوة للانقلاب عليها، وكان درس في الأزهر بكلية أصول الدين بين سنتي 1975-1979، اعتقل لمدة 6 شهور عقب هروب حسن الهلاوي من السجن، ثم أفرج عنه وتابع دراسة الماجستير، ولكن بعد سنة في 1980 تم ترحيله للأردن بسبب نشاطه في إعداد تنظيم جهادي، ولذلك تم الحكم عليه غيابيا فيما بعد بالأشغال الشاقة 15 سنة في قضية الجهاد([10]).
وقد نجح الرحال في ضم أعضاء كثر، منهم كمال حبيب ونبيل نعيم عبد الفتاح لتنظيمه، وذلك بعد نشاط واسع للترويج لفكر التنظيم واستقطاب الكثير من مجموعات التنظيمات السابقة، وعقب ترحيله تولى كمال حبيب القيادة وأكمل بناء التنظيم، فاستقطب أعضاء جددا منهم مجموعة تنحدر من تنظيم إسماعيل طنطاوي الذي فرّ إلى هولندا بعد انكشاف تنظيم صالح سرية، وهي مجموعة أيمن الظواهري وعصام القمري، الضابط الذي تمكن من تشكيل خلية للتنظيم في الجيش([11]).  كان للرحال دور مركزي مع محمد عبد السلام فرج في جمع الكثير من المجموعات من عدة محافظات في تنظيم الجهاد([12]).
ونلاحظ على هذا الرافد نفس الملاحظات تقريباً على رافد تنظيم فرج، فهو امتداد وتطور للتنظيمات السابقة، وأغلب أعضائه طلبة (شباب صغار السن)، وبعض أعضائه عسكريون، ويهدف للانقلاب العسكري، وقائد هذا التنظيم شاب صغير السن (كان عمره آنذاك 23 سنة) ومتخرج جديد من الأزهر لكنه ليس مؤهلا شرعياً وعلمياً بهذا السن وهذا التحصيل العلمي لوضع فكر يقود الأمة!
3- الجماعة الإسلامية:
نجح محمد عبد السلام فرج باستقطاب قادة الجماعة الإسلامية بجامعات الصعيد لفكره مثل كرم زهدي والذي كان مطاردا من قوات الأمن على خلفية أحداث المنيا الطائفية مع الأقباط([13])، ومن ثم انضم له ناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد وغيرهما([14]).
والجماعة الإسلامية كانت في البداية لجانا طلابية تتبع إدارة الجامعات باسم الجماعة الدينية ضمن سياسة السادات الرامية لمحاصرة التيار اليساري في الجامعات المصرية، ومن ثم برز بعض الطلبة الملتزمين من خلفيات متنوعة (أنصار السنة، الجمعية الشرعية، وغيرها) في أنشطة هذه الجماعة الدينية في جامعات مختلفة.
ويبدو أن البداية كانت مع المهندس صلاح هاشم الذي دخل جامعة أسيوط سنة 1972، والذي تمكن لاحقا من قيادة الجماعة الدينية بدلاً من موظفى الجامعة، وحدث مثل ذلك في جامعات أخرى، ولكون سياسة السادات دعمت النشاط الإسلامي فقد تمددت هذه النشاطات بسرعة ولقيت الدعم من الإدارات الجامعية، سواء عبر توفير الدعم والإمكانات للمخيمات الدعوية والمهرجانات والمحاضرات وبقية الأنشطة، أو عبر قبول مطالب الجماعة الإسلامية بمحاربة الاختلاط وفصل الطلبة في المدرجات والأماكن العامة وحظر الحفلات الغنائية وعرض الأفلام السينمائية في الجامعات!
ومن ثم خاضت الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط الانتخابات الطلابية سنة 1978 وفازت بجميع المقاعد، وكان قد تولى قيادة الجماعة خلفا لصلاح هاشم، ناجح إبراهيم، والذي انطلق بالجماعة لخارج أسوار الجامعة والاحتكاك بالمجتمع.
وأصبح هناك نوع من الرابطة بين هذه الجماعات الدينية في الجامعات، وسيكون لهم صلة بقيادات الإخوان الخارجة من السجون، والتي ستعمل في بعض الجامعات تحت اسم الجماعة الإسلامية، ومن ثم سيكون هناك انشقاق بين هذه الجماعات وقياداتها، وبعضها سيتحول لجماعة الإخوان مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وحلمي الجزار وأبو العلا ماضي وغيرهم.
والبعض الآخر سيعرف لاحقا باسم الدعوة السلفية بالاسكندرية مثل محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد وسعيد عبد العظيم ومحمد عبد الفتاح وياسر برهامي وأحمد حطيبة.
وقسم ثالث سيحتفظ باسم الجماعة الإسلامية وسيتّحد مع تنظيم الجهاد (محمد فرج، وجماعة سالم الرحال بقيادة كمال حبيب) ويقوم بعملية اغتيال السادات، ولكن في السجن لاحقا سينفصلان عن بعضهما البعض، ويأخذ كلا منهما طريقه الخاص([15]).
ومع أخذ الجماعة منحى التطرف والغلو وفكر العنف لجأت لتمويل أنشطتها من خلال مهاجمة محلات الذهب الخاصة بالأقباط، حيث قامت بعدد من هذه الهجمات سنة 1980 والتي كشف دور الجماعة فيها لاحقا بعد اغتيال السادات([16]).       
وعلى غرار التنظيمين السابقين تتكون الجماعة من طلبة جامعيين وليسوا مؤهلين شرعياً لهذه المهام الكبرى، واتخاذ تنظيم الجهاد الشيخ عمر عبد الرحمن مفتيا له([17]) لا يكفي، فهذه القضايا الكبرى التي تتحكم بمصير بلد وشعب بأكمله لا يقوم بها شخص لوحده، وقد كان الفاروق، رضي الله عنه، يجمع رؤوس الصحابة لمثل هذه القضايا.
ومراجعات أفراد الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد أو بعضها على الأقل بعد ربع قرن تؤكد أنهم لم يكونوا مؤهلين شرعاً للقيام بهذه الأنشطة والعمليات، ولذلك كان عمر عبد الرحمن أفتاهم بصيام شهرين عن حادثة أسيوط وقتل الأبرياء من الشرطة والمدنيين، ومن ثم عرض الجماعة الإسلامية لدفع الدية لمن قتل بسبب عملياتها. 
هيكل التنظيم الجديد وخطته:
ومن هذ الروافد تشكل التنظيم الجديد، حيث ضم مجلس الشوري: محمد فرج، عبود الزمر، كرم زهدي، ناجح إبراهيم، فؤاد حنفي، علي الشريف، عصام دربالة، عاصم عبد الماجد، حمدي عبد الرحمن، أسامة إبراهيم، طلعت فؤاد.
وكونت ثلاث لجان هي: لجنة العدة، لجنة الدعوة، اللجنة الاقتصادية.
وفي منتصف سنة 1980 التقى كرم زهدي بالضابط خالد الإسلامبولي، الذي كان يعرفه من قبل في دروس الشيخ طه السماوي، وعرّفه على محمد فرج، الذي أقنعه بالتنظيم لأنه مقتنع أصلا بفكر التطرف والعنف، ومن هنا تبدأ حكاية عملية اغتيال السادات([18]).
وتم اعتماد خطة عبود الزمر من مجلس الشورى والتي استغرقت 3 سنوات لإكمال البناء التنظيمي قبل التحرك، حيث هدفت الخطة إلى إعداد وتدريب عدد معين لمستوى معين مع توفير السلاح اللازم للقيام بعمليات ضد أهداف رئيسة واغتيال قيادات سياسية في الحكم والمعارضة وتفجير ثورة شعبية ثم اختيار مجلس علماء ومجلس شورى من العلماء ليقود البلد([19]).
مسيرة التنظيم:
مرّ معنا أن جماعة الجهاد المكونة من تنظيم محمد عبد السلام فرج وتنظيم سالم الرحال / كمال حبيب والجماعة الإسلامية والتي غالبيتها طلبة جامعات، وليس فيهم مَن هو مؤهل في العلم الشرعي باستثناء د. عمر عبد الرحمن، والذي التحق بالتنظيم متأخراً، كانت قد اعتمدت خطة المقدم عبود الزمر التي طرحها في 2/1981 والتي كانت تهدف لإعداد مدنيين عسكريا لاغتيال بعض الشخصيات والرموز السياسية ومهاجمة بعض المفاصل الرئيسية وقيادة ثورة شعبية وتسليم السلطة لمجلس من العلماء، وقدرت مدة 3 سنوات حتى تكون الخطة جاهزة لبداية التحرك.
لكن وقعت بعض الأحداث التي جعلت التنظيم يتجاوز خطته بعد عدة أشهر ويصبح اغتيال الرئيس السادات هو الغرض الأول! هل كان ذلك عفوياً أم كانت هناك خطة أمنية أخرى تدخلت لفرض رؤيتها على خطة التنظيم؟ لا نملك إجابة حاسمة لكن هناك الكثير من الشكوك والمؤشرات التي تدفع بوجود مثل هذه الخطة الأمنية للتلاعب بخطة جماعة الجهاد لمصالحها الذاتية! فالقناعة التي توصل إليها الأستاذ مختار نوح، وهو محامي كثير من جماعات القتال أنه "ما مِن تنظيم إلا وقد اخترقه أمن الدولة سواء بالسيطرة عليه تماماً أو بتجنيد أحد أعضائه"([20])، ويؤيد ذلك سذاجة الاحتياطات الأمنية في هذه التنظيمات كما تخبرنا الوقائع.
وقد حاول التنظيم استصدار فتوى بجواز قتل السادات فلم يجدوا من يفتي لهم بذلك إلا الشيخ عمر عبد الرحمن، بينما حين استفتوا الشيخ الألباني (وهو الرمز السلفي الكبير) رفض ذلك وحذرهم منه([21])، وهذا يشير إلى ابتعاد هذه الجماعات عن منهج السلفيين وعلمائهم وأنهم يخالفونهم ويتمردون على فتاواهم، وفي نفس السياق صرح سالم الرحال بأنه لا يتبع الشيخ الألباني بعد أن أشاع البعض ذلك([22]).
والآن دعونا نستعرض مسيرة التنظيم وبعض الحوادث التي حرفته عن غايته خلال بضعة شهور وورّطته في اغتيال الرئيس السادات بحسب ما توصل له قادة الجماعة الإسلامية مثل كرم زهدي وناجح إبراهيم وعبود الزمر لاحقا في مراجعاتهم حيث اعتذروا للشعب المصري عن قتله([23]) واعتبروا السادات شهيداً قُتل في فتنة([24])!! وهذا يؤكد لنا مقدار التخبط والجهل الذي تنطلق منه جماعات العنف والقتال، والتي تتكون دوما من شباب صغار في السن والعلم الشرعي والتجربة الحياتية والسياسية.
اعتقال وترحيل سالم الرحال:
أثناء تكون التنظيم واستكمال هيكلته اشتبه الأمن المصري بركن أساسي فيه وهو محمد سالم الرحال فتم اعتقاله في سنة 1980 ومن ثم ترحيله للأردن في 29/7/1981 قبل اغتيال السادات بـ 69 يوماً، وفي خلال فترة اعتقاله تم انضمام خليفته كمال حبيب لتنظيم عبد السلام فرج([25]).
ويؤكد الرحال أنه لا يعرف بالضبط ماذا حدث بعده، لكنه فكّر في قتل السادات ضمن انقلاب عسكري فهل تحول الانقلاب لاغتيال فقط بسبب يأسهم من نجاح الانقلاب([26])؟ وهذا يطرح سؤالا مهما هو: لقد سبق للأمن أن اعتقل الرحال 6 أشهر في عام 1979، وهم يعرفون ميوله العنيفة، وتم القبض عليه والتحقيق معه وترحيله، فهل كان هذا بسبب معرفة الأمن أنه يخطط لانقلاب وثورة شاملة واغتيال للرئيس، فتم القبض عليه من الدولة العميقة وترحيله لتنفيذ الاغتيال فقط دون الانقلاب؟ فالذي حدث هو اغتيال نظيف للسادات فقط دون أي مسؤول آخر بجواره، ولم يكن هناك ثورة أو انقلاب، فهل كان ذلك مصادفة وعفوياً؟ 
مطاردة عدد من قيادات التنظيم ومأزق التنظيم:
بعدها وقعت أحداث الزاوية الحمراء بين المسلمين والأقباط وأعقبها صدور قرارات التحفظ والتي اعتقل على إثرها أكثر من 1500 شخصية إسلامية كان منهم عدد من قيادات التنظيم، مما جعل التنظيم في مهب الريح إذ تم اعتقال عدد لا بأس به من قيادته([27])!
هذا المأزق فرض نفسه على التنظيم فإما أن يكشف التنظيم ويضرب ثم يسجن أفراده وقد يقتلوا ويضيع جهدهم وتصورهم ويكرروا -في نظرهم- كارثة الإخوان الذين اعتقلهم عبد الناصر دون أي ردة فعل منهم، أو القيام بأي حركة استباقية طالما أن احتمالية انكشاف التنظيم وضربه عالية جداً.
ومن ثم تباينت الآراء بين الاكتفاء بقتل السادات لوحده، أو المضي قدما في فكرة الثورة الشاملة برغم عدم اكتمال الترتيبات بعد! لم يكن هناك حسم للخيارات مع سعي التنظيم لتنفيذ الخيارين، حيث درس عبود الزمر إمكانية اغتيال السادات في استراحة القناطر وطرحت أفكار أخرى للاغتيال لكن تبين صعوبة ذلك([28]).
القبض على نبيل المغربي:
قبل مقتل السادات بعشرة أيام تم القبض على نبيل المغربي بعد مراقبة ومتابعة لعدة أسابيع من قبل الأمن حيث قبض عليه متلبسا بشراء رشاشين، وهو المكلف بالتدريب العسكري للتنظيم! وذلك بعد أن وشى به سائق التاكسي الذي يذهب به لمنطقة التدريب في الصحراء، والذي طلب منه المغربي البحث عن أسلحة للبيع، ولكنه خاف وذهب للأمن وأبلغهم بالقصة فطلبوا منه تصوير عملية التدريب ودبروا له رشاشين ورتبوا معه استدراج نبيل للقبض عليه([29])، وبحسب ما سجل له السائق لحساب الأمن فقد سأله عن هدفه من شراء السلاح فأجابه: هذا السلاح مخصص لقتل السادات!!([30]) ومع ذلك لم يكن هناك أي تدابير احتياطية لحماية الرئيس من الاغتيال! فهل نبيل لم يعترف؟ أم أن هناك إهمالا من قبل الشرطة؟ أم أن هناك تواطؤا من قبل الأمن أو الدولة العميقة لغاية مقصودة([31])؟
عندها خشي عبود الزمر من انكشاف التنظيم وانكشافه فغادر منزله واختفى عن الأنظار لأن نبيل المغربي كان يتردد عليه وفعلا هاجم الأمن منزله، وكذلك فعل عدد من قيادات التنظيم([32])، وقد ذكَر السادات عبود الزمر في خطاب له بعد اختفائه كما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب"، فقال: "وفي خطاب تلفزيوني ألقاه السادات يوم 25 سبتمبر 1981 وجّه كلامه لعبود الزمر قائلا: ''إنني أعرف أن هناك ضابطا منهم هاربا وربما يكون يسمعني الآن، لقد اعتقلنا كل الآخرين في خمس دقائق وإذا كان هو قد تمكن من الفرار فإني أقول له إننا وراءه هو الآخر''.
وكان وزير الداخلية آنذاك النبوي إسماعيل قد أرسل للسادات قبل اغتياله بأسابيع شريط فيديو بالصوت والصورة لتدريبات مجموعة نبيل المغربي وجوابه لمن سأله عن الرصاصة الأولى لمن؟ فأجابه بأنها ستكون في صدر السادات!
وقال إنه عشية حادث المنصة في 5 أكتوبر 1981، اتصل بالسادات وحذره من عملية اغتياله، وأن أحد مصادره السريين التقى عبود الزمر، وعلم منه نية تنظيم الجهاد في القيام بعمل كبير بعد اكتشاف أمرهم، وأن عبود الزمر لم يتم ضبطه حتى الآن، لكن السادات لم يهتم كثيراً، وكان يعتقد أنهم يختبئون بعد أن كشفهم في خطابه([33]).
مبادرة خالد الإسلامبولي لاغتيال السادات:
بقيت الأمور غائمة في التنظيم ولم يستقر لهم قرار بعد: هل يغتالون السادات فقط، وكيف ينفذون ذلك؟ وكيف يقومون بثورة وانقلاب شامل وهم لم يتجهزوا بعد؟
هكذا كانت الحالة حتى كلف أحد أعضاء التنظيم من العسكريين وهو الملازم خالد الإسلامبولي بالمشاركة في العرض العسكري الذي سيحضره الرئيس السادات، وهنا بادر خالد في 25/9/1981 بالالتقاء بمحمد عبد السلام فرج وعرض عليه إمكانية قيامه باغتيال السادات لعلمه بأن التنظيم يفكر في ذلك، وتفاعل مع الاقتراح محمد فرج، وبعد 3 أيام اجتمع مجلس الشورى وطرحت الفكرة وتوسع فرج لطرح فكرة انقلاب وإطاحة بالنظام عبر مهاجمة الإذاعة والتلفزيون وقيادة الجيش والداخلية والاتصالات، وأن يقوم الأعضاء بالوجه القبلي بالسيطرة على مدينة أسيوط، ووافق الحاضرون على الخطة باستثناء عبود الزمر الذي لم يحضر الاجتماع([34])، وتقرر التعجيل بالاستعدادات وبذل قصارى الجهد لنجاح الخطة([35]).
حين أُخبر عبود بالخطة اعترض عليها خوفا من انكشاف التنظيم، ولما بلغه إصرار خالد عليها واعتقاد أنهم لن ينجوا من العملية مما لن يكشف التنظيم وافق([36])، ثم وضعت خطة للاستيلاء على الإذاعة والتلفزيون ومخزن أسلحة ولكنها فشلت، وهنا تقرر الاكتفاء بالاغتيال فقط، وحاولوا إبلاغ الأعضاء في أسيوط لكن لم يصلهم البلاغ وبقوا على خطتهم!([37])
عملية الاغتيال وملابساتها والشكوك المحيطة بها:
في البداية تم تكليف خالد الإسلامبولي بالمشاركة في العرض العسكري بشكل استثنائي لمرض الضابط الأصلي حيث ينقل هيكل في "خريف الغضب" عن تحقيقات النيابة قول خالد: "لقد ترددت في الاشتراك في العرض العسكري ثم وافقت بعد إلحاح الرائد مكرم عبد العال، لقد خطرت في ذهني فجأة أن إرادة الله شاءت أن تتيح لي أنا هذه الفرصة لتنفيذ هذه المهمة المقدسة"، وهذا يؤكد كلام بعض الإعلاميين كعادل حمودة وأنيس الدغيدي من أن خالد كان ممنوعاً من الاستخبارات العسكرية من المشاركة في هذه العروض العسكرية بسبب علاقاته مع الشيخ عبد الله السماوي، وهو أحد قيادات فكر العنف والتكفير، وبرغم أن أخاه الحبيب له محمد شوقي معتقل لدى الأمن على خلفية أفكار التكفيرية، فهل الاستخبارات تجهل ذلك، بحيث فجأة يصدر قرار من مدير الاستخبارات العسكرية بمشاركته في العرض، أم هي فرصة لاستغلال الغضب وتوجيهه نحو السادات لمعرفته بِنية تنظيم الجهاد وعلاقة خالد به؟!
وهنا يطرح هؤلاء وغيرهم: هل كان إشراك خالد بالعرض لتسهيل عملية الاغتيال من قبل الدولة العميقة واستغلال تنظيم الجهاد الذي تخترقه الأجهزة الأمنية كما تبين من القبض على المغربي ومن وصول معلومات عن الزمر وتحركاته للأمن!
بدأ خالد وفرج بالترتيب للتنفيذ عبر توفير عناصر عسكرية سابقة في التنظيم للمشاركة في العملية وتوفير العتاد لذلك، وفعلاً قام المقدم ممدوح أبو جبل وعضو بالتنظيم بتوفير إبر ضرب النار للرشاشات المستخدمة في العملية إذ جرت العادة نزع إبر ضرب النار من كل الرشاشات في العرض([38])، وقد تم التجاوز عن دوره في العملية بتحويله لشاهد نيابة وإخراجه من التهمة لكونه بادر بنفسه وأبلغ الجهات المختصة عن المعلومات التي لديه، وهذه الجهات كانت حينها في مأزق وتحتاج إلى دليل ومصدر معلومات، وتم تعيينه لاحقاً في إحدى السفارات بالخارج([39])!  
كما وفر محمد فرج لخالد بقية الأسلحة و3 أعضاء عسكريين من التنظيم، أدخلهم خالد بدلاً من جنوده في السرية الذين منحهم إجازة، وزوّد رفاقه بكتاب مزور بالتحاقهم بالعرض لكن حتى هذا الكتاب لم يسألهم عنه أحد عند دخولهم لمكان العرض، هكذا بكل بساطة ولم يهتم أحد، ولم يدقق أحد، أم أن خالد كان تحت الرقابة لتسهيل مهمته!
ثم أدخل خالد الذخيرة والقنابل في حقيبة يد دون تفتيش لساحة العرض، وقد جرت العادة أن يكون هناك تفتيش نهائي على كافة الأسلحة صباح يوم العرض من قبل عدة جهات أمنية هي: أمن الجيش، والمخابرات الحربية، وأمن رئاسة الجمهورية، لكن في ذلك العرض لم يحدث ذلك([40])!   
نشرت صفحة الجماعة الإسلامية على شبكة الإنترنت مذكرات لخالد الإسلامبولي جاء فيها عن واقعة التفتيش ما يلي: "وفجأة توتر الموقف وذلك عندما أخذت مجموعة من ضباط الحرس الجمهوري تمرّ على العربات الواقفة للتفتيش على السلاح ووصل التوتر أقصاه عندما وقف الضباط أمام عربتي وصاحوا آمرين أحد الجنود "هات بندقيتك" وسحبوا الأجزاء المتحركة للخلف ونظروا داخلها للتأكد من نزع إبرة ضرب النار منها وخلو الخزنة من الطلقات، وسرعان ما عاد الهدوء من جديد عندما اكتفى الضباط بالتفتيش على هذه البندقية فقط والتي لم تكن من بنادق الجنود الملحقين"، حيث تم استدعاء المفتشين لحظتها، فهل هذه صدف محضة([41])!!
هناك من يقول إنه بشكل مفاجئ وأثناء العرض تم استبعاد الحراسة من أمام المنصة وإرسالهم لخلف المنصة خوفا من عملية اقتحام يقودها الزمر على المنصة من الخارج، وأنه بسبب ذلك لم يتحقق تخوف خالد من أنه سيكون عرضة لإطلاق النار فور خروجه من العربة لاستهداف السادات!
وتظهر مقاطع الفيديو المنشورة مؤخرا لعملية الاغتيال أن السادات بقي ملقى على الأرض تحت الكراسي والتي ألقى أحدها عليه نائبه حسني مبارك نفسه دون إسعافه لمدة طويلة رغم أن السادات كان يحاول النهوض! ويظهر المقطع تصرفا غريبا لحارس السادات الشخصي، وهو العميد أحمد حتاتة، إذ أنه يصل للسادات لكنه لا يسعفه ولا يُبعد عنه الكراسي، وهو يحاول القيام بل يتحسس ساعته أو معصمه ويمر من فوقه تقريبا لخارج المنصة، ولذلك البعض يتهمه بأنه أطلق غاز الأعصاب على السادات! ويبقى السادات ملقى على الأرض تحت الكراسي والكل يتفرج عليه لمدة ربع ساعة تقريباً، يغادر خلالها مبارك المنصة وعليه يحمّل البعض مبارك مسؤولية اغتيال السادات! هل هذه المقاطع سليمة أم تم التلاعب بها؟
ويأتي تشريح الجثة ليُظهر وجود عيارات نارية من حجم أصغر من حجم طلقات رشاشات خالد ورفاقه! وليظهر وجود رصاصات دخلت من أسفل لأعلى وهذا يكاد يكون مستحيلا أن يكون من طلقات خالد ورفاقه التي كانت طلقاتهم من أعلى لأسفل! كما أن التقرير يشير إلى إصابة السادات بصدمة عصبية، مما يعيدنا لاتهام حتاتة برش غاز الأعصاب!([42])
من الغريب أن غالبية مَن كتب عن مقتل السادات يؤكدون أنه قُتل بسبب رصاصة استقرت في عنقه أطلقها حسين عباس، الذي كان قناصاً بالقوات المسلحة، بينما صور جثة السادات لا يوجد فيها طلقة في الرقبة وإنما في ترقوته اليسرى، لكن تشريح جثة السادات وبعض القتلى في المنصة أثبت أن رصاص الحرس هو الذي تسبب في مقتله، مما يدعم مزاعم قتل السادات برصاصٍ من داخل المنصة ومن الخلف ربما!!
وعقب نشر صورة جثة السادات في عهد مبارك قبل بضعة أعوام، يقال إن مبارك غضب جدا وأمر بمعاقبة الصحفي المسؤول عن نشرها، وفعلا تم فورا إقالة رئيس تحرير صحيفة الميدان سعيد عبد الخالق!
من الأشياء التي لم تفهم بشكل واضح للآن سبب اقتصار خالد الإسلامبولي على قتل السادات فقط دون بقية المسؤولين كنائبه مبارك ووزيري الدفاع والداخلية، بل لقد صرخ خالد في وزير الدفاع أنه لا يقصد إلا السادات، وكذلك زميله عبد الحميد الذي خاطب حسني مبارك: "أنا مش عايزك، إحنا عايزين فرعون"، وهو ما يتعارض مع نية التنظيم عمل انقلاب وثورة شاملة، ولذلك حاول عبود الزمر القيام بذلك لكنه فشل ولذلك تحرك التنظيم في أسيوط لاحقاً!
لكن منتصر الزيات يفسر ذلك بأن الإسلامبولي لم يكن مهتما بموضوع الانقلاب على عكس محمد عبد السلام فرج، وأنه قال لفرج ورفاقه: أنا لا علاقة لي بهذا وإنما فقط "أقتل فرعون مصر أنور السادات"([43])، بينما د. محمد مورو يرى أن التنظيم في القاهرة وصل لقناعة بفشل الثورة فاكتفى باغتيال السادات وحاول إبلاغ جماعة أسيوط لكن تعذر ذلك، وهذا سبب اضطراب موعد حركة تنظيم أسيوط([44])!!
كان قتل السادات سهلا جدا لدرجة أنه لم يُقتل أحد من المهاجمين! بل تمكن أحدهم وهو حسين عباس من الهرب مشياً على أقدامه ولم يُقبض عليه إلا بعد يومين، فبرغم كل أطواق الحراسة على السادات وحراسه المنتخبين والبالغ عددهم 150 تمكن خالد وعبد الحميد من الوصول للمنصة وقتل السادات! والعجيب أن خالد قال لرفاقه في السجن قبل إعدامه إنه لم يضع خطة لكيفية الانسحاب بعد تنفيذ المهمة ورفض أن يصطحب معه ذخيرة للانسحاب لأنه لم يتصور نجاته، وأن خطته مبنية على موتهم في العملية([45])، بل إن خالد ورفيقيه توقفوا عن إطلاق النار واستسلموا برغم توفر الذخيرة معهم!([46])
الأعجب من هذا أن التحقيق مع خالد في البداية قبل أحداث أسيوط لم يتطرق لوجود تنظيم خلف العملية، وحقق معه على أنه اغتيال فردي، برغم معرفة الأمن بِنية تنظيم الجهاد اغتيال السادات([47])، فهل كان هذا عفويا أيضا من أجهزة الأمن؟
تمرد أسيوط:
العجيب أن أعضاء التنظيم في أسيوط انقطعت الصلة بينهم وبين أعضاء التنظيم في القاهرة يوم 5/10/1981، وظنوا أن عملية الاغتيال لن تتم يوم 6/10/1981 بسبب أنهم لم يعطوا خالد الإسلامبولي بعض القنابل التي اشترط عليهم إحضارها للقيام بالعملية، وهنا قررت جماعة أسيوط المضي بالخطة منفردين بالتحرك للاستيلاء على أسيوط يوم 10/10/1981 ورتبوا أمورهم على ذلك، ولسذاجتهم وجهلهم وقلة عقلهم وعلمهم لم يكلفوا أحدا أن يتصل هاتفيا بالقاهرة يستطلع الأخبار ولا حتى تابعوا الأخبار عبر الراديو، بل الأدهى من ذلك أن بعض قيادة أسيوط سافرت للقاهرة بالسيارة حيث وصلوا حوالي المغرب ولم يكونوا يعلمون أن العملية قد تمت وأن السادات قُتل وأن المنفذين نجوا من القتل، وعندها قرروا الرجوع لأسيوط التي وصلوها فجر يوم 7/10 حيث اجتمعوا وقرروا تنفيذ خطتهم يوم 8/10([48])، والذي يصادف يوم عيد الأضحى وذلك لاستغلال تجمع الناس ومناصرة ثورتهم، حيث هاجموا عددا من مقرات الأمن وسيطروا على المدينة، ولكن بعد يومين استعادت الشرطة السيطرة وفر المهاجمون للجبال.
وهذا يبين أن القرارات تتخذ بشكل غير مدروس وعفوي وبسذاجة منقطعة النظير، برغم أنها قرارات تمس قيادة دولة، بل أكبر دولة عربية، مما يدلنا على خطورة أفكار هذه الجماعات الشبابية المتهورة، ولعل تراجعات قادة الجماعة الإسلامية ونقدهم لأنفسهم بعد سنوات في السجن أكبر دليل على انحراف هذه المجموعات شرعياً وواقعياً.
وبعد اغتيال السادات وفشل الثورة في القاهرة وأسيوط تم الاتفاق على المقاومة وعدم الاستسلام، وأقنعوا أنفسهم أنهم نجحوا بتحقيق هدف لمختلف الفصائل الإسلامية ألا وهو إزاحة السادات([49])، ولكن هل تغيرت الأحوال بإزاحة السادات؟ نفس من قَتلوا السادات عادوا يقولون إن السادات كان خيرا من خلفه مبارك! وبعد قيام الثورة المصرية وإزاحة حسني مبارك عقب 30 سنة لم تتحسن الأمور ولم تتبدّل! لأن إزاحة رأس الحكم لا تبدل كثيرا في منظومة الحكم، ولأن الشعب لم يتطور إيجابيا، وهذا هو الأهم.
ما بعد اغتيال السادات:
بعد انكشاف التنظيم والقبض على 302 عضو وتقديمهم للمحاكمة تبين أن معظمهم تتراوح أعمارهم بين 20-30 سنة، وأنهم خليط من طلبة وموظفين([50])، ولم يكن فيهم مَن هو مؤهل شرعيا إلا الشيخ عمر عبد الرحمن لكنه لم يكن مؤسس التنظيم وواضع أفكاره أصلاً ([51])!
وتم اعتقال 7 آلاف شخص تعرضوا للتعذيب، خرج بعضهم بعد عدة سنوات وبقي قسم لمدد طويلة، ولكن هذا الفكر بقي يتمدد في السجن وخارج السجن، فوقعت عدة عمليات لنصرة المساجين ومحاولة الإفراج عنهم، وتم القيام بعدة عمليات ضد رجال الشرطة، وأعاد بعض القادة والأعضاء تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية خارج السجن بعد فراقهما في داخل السجن! وتكونت تنظيمات جديدة، وتتكرر المأساة من جديد في عمليات عنف كارثية لا فائدة منها.
خاتمة:
الخلاصة التي أظنها الصواب أن تنظيم الجهاد تشكل بغرض ثورة شعبية شاملة يتم الإعداد لها بنفَس طويل يستغرق 3 سنوات، لكن تسارع الأحداث السياسية فرض على التنظيم تجاوز خطته وهذا ملحظ متكرر لدى تجارب هذه التنظيمات.
وحين قرر التنظيم اغتيال السادات درس عدة احتمالات، فالتنظيم كان معلوماً للأمن ومخترقا، وإن ليس بشكل كامل، وحادثة القبض على نبيل المغربي أكدت نية التنظيم قتل السادات.
قد يكون هناك جهة أمنية (الدولة العميقة) سعت للاستفادة من نية التنظيم اغتيال السادات بتسهيل ذلك عبر عضو التنظيم خالد الإسلامبولي، حيث فتح له المجال مع التحكم للقيام فقط باغتيال السادات دون غيره! وأنهم كانوا جاهزين لإكمال المهمة التي يبدأ بها خالد!
ولذلك لا أستبعد أن تظهر في المستقبل دلائل على مثل هذا التورط وأن يكون للموساد أو غيره دور في ذلك بسبب استعادة السادات لسيناء من اليهود، كما سبق أن هوجم السادات من تنظيم صالح سرية عقب انتصاره بمعركة 73 على اليهود بعدة أشهر!
ولذلك فإن هذه التجارب الشبابية المتهورة والتي تجلب الكوارث والتي تقوم بعيدا عن العلماء السلفيين وبعكس آرائهم ستبقى تتكرر ما لم يكن هناك توعية صحيحة للشباب في المكان والزمان المناسبين.
ولعل مما يلخص كارثية هذه التجارب الشبابية المتهورة هذه الكلمة العجيبة لأحدِ مَن قاموا باغتيال السادات والذي قال: " لقد كانت أكبر خسائر عملية اغتيال السادات هو نجاحها، ذلك أن النجاح يصور لصاحبه أنه على صواب"!([52]) ولذلك مضت الجماعة الإسلامية وجماعة العنف في مسار العنف ردحا من الزمن قبل أن تتوصل لخطأ مسارها وتتراجع عنه وهو ما سنعرض له في الحلقة القادمة بإذن الله.
[1]- مجموع الفتاوى، 8/425.
[2]- الإسلام السياسي، محمد مورو، ص 199.
[3]- الإسلام السياسي، ص 201، ويوافقه في ذلك ممدوح الشيخ في كتابه "الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة"، مكتبة مدبولي، ص 30، 34، وموسوعة العنف، ص 348.
[4]- موسوعة العنف، ص 323، 348.
[5]- منشور في الإنترنت باسم (حوار الشيخ الظواهري مع جريدة "الحياة"، 1414هـ)، موقع منبر التوحيد والجهاد.
[6]- دليل الحركات الإسلامية، عبد المنعم منيب، ص 84، الإسلام السياسي، ص 195.
[7]- دليل الحركات الإسلامية، ص 88. والذي نفّذ عملية مهاجمة محلات روما القبطية للمجوهرات سنة 1981، ثم كشف في عملية شراء أسلحة للتنظيم واعتقل قبل اغتيال السادات، الإسلام السياسي، ص 206.
[8]- الإسلام السياسي، ص 203.
[9]- الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة، ص 33.
[10]- الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة، ص 37.
[11]- دليل الحركات الإسلامية، ص 85، الإسلام السياسي، ص 204.
[12]- موسوعة العنف، ص 351.
[13]- الفرق والجماعات الإسلامية المعاصرة، ص 251.
[14]- الإسلام السياسي في مصر، هالة مصطفى، ص 150.
[15]- اختلاف الإسلاميين، أحمد سالم، ص 26.
[16]- الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة، ص 45، الحركة الإسلامية من المواجهة إلى المراجعة، ص 16، الجماعة الإسلامية في جامعات مصر، بدر محمد بدر، وهو يعبر عن رؤية جماعة الإخوان لها. تجربتي مع الإخوان، د. السيد عبد الستار، ص 124، وهو يقدم شهادة شخصية متوازنة.
[17]- الإسلام السياسي في مصر، ص 151، الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة، ص 54، الحركة الإسلامية من المواجهة إلى المراجعة، ص 18، ثم أصبح الشيخ عمر مفتيا للجماعة الإسلامية عقب الانفصال عن تنظيم الجهاد.
[18]- الفرق والجماعات الإسلامية المعاصرة، ص 252، الإسلام السياسي، ص 211، الأصولية في العالم العربي، ريتشارد دكمجيان، ص 146، ويشير المؤلف فيه إلى دور محمد الإسلامبولي في تكوين فكر العنف عند أخيه خالد، حيث يرى دكمجيان أن محمد الإسلامبولي أحضر معه من الحج رسائل جهيمان وأعطاها لشقيقه خالد!. وكان جهيمان قد تأثر ببعض أتباع شكري مصطفى!! وهو ما سنفصّله لاحقاً.
[19]- الإسلام السياسي، ص 207.
[20] - موسوعة العنف، ص 487، وانظر شكوكه حول تورط جهات بالأمن في ذلك، ص 327.
[21] - استمع لكرم زهدي يروي القصة عند الدقيقة 6:50: https://www.youtube.com/watch?v=IWjJie9W2e8
[22] - الجماعات المصرية المتشددة، ص 44.
[23] - http://islammemo.cc/akhbar/arab/2011/10/08/135402.html
[24] - انظر تصريحات كرم زهدي لوسائل الإعلام المختلفة في شبكة الإنترنت.
[25] - الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة، ص 37، 41، 44.
[26] - المصدر السابق، ص 44.
[27] - الإسلام السياسي، ص 208.
[28] - المصدر السابق، ص 211.
[29] - موسوعة العنف، ص 462.
[30] - المصدر السابق، ص 502، 506.
[31] - المصدر السابق، ص 509.
[32] - الإسلام السياسي، ص 209.
[33] - http://cutt.us/71Kr
[34] - الإسلام السياسي، ص 212.
[35] - موسوعة العنف، ص 495.
[36] - الإسلام السياسي، ص 214.
[37] - المصدر السابق، ص 215.
[38] - المصدر السابق، ص 215.
[39] - مقابلة العربية نت مع منتصر الزيات، http://cutt.us/yzBlB
[40] - الإسلام السياسي، ص 217.
[41] - ومضمون القصة يطابق ما أقره صاحب الإسلام السياسي، ص 218.
[42] - انظر https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2011/10/09/200039.html ، و https://www.youtube.com/watch?v=OBpZw1I9xEQ
[43] - مقابلة العربية نت مع منتصر الزيات، http://cutt.us/yzBlB
[44] - الإسلام السياسي، ص 216، 222.
[45] - مذكرات خالد، على شبكة الإنترنت.
[46] - الإسلام السياسي، ص 220.
[47] - المصدر السابق ، ص 216.
[48] - موسوعة العنف، ص 496.
[49] - الإسلام السياسي، ص 222.
[50] - المصدر السابق، ص 260.
[51] - المصدر السابق، ص 244.
[52] - صفحة حزب البناء والتنمية، أمانة الفيوم، وهو حزب الجماعة الإسلامية، http://cutt.us/o6G4E