حكاية جماعات العنف 7 تنظيم الشوقيين وتنظيم الناجين من النار

الرابط المختصر
Image
حكاية جماعات العنف 7 تنظيم الشوقيين وتنظيم الناجين من النار

أولاً: الساحة المصرية
7- تنظيم الشوقيين وتنظيم الناجين من النار
هوامش على تاريخ التطرف والعنف
 
من عادة تنظيمات العنف والتطرف والغلو الانقسام والتشرذم منذ ظهور الخوارج الأوّلين في مطلع الإسلام، وزيادة الغلو مع كل انشقاق وتشرذم، وأن اللاحق -وهو أكثر جهلاً- يصبح أكثر عنفاً!
ولم تكن الساحة المصرية بمنأى عن ذلك، فقد ظهرت تنظيمات العنف بشكل متشرذم في الأصل، ثم تجمعت قبيل مقتل السادات ثم عادت للانشطار بسبب قضية ولاية الضرير والأسير، وبعدها حدثت عدة تشرذمات هنا وهناك، لكن أبرزها كان: تنظيم الشوقيين وتنظيم "الناجون من النار"، والّلذين سنعرف بهما في هذه الحلقة.
تنظيم الشوقيين([1]):
ينسب لمؤسسه شوقي الشيخ، وهو مهندس مدني، بدأ انحرافه في مسار الغلو والتطرف على يد طارق الزمر، فبعد أن كان من تلاميذ الشيخ يوسف البدري أيام دراسته للهندسة في سبعينيات القرن المنصرم، تعرّف على طارق الزمر، الذي ضمّه لتنظيم الجهاد، ومن هنا بدأت الكارثة.
سُجن شوقي في سبتمبر 1981 مع اغتيال السادات لعدة شهور، ولكنه بقي منتميا للتنظيم، ولما خرج من السجن ذهب يبحث عن بقاياه في منطقة الهرم حيث تعرف على الزمر أول مرة، لكنه لم يوفق بالعثور على بقايا للتنظيم!
فلم يستسلم شوقي وانضم في سنة 1986 لتنظيم آخر يحمل نفس التوجّه، لكن سرعان ما انكشف هذا التنظيم وألقي القبض مجدداً على شوقي وعاد لسجن طرة!
هناك في السجن -وهو البيئة المثالية لنمو التطرف والغلو وتمدّده- التقى ببعض قادة تيار التوقف والتبين([2]) ودخل معهم في نقاشات متعددة أفضت به إلى اعتناق رؤية "التوقف والتبين" لكنه زاد عليها أن لا يتوقف ولا يتبين بل يحكم بكفر كل من يخالفه، وهذه طبيعة الغلو أنها تتزايد وتتعاظم مع الزمن، خاصة مع وجود عامل السجن والتعذيب من السلطة، والجهل وقلة العلم الشرعي لدى الأفراد فإن النتيجة دوما هي تشكل أنواع جديدة أكثر تطرفا في التكفير وعنفاً في القتل!!
تكوّنت لشوقي الشيخ خبرة تنظيمية اكتسبها من تنظيم الجهاد سابقاً مكّنته من تجنيد حوالي ألف شاب من قرى منطقته بمركز أبشواي بمحافظة الفيوم، وقد جمع شوقي في فكرِه وتنظيمه الجديد بين تكفير المخالفين له بتأثير تيار التوقف والتبين، وبين حمل السلاح ضد الدولة الكافرة بتأثير فكر الجهاد القديم، ولذلك ورّط نفسه وأتباعه في صراعات دموية مع السلطات الرسمية بدأت بقتل شوقي لخفير نظامي وسلبه سلاحه، وأسفرت في النهاية عن قتل شوقي شخصياً عام 1990.
وقتح مقتله المزيد من دوامة العنف لدى أتباعه خاصة أن بعض قادة جماعة الجهاد رأوا في ذلك فرصة لإضعاف النظام عبر صراع دموي مع الشوقيين، فأمّدهم بعض قادة الجهاد مثل نزيه راشد بالقنابل اليدوية مما ساهم في إطالة أمد صراع الشوقيين مع الدولة من سنة 1990 إلى سنة 1994م! وتركزت عمليات الشوقيين في (الجهاد) على سرقة محلات الذهب التي يملكها نصارى ثم بيعها لتجار نصارى آخرين والعيش من مال هذه الغنائم! وكم من أرواح سلبت في حروب الوكالة هذه وغيرها بين الشباب والجيش والأمن ولم يستفد منها إلا الأعداء!
تمكنت السلطة المصرية من القبض على قادة الشوقيين وسجنهم فانطفأت نارهم، وبقي الحال على هذا حتى فاز الإخوان المسلمون بـ 20% من مقاعد برلمان 2006 فأطلق سراحهم مما فسر بأنه تلاعب من السلطة بورقة الغلو والتطرف ضد فوز الإخوان، وكم جرّت مثل هذه السياسات البغيضة والرعناء من كوارث على أمتنا –لليوم- ولعل كوارث داعش من آخرها.
ويبدو أن الشوقيين لزموا الهدوء وتركوا الصدام مع الدولة منذ الإفراج عنهم، لكن في  شهر إبريل 2015 تحركت وزارة الأوقاف المصرية لتنزع منهم عدة مساجد يسيطرون عليها في منطقتهم أبشواي([3]).
يتداول كلام عن علاقة الشوقيين بجماعات العنف بسيناء، خلاصته أنه حين تم قتل شوقي فرّ عدد من أتباعه إلى سيناء وكوّنوا هناك جماعة موسّعة استقطبت عناصر من تنظيمات أخرى، وأنه عقب ثورة يناير 2011 هرب بعض مساجين الشوقيين من السجون لسيناء([4]).
على هامش الشوقيين([5]):
بعد إزاحة شوقي من المشهد برزت شخصية جديدة تسير على نهج شوقي وإن لم تلتقِ به، وهو حلمي هاشم، وهو رائد شرطة سابق في تنظيم الجهاد، تم تجنيده للتنظيم بواسطة المقدم عبد الرحمن شحاته، ولعله من مجموعة عصام القمري، ودور العسكريين في تنظيمات الغلو والتطرف -قديماً وحديثاً- بحاجة لدراسة عميقة، فكثير من إجرام داعش وإرهابه قام به قيادات عسكرية ذات جذور بعثية!!
وعلى غرار شوقي الشيخ في السجن التقى حلمي هاشم بمجموعة من سوهاج تعتنق أفكار شوقي رغم عدم صلتها المباشرة به! فاعتنق حلمى هذه الأفكار، ولما خرج من السجن أنشأ مكتبة لبيع الكتب وألّف هو 10 كتيبات تحت اسم شاكر نعمة الله، تشرح وتبين فكر شوقي فانتشرت كثيرا في تسعينيات القرن الماضي، وبذلك أعاد إحياء فكر شوقي ونشره لأن الأخير لم يترك خلفه منهجا مكتوبا.
وقد فاوض حلمي الأجهزة الأمنية بمنحه حرية الحركة والنشاط على أن ينبذ حمل السلاح ويعارض من يدعو لذلك من الشوقيين، وفعلا كانت السلطات تفرج عن أي شخص يعتقل ويتضح أنه مؤيد لحلمي هاشم، وبقي الحال على ذلك حتى عام 1998، حيث كشف عن امتلاك عدد من أتباعه كميات من الأسلحة المتطورة، فاعتقل حلمي، لكن تم الإفراج عنه في 2008.
ويبدو أن حلمي استغل الفوضى بعد ثورة 25 يناير 2011 للتحرك والنشاط، ولذلك تم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة في 2015 بتهمة تكوين خلية إرهابية جديدة([6])، وصدر الحكم عليه بالسجن 5 سنوات([7])، وليس صحيحاً أنه سافر للعراق وسوريا والتحق بداعش، ولكن يبدو أن بعض كتبِه معتمدة عند داعش ويروّج لها كثير من منظري الغلو والتطرف ويوصون شبابهم بها.
تنظيم "الناجون من النار":
مرة أخرى يبرز في مسيرة وحكاية الغلو والتطرف في مصر هامش جديد يكون أكثر غلوا وتطرفا في الأفكار وأكثر عنفاً في الإرهاب، حيث التقى في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي الطبيب مجدي الصفتي، عضو تنظيم الجهاد([8]) في السبعينيات بأحد منظري فكر التوقف والتبين التكفيري وهو مصطفى الخضيري([9])، والذي يعد من رموز المجموعة القطبية التي ساهمت في بروز عدة جماعات إرهابية كمجموعة مصطفى شكري وشوقي الشيخ، والآن مجموعة مجدي الصفتي أو تنظيم "الناجون من النار".
هذا الالتقاء المتكرر لطالب الطب بالخضيري تسبب في انتقال الصفتي من فكر الجهاد الذي يكفّر الحكام إلى فكر التوقف والتبين الذي يكفّر عموم الناس ولا يعذرهم بالجهل، ولكنه بقي منهج تنظيم الجهاد باعتماد العمل العسكري للتغيير والعمل، وقد كان تعيير الجهاديين للقطبيين وأعضاء "التوقف والتبين" بأنهم يقتصرون على الكلام دون فعل أو جهد حقيقي على أرض الواقع لدفع مجدي الصفتي لإثبات خطأ هذا التعيير، فقام بتشكيل تنظيم عسكري ونفذ عدة عمليات ضخمة.
كانت الخطوة الأولى للصفتي هي تأسيس تنظيم خاص به في الجيش بعد بدئه خدمته الإلزامية عقب تخرجه من كلية الطب وسماه «تنظيم الفرقة الناجية» ولكن الإسم الإعلامي الذي راج هو "الناجون من النار" وهما يحملان نفس المعنى، وكان غالب أعضائه من أعضاء سابقين بتنظيم الجهاد!!([10]).
تأسس التنظيم في سنة 1983 واستكمل بناؤه في 1986 فاستقطب الكوادر ودرّبهم على صنع القنابل([11])، ثم قام بثلاث عمليات إرهابية استهدفت اغتيال اللواء حسن أبو باشا في مايو ١٩٨٧، لكنه نجا مع إصابته إصابة خطيرة، وكانت العملية الثانية في يونيو ١٩٨٧ بمحاولة اغتيال مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصور، والثالثة في أغسطس ١٩٨٧ ضد وزير الداخلية الأسبق اللواء النبوي إسماعيل، لكن مكرم والنبوي لم يقتلا ولم يصابا في العملية([12]).
تسببت هذه العمليات في حملة اعتقالات وتعذيب لكثير من كوادر الجماعة الإسلامية لأن السلطات لم تكن تعلم عن وجود هذا التنظيم([13])، لكن تمكنت قوات الأمن من تتبع منفذي العمليات والقبض على عدد من أعضاء التنظيم وقتل بعض المنفذين، وعندها فهموا وجود تنظيم جديد، إلا أن مجدي الصفتي تمكّن من الفرار من مصر إلى اليمن، وعاد لمصر بعد 6 سنوات وتم رصد مكالمة له اعتقل على إثرها في سنة 1993 وحكم عليه بـ ٢٥ عاما سجنا مع بقية رفاقه([14]).
في السجن تراجع أغلب رفاق مجدي عن فكر التوقف والتبين واستمروا على فكر الجهاد([15])، بينما بقي مجدي على فكره المتطرف، وقد عوض عن خسارته لتأييد رفاقه له بنشر فكره بين شباب سيناء، إذ "بخطأ فادح، خشي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي اعتقال شباب سيناء المتهمين في حادثي طابا وشرم الشيخ في عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٥، مع مسجوني الإخوان، أو مسجوني الجماعة الإسلامية، فوضعهم في زنازين التكفير مع مجدي الصفتي، الذي نقل لهم فكر التوقف والتبين حرفيًا، وخرج ما لا يقل عن ٤٠٠ منهم محملين بهذا الفكر، لينشئوا فيما بعد أكثر من ١٩ جماعة سيناوية، منها أنصار الإسلام، وأنصار الدين، وبيت المقدس، وجند الله، وجند الإسلام... إلخ"، وقامت جماعة بيت المقدس بمبايعة (داعش) وبدلت اسمها لـ «ولاية سيناء»([16]).
بقي مجدي ورفاقه في السجن حتى قامت ثورة ٢٥ يناير 2011، فهرب ضمن من هرب من السجناء، ولكن تم إعادة القبض عليه لاحقاً([17])، ويبدو أنه في مرحلة الثورة استعاد التنظيم بعض نشاطه في منطقة القناطر الخيرية، ويبدو أن بعض الأعضاء الذين تم الإفراج عنهم التحقوا بجماعتهم في سيناء([18])، ولذلك فإن "الناجون من النار" لم ينتهوا، فبعضهم في سيناء وبعضهم في محافظات الدلتا لأن الامتداد واحد([19]).
ولا يزال فكر التوقف والتبين موجود في مصر لكنه لا يتبنى العمل المسلح كما كان حاله قبل "الناجون من النار" ويقدر عددهم في مصر بين 1000-2000 شخص([20]).
الخاتمة:
مسار الغلو والتطرف والعنف والإرهاب لا يزال يتدحرج ويكبر بجهل أفراده وظلم السلطة وسوء تصرفها، ولكن المجتمع هو من يدفع الثمن مِن أمنه، كما أن الدين يتعرض لردّات فعل سيئة ومقصودة من التشويه وكيل الاتهامات له من كثير من أعداء الدين، مما يخلق مناخا مناسبا للتطرف ولا يساعد على علاج مشكلة الغلو والتطرف العنف والإرهاب.
 
 
[1]- المرجع الرئيس عن الشوقيين هو دليل الحركات الإسلامية المصرية، عبد المنعم منيب، ص 161.
[2]- فكرة التوقف في الحكم على الشخص وتبيّن إسلامه ومعتقداته بدأت مع مجموعة القطبيين في السجون المصرية، وكانت قنطرة لشكري مصطفى لتبني فكر التكفير العام للناس، ثم اشتهر بها عبد المجيد الشاذلي وأصبح منظرها الأول. انظر: ثورة قلم: وقفة مع التيارات الصدامية، أحمد الشحات، الأمل للطبع والنشر، ص 139، دليل الحركات الإسلامية المصرية، عبد المنعم منيب، ص 157.
[3]- اليوم السابع، http://cutt.us/DyHx
[4]- دماء على رمال سيناء، القصة الكاملة للتنظيمات الجهادية الجديدة في مصر، ماهر فرغلي وصلاح الدين حسن، ص 78،71.
[5]- بين فقهاء القاعدة وفقهاء داعش، حلمي هاشم نموذجا، ضياء يوسف العظمة، المكتب العربي للمعارف، دليل الحركات الإسلامية المصرية، عبد المنعم منيب، ص 165.
[6]- موقع الأسبوع، http://cutt.us/m9xC8
[7]- موقع مصراوي، http://cutt.us/ykobB
[8]- دليل الحركات الإسلامية المصرية، عبد المنعم منيب، ص 158.
[9]- مقال "الصفتي.. الرجل الذي زرع التكفير في سيناء"، ماهر فرغلي، موقع البوابة.
[10]- مقال "الصفتي".. الرجل الذي زرع التكفير في سيناء"، ماهر فرغلي، موقع البوابة، دماء على رمال سيناء، القصة الكاملة للتنظيمات الجهادية الجديدة في مصر، ماهر فرغلي وصلاح الدين حسن، ص 231.
[11]- دماء على رمال سيناء، القصة الكاملة للتنظيمات الجهادية الجديدة في مصر، ماهر فرغلي وصلاح الدين حسن، ص 232.
[12]- المصدر السابق، دليل الحركات الإسلامية المصرية، ص 159.
[13]- الجماعات الإسلامية المصرية المتشددة، ممدوح الشيخ، ص 55.
[14]- المصدران السابقان.
[15]- دليل الحركات الإسلامية المصرية، ص 160.
[16]- مقال "الصفتي".. الرجل الذي زرع التكفير في سيناء"، ماهر فرغلي، موقع البوابة.
[17]- الداخلية توجّه ضربة للجماعات المتطرفة ضبطت زعيم تنظيم "الناجون من النار"، محمود عبد الراضي، اليوم السابع.
[18]- مقال "الصفتي".. الرجل الذي زرع التكفير في سيناء"، ماهر فرغلي، موقع البوابة.
[19]- دماء على رمال سيناء، القصة الكاملة للتنظيمات الجهادية الجديدة في مصر، ماهر فرغلي وصلاح الدين حسن، ص 234.
[20]- دليل الحركات الإسلامية المصرية، ص 160.