ندوة "السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية"،

الرابط المختصر
Image
ندوة "السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية"،

نظمّ مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية ومؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية ندوة "السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية"، برعاية رئيس الجامعة الأردنية د.اخليف الطراونة.
وشهدت الندوة نقاشات ساخنة وصريحة بين ممثلين عن الاتجاهات السلفية في أكثر من دولة عربية من جهة، وباحثين ومراقبين وسياسيين من جهة أخرى.
واتهم أغلب المتحدثين السلفيين الإعلام والأطراف العلمانية بالتحيّز ضد السلفيين وتسطيح خطابهم الفكري، والتعامل معهم وفق معايير وأحكام جاهزة مسبقة، مطالبين بـ"الإنصاف" ومنحهم مزيداً من الوقت في مشاركتهم في الحياة السياسية، والتحول نحو تأسيس أحزاب سلفية، وعدم مطالبتهم بتقديم إجابات محددة، دون المرور بحوارات معمّقة حول القضايا المطروحة والمواقف الفكرية والمرجعيات التي تحكمها.
على الطرف الآخر، طالب باحثون وخبراء ومراقبون، السلفيين بتوضيح مواقفهم حول العديد من القضايا المهمة، مثل الديمقراطية والحريات العامة والتعددية الدينية والسياسية، وبمواجهة هواجس الآخرين حول رؤيتهم للحريات الفردية والأقليات والفنون والمرأة.
وحضر الندوة ممثلون عن السلفيين في اليمن، البحرين، مصر، والأردن، وباحثون متخصصون من تونس والمغرب ولبنان والأردن والسعودية وفرنسا وألمانيا، بالضافة لمراقبين وسياسيين أردنيين.
وتحدّث في الجلسة الافتتاحية مدير مركز الدراسات الاستراتيجية د. موسى شتيوي، مشيراً إلى أهمية عقد الندوة في هذه اللحظة، التي تشهد صعوداً ملحوظاً للحركات السلفية واندماجها في اللعبة السياسية والحياة الحزبية في مصر، وانتقال العدوى إلى أكثر من دولة عربية، مع ظهور النشاط السلفي عموماً إلى السطح في دول أخرى، بما يثيره ذلك من نقاشات وهواجس وتساؤلات حول طبيعة الخطاب السلفي وأبعاد الدور السياسي لهذه الحركات والجماعات.
من جهته، تحدث د.الطراونة عن بروز النشاط السلفي، وعن أهمية تولي الجامعات والمراكز البحثية مسؤولياتها المعرفية والمجتمعية في دراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية، مشيراً إلى دور مركز الدراسات الاستراتيجية بوصفه "العقل المفكر والمدبر" في الجامعة بمناقشة قضايا الساعة، ومن ضمنها "صعود السلفية واقتحامها ميادين العمل السياسي والحزبي".
وتحدث المدير المقيم لمؤسسة فريدريش أيبرت في عمان آخيم فوكت عن أهمية الندوة وانسجامها مع أهداف المؤسسة بفتح باب الحوار والنقاش المعمّق حول القضايا السياسية والاجتماعية في العالم العربي.
وقدّم كل من الباحثين حسن أبو هنية (الأردن) وعبد الحكيم أبو اللوز (المغرب) التضاريس الفكرية والحركية للتيارات السلفية في العالم العربي.
وتحدث الخبير في الحركات السلفية في المغرب عبدالحكيم أبو اللوز عن خصوصية تجربة المغرب العربي، وعن انتشار السلفية التقليدية الجغرافي وعن خطابها الفكري، ومسارها التاريخي، موضحاً أنّها نقلت بؤرة تحالفاتها خلال الأعوام الأخيرة من العلاقة الودية الإيجابية مع السلطة إلى دعم الحركات الإسلامية، مثل "العدالة والتنمية"، وهو تحول ناجم – وفقاً لأبي اللوز- عن تحول موقف السلطة نفسها من السلفيين، والبدء بمحاصرتهم والتضييق عليهم وإغلاق أغلب مراكز جمعيتهم المعروفة بـ"دار القرآن".
من جهته، استعرض أبو هنية خارطة السلفيين الفكرية والحركية في المشرق العربي، متحدثاً عن تطورها والصور التاريخية والحركية التي ظهرت من خلالها، بدءاً من تشكلها الأيديولوجي على يد أهل الحديث وأحمد بن حنبل وابن تيمية تاريخياً، مروراً بالدعوة الوهابية في العصر الحديث، ثم ظهور السلفيات الوطنية والإصلاحية في المغرب العربي، بالتزامن مع السلفية الإصلاحية التي بلورها رشيد رضا.
وعرّج أبو هنية على الخارطة الحالية للسلفيات، ما بين تقليدية أقرب للحكومات، وحركية تؤمن بالتغيير السلمي، و"جهادية" تدفع نحو التغيير المسلّح، مشيراً إلى تأثير الثورات العربية الأخيرة على مواقف هذه الحركات وعلى خطابها الأيديولوجي، وهو ما انبثق عنه اتجاه تيار سلفي عريض نحو العمل السياسي والحزبي، واختيار تيارات "جهادية" التحول نحو جماعات "أنصار الشريعة"، كما في تونس واليمن، بهدف الضغط على جماعات الإسلام السياسي الأخرى لإقامة دول إسلامية وعدم تقديم تنازلات.
وتحدث في الجلسة الثانية عن الديمقراطية والحريات الفردية، الباحث السلفي من الأردن أسامة شحادة، مشيرا إلى أنّ السلفيين ليسوا حديثي عهد بالمشاركة السياسية والبرلمانية، فقد شاركوا في البحرين والكويت والباكستان والهند والسودان، وهنالك فتاوى لكبار العلماء السلفيين سابقاً تشير إلى جواز المشاركة النيابية، فهو موقف سابق على الثورات الديمقراطية.
وأشار شحادة إلى أنّ الجديد، الذي اقتضى تغير موقف تيارات سلفية نحو المشاركة في دول عربية أخرى، هو تغير الظروف، وبروز جدوى حقيقية من المشاركة السياسية، بعدما كان السلفيون ملاحقين في هذه الدول سابقاً وغير مسموح لهم بالعمل السياسي والحزبي.
وعقّب النائب د.عادل المعاودة من قيادات جمعية الأصالة السلفية في البحرين على ورقة شحادة، مؤكّداً على ما جاء فيها من مصادرة إعلامية وسياسية على مواقف السلفيين والأفكار المسبقة المعلّبة عنهم، مشيراً إلى أنّهم حرصوا دوماً على الالتزام بالقوانين والسلم الاجتماعي، ولم يأخذوا في أيّ لحظة منهج العنف والعمل المسلّح لتغيير الواقع السياسي.
أمّا مدير مركز دراسات الجزيرة في اليمن الباحث السلفي أنور الخضري، فتحدّث عن رؤية السلفيين للحريات الفردية، وضرورة ضبطها ضمن منظومة من القيم والقوانين والعادات المتعارف والمتوافق عليها، وأشار إلى أنّ "الحرية المطلقة مفسدة مطلقة"، مؤكّداً على أهمية دراسة الأسس المرجعية والمنطلقات عند دراسة موقفهم من الحريات الفردية، وعدم إجبارهم بالإجابة عن أسئلة محددة!
وأشار في الجلسة الثالثة الباحث نواف القديمي من السعودية الذي تحدث عن مستقبل الدور السياسي للسلفيين، إلى حجم التحول في موقفهم من الديمقراطية، وتحديداً في مصر، إذ كان موقف قادتهم في الاسكندرية يذهب إلى أنّها كفر ورفض المشاركة البرلمانية وضد تأسيس أحزاب سياسية، ثم تغير الموقف بعد الثورة نحو تبرير المشاركة السياسية والحزبية، مبينا أنّ هذه التحولات تؤذن بأنّ الممارسة السياسية السلفية ستدفع هذه الحركة إلى تطوير خطابها السياسي لاحقاً مع انخراطها أكثر في اللعبة السياسية.
وعقّب على ورقة القديمي الباحث التونسي صلاح الدين الجورشي، متحدثاً عن خصوصية التجربة التونسية، وخطورة الدور الذي تقوم به الحركات السلفية هناك، مشيراً إلى أنّها في خطابها المتحفظ على الديمقراطية وفي ممارستها السياسية تجدّف عكس المجتمع التونسي.
وأشار إلى الدور السلبي للسلفيين الجهاديين في مرحلة التحول الديمقراطي الحالية، وما قد يثيره ذلك من إشكاليات وأزمات تهدد التجربة بأسرها.
بينما تحدّث د.عبدالغني عماد (الباحث من لبنان) في ورقته عن السلفيين والأقليات، مشيراً إلى جملة من القضايا المنهاجية عند التعامل مع الحركات السلفية، من ضمنها، خطورة التعميم والتسطيح وعدم القبول بالمواقف المسبقة، مطالباً بدراسات معمّقة وبمواقف موضوعية.
وفيما يخص مسألة الأقليات، أكّد عماد ضرورة أن يقدّم السلفيون إجابات واضحة حولها، وإزالة الهواجس المرتبطة بها، خاصة في اللحظة الراهنة التي يحدث فيها تقاطع مع أجندات خارجية تريد الاستثمار في ورقة الأقليات، أو ما يسميّه "تحالف الأقليات"، مشيراً إلى خطورة بروز النزعة الطائفية والمذهبية، وضرورة التنبه السلفي لهذا التحدي والخطر.
وبين الناطق باسم حزب النور السلفي في مصر محمد نور في تعقيبه على ورقة عبدالغني متحدثاً عن رؤية التيار السلفي لمسألة الأقليات، أنها لا تخرج عن الرؤية الإسلامية المعروفة على قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، مشيراً إلى أنّ السلفيين مظلومون في هذا الملف، "فطالما ساهموا وعملوا على حماية السلم الاجتماعي والأهلي في مصر، وهم – في العادة- وسطاء لمنع الاحتكاكات الطائفية بشهادة الأقباط"، موضحا أنّ للسلفيين عقائدهم، التي لا يمكن تغييرها مثل الاحتفال بالمناسبات الدينية المسيحية.
في الجلسة الختامية تحدّث د.ستيفان لاكروا (الباحث الفرنسي) عن تطور التجربة السياسية السلفية خلال الفترة الأخيرة، راصداً التحولات في مواقف وخطاب حزب النور السلفي في مصر، مشيراً إلى أنّ هنالك استعداداً واضحاً لدى السلفيين في تطوير مواقفهم السياسية، مثلما حدث مع اختيارهم لعبدالمنعم أبو الفتوح كمرشح للرئاسة بالانتخابات المصرية.
وأشار لاكروا إلى سيناريو تطور الصراع داخل التيار السلفي نفسه، متحدثاً عن حالة حزب النور، بين التيار البراغماتي الجديد الذي انخرط في العمل السياسي والقيادات العلمية لشيوخ التيار، الذين ما يزالون يصرون على ضبط السياسي ضمن خط الدعوي.
وأكد د. المعاودة، في ملاحظاته الختامية على ضرورة عدم الخلط الإعلامي في التعامل مع التيار السلفي، فالسلفيون يرفضون العمل المسلّح والتكفير ويحاربونه ويصرون على سلمية الدعوة والتفاهم مع القوى السياسية الأخرى، وتجربتهم البرلمانية في الكويت والبحرين تشهد بذلك، فيما يركز الإعلام على من يسمون بالجهاديين "وهم تكفيريون"، ويصف السلفيين بهذا الوصف، وهم يختلفون معهم تماماً!
وختم الباحث والكاتب الأردني الزميل د.محمد أبو رمان المؤتمر بملاحظات ختامية في ورقته عن تطور الدور السياسي السلفي وأبعاده، مشيراً إلى ما أحدثته الثورات الديمقراطية العربية من زلزال سياسي، يماثله زلزال داخل البيت السلفي نفسه في تصوراته السياسية والفكرية، مما دفع بتيار عريض منه إلى إعادة النظر في الموقف من العمل السياسي، والتوجه نحو الحزبية والمشاركة السياسية.
وأشار أبو رمان إلى أنّ السلفيين ما يزالون في بداية التجربة الحزبية، وليس من الموضوعية الحكم المبكر عليهم، وهم أمام سؤال رئيس، فيما إذا كانوا سيسيرون على خطى جماعة الإخوان في تطوير خطابهم نحو الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، أم سيعيق الميراث السلفي وطبيعة الدعوة السلفية المختلفة عن حركة الإخوان هذا التطور، مرجّحا أن يمثّل السلفيون مستقبلاً (في حال استمرت العملية الديمقراطية في العالم العربي) ما يمكن تسميته بـ"يمين اليمين" في اللعبة السياسية، بعدما رأوا أنّ الإخوان تخلوا عن نموذج تطبيق الشريعة الإسلامية بالقبول بالديمقراطية بوصفها نظاماً نهائياً، لكنه تحدث عن سيناريو الانشطارات المتتالية داخل الحركات السلفية خلال الفترة القادمة.