أسباب قضية ظلم المرأة الأوربية (2)

الرابط المختصر
Image
أسباب قضية ظلم المرأة الأوربية (2)

لا نزال نستعرض الأسباب الأربعة لمشكلة المرأة في أوربا، والتي ترتب عليها وقوع مظالم جسيمة بحق المرأة هناك وذلك من خلال نظرة المؤرخ والفيلسوف الأمريكي المشهور ول ديورانت التى سطرها في كتابه "مباهج الفلسفة".
في الأسبوع الماضي فصلنا الحديث حول أول سبب من أسباب مشكلة المرأة الأوربية وهو: النظرة الدونية الظالمة والمعتدية للمرأة من عهد الإغريق واليونان ثم تسرب ذلك لليهودية والمسيحية ومن بعد لفلاسفة التنوير والحداثة!
واليوم نقف مع السبب الثاني والمتمثل في: انحراف مفهوم الزواج وتطبيقه بشكل مختل ومجحف بحق المرأة في أوربا.
وفي البداية سأسرد توثيق ول ديورانت لمفهوم وواقع الزواج المنحرف في أوربا، والذي هو نتيجة طبيعية للنظرة الأوربية الدونية للمرأة أصلاً، حيث يقول:
"في القرن التاسع عشر كان نساء أفريقيا يشترين ويبعن كالرقيق أو كالآلات الزراعية. وكن في جزر تاهيتي وبريطانيا الجديدة يرضعن الخنازير. وفي مرى إنجلند قد يضرب الزوج امرأته ولا يحاسبه القانون إذا بقيت بعد (العلقة) على قيد الحياة ... وإذا اكتسبت مالاً فهو من نصيبه، وإذا كان لها مال وقت الزواج فله أن يتصرف فيه، أما أن يكون للمرأة حق العمل في مصنع، أو شرف العمل في مصنع فشيء لم يخطر على بال أي رجل"، ص (1/201).
هذا الوضع المزري للزواج في أوربا ودور المرأة فيه أكده المنظر الشيوعي الشهير إنجلز في كتابه "أصل العائلة" بقوله: "أخذ الزوج دفة القيادة في البيت أيضاً؛ وحرمت الزوجة من مركزها المشرف، واستعبدت، غدت عبدة رغبات زوجها الجنسية، ومجرد أداة لإنتاج الأطفال .. من أجل ضمان إخلاص الزوجة، وبالتالي ضمان أبوة الأطفال، فإنها تسلم لسلطة زوجها دون قيد أو شرط؛ فإن قتلها، فهو لا يفعل غير أن يمارس حقه".
فالنظرة لدور المرأة في الزواج والأسرة في أوربا كانت من الانحطاط لدرجة اعتبار المرأة/ الزوجة متاعا وملكا للرجل/ الزوج، بل الرجل/ الزوج يملكها ويملك كل ما تملكه من قبل الزواج! ويمكنه ضربها وقتلها دون حساب أو عقاب! ولذلك ظهر في القرن السابع عشر ظاهرة بيع الزوجات، وكان لذلك أسواق محددة، بدلاً من الطلاق الذي كانت إجراءاته معقدة، وكان يتم الإعلان عن بيع الزوجات في الصحف، وتربط الزوجة بحبل تقاد منه لمنصة العرض ومن ثم يتم المزايدة عليها حتى يشتريها زوج جديد!! واستمر هذا الوضع حتى عام 1913م.
بسبب هذا الوضع البائس للزواج والأسرة في أوربا كان من المعقول مطالبة النساء بالمساواة والعدالة والحرية، ولكن للأسف المساواة والعدالة والحرية التي قدمت للمرأة الأوربية سواء من الفلسفة الشيوعية على يد ماركس وإنجلز أو من الفلسفة الليبرالية على يد فلاسفتها كانت في حقيقتها أوضاعا بائسة جديدة ومظالم أشد ولكن في صور وأشكال عصرية لم تعرفها المرأة الأوربية من قبل، وسوف نتعرض لذلك لاحقاً في السبب الثالث من أسباب مشكلة المراة الأوربية.
ولو قارنا هذا الوضع الظالم للأسرة والزواج في دين الإسلام وواقع المسلمين لرأينا الفارق الهائل وكيف أن الإسلام جاء لإنقاذ البشرية من الشقاء ومهّد لها سبيل السعادة.
وحتى نفهم عظمة الفرق الكبير الذي صنعه الإسلام في النظرة تجاه الزواج والأسرة عن واقع الجاهلية التي كان يحياها العرب لنستمع للفاروق عمر بن الخطاب: "كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقاً" رواه البخاري، وهذا اعتراف صريح بحق المرأة والزوجة وأن مرجعية هذا الحق هي مرجعية ربانية إلهية، بخلاف الواقع في أوربا حيث اجتمعت الفلسفة والمسيحية واليهودية والتنوير على هضم حق المرأة والزوجة واحتقارها كما هو حال الجاهلية التي حاربها الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم.
  وكان الزواج في الجاهلية على أربعة أشكال: الزواج المعروف اليوم والذي يقوم على ارتباط الزوج بالزوجة ويقدم لها المهر وبموافقة أسرة الزوجة.
ونوع ثان يرسل فيه الزوج زوجته لتعاشر رجلاً آخر من أجل أن يكون له ولد متميز!
ونوع ثالث يتشارك فيه عدة رجال في معاشرة امرأة، فإذا حملت وولدت جاء الرجال واختارت للولد أباً منهم!
ونوع رابع هن العاهرات اللاتي يمتهنّ الزنا، فإذا ولدنّ حضر من تردد عليهن وبعض (القافة) وهم المختصون بمعرفة شبه الطفل بالأب، ثم يعين القائف والد الطفل!
فجاء الإسلام وأبطل الصور الثلاث الأخيرة للزواج لأنه زنا في الحقيقة وليس زواجا، وأبقى فقط على النوع الأول الذي يكرم المرأة والزوجة ويحفظ لها شرفها ومكانتها.
والعجيب أن الفيلسوف ول دورانت يتنبأ من ذلك الوقت المبكر أي مطلع القرن الماضي أن انحطاط الزواج في أوربا وردة الفعل المضادة بالثورة الجنسية سيتولد عنه عودة لأحد أنواع الزواج في الجاهلية حين يقول: "ولا ريب أنه سيكون عندنا في القريب المرأة المتعددة الأزواج"، (ص 1/213)!! وهو الأمر الذي أخذنا نسمعه من بعض النسويات وأنصار (سيداو) أن تعدد أزواج المرأة هو من باب العدل والمساواة مع الرجل الذي يُسمح له بتعدد الزوجات!
وحين كان الزوج يتملك الزوجة وممتلكاتها في أوربا كان الإسلام يملّك المرأة والزوجة مهرها ويحرّم على الزوج أن يأخذ منه شيئا، ويمنع المساس بملكيتها، ويلزم الزوج بالإنفاق عليها ولو كانت غنية!
بل إذا حصل طلاق بين الزوجين وكانت الزوجة حاملاً فإنها تستحق أن يوفر لها المسكن والنفقة حتى ولادة الطفل، ومن ثم لا تجبَر على إرضاعه مجاناً، بل يحق للزوجة أخذ الأجرة من الزوج على إرضاع ولدها، قال تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" (الطلاق: 6).
هذا جانب بسيط من الفارق الهائل بين سمو نظرة الإسلام للزواج وواقع الزواج والأسرة المشرق في حضارة الإسلام وبين الواقع المظلم والظالم للزواج والأسرة في أوربا، وقد سبق الإسلام أوربا بهذا من 1440 سنة، وسيبقى هذا الفارق والسبق كبيراً حتى تعود أوربا وغيرها لنعيم الإسلام باتباع مفهوم الزواج السليم، كما فعلت أوربا -نوعا ما- بالبدء بفتح نوافذ بنكية غير ربوية والعودة لمفهوم العفة لدى الشباب بعد استفحال مصائب الإيدز والأمراض الجنسية.
لهذا فإن من الإجرام الكبير في حق الإسلام والمسلمين والبشرية محاولة هدم مفهوم الزواج الإسلامي  واستبداله بقوانين سيداو، ومن الخيانة العظمى للإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء محاربة مفهوم وواقع الإسرة الصالحة لتمرير مفاهيم الإباحية بدعوى الحرية والتحرر والانفتاح.