أصالة العلم والصناعة في أمتنا

الرابط المختصر
Image
أصالة العلم والصناعة في أمتنا

كشفت الثورة السورية ومن قبلها المقاومة الفلسطينية عبر مراحلها المتعددة عن قوة وعمق وأصالة القابلية العربية والإسلامية للعلم والصناعة والابتكار مهما كانت الظروف بائسة والإمكانيات شحيحة، لكن مع توفر عامل واحد وهو عامل الحرية والكرامة، والذي يسمح للكفاءات الفردية بالظهور والتقدم وللمنتجات بالبروز والتجربة، فليس هناك بيروقراطية ولا روتين معرقل، وليس هناك (خواجات) يستشارون أو يستأذنون! وتتجلى مظاهر العبقرية العلمية والصناعية في ما نشر من أخبار ومقاطع عن مبتكرات قام بها الثوار لتعويض النقص الحاصل من وسائل المعيشة أو المقاومة. وهذه الحقيقة تنسف المقولة الزائفة بأن "العرب والمسلمين جهلة ومتخلفون"، هذه المقولة التي طالما رددت عبر وسائل الإعلام والتثقيف الموجهة للأمة بعناية لتبقى مخدرة مغيبة، بفضل نماذج بائسة على غرار مسرحية (مدرسة المشاغبين)، ومسلسل (العلم نور)، وأمثالهما. وهذا في الحقيقة كذب كبير وتزوير فاضح، فليس العقل العربي والإسلامي بأقل مستوى من غيره، بل لعله أكثر إبداعية وعلمية لو وجدت الظروف الطبيعية له، ولا أقول الداعمة، ولنناقش هذه القضية في السطور التالية: أولاً: لننظر في أرقام هجرة العقول والكفاءات العربية والإسلامية، "فطبقا لما أعلنته وزارة الهجرة المصرية أن إجمالي عدد العلماء المهاجرين من مصر وحدها بلغ 465 ألفا، معظمهم من خريجي الجامعات وعلماء الطبيعة والأطباء والمهندسين، فمنذ بداية الستينيات من القرن الماضي هاجر إلى الغرب أكثر من 61 ألف طبيب مصري و100 ألف مهندس مصري و122 ألف اختصاصي فني"، وتقول الإحصاءات "إن 56 % من خريجي الجامعات بسوريا هاجر، 29 % من خريجي لبنان هاجر، ومن تونس هاجر 12.5 % من علماء الطبيعة"! وفي دراسة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية "أن 45 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن 34 % من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى الدول الثلاث (أميركا - بريطانيا - كندا)". أما إحصاءات ودراسات جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو فتشير إلى: - أن 50 % من الأطباء و23 % من المهندسين و15 % من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا بوجه خاص. - يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34 % من مجموع الأطباء العاملين فيها. - أن خسائر البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 200 مليار دولار. فهؤلاء العرب والمسلمون المهاجرون للغرب هم نتاج مجتمعاتنا دون أي تأثير غربي، وهم نتاج مؤسساتنا الضعيفة – مع الأسف- ولكنهم الدليل الساطع على الاستعداد الفطري للعربي والمسلم للعلم والإبداع. كيف لا، والإسلام يحث على العلم ويجعله أحد أنواع العبادة، قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) رواه مسلم، وأيضاً الإسلام يجنب أهله كل ما يتعارض مع العلم من تصديق الخرافات والخزعبلات أو ما يذهب بالعقل كالخمر والمسكرات، أو يضيع الأوقات في الشهوات البهيمية، ولذلك رأينا العرب حين دخلوا في الإسلام سرعان ما تحولوا من أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب إلى قائدة الأممة في العلم والمعرفة والإختراع والصناعة. وبرغم أن الوضع التعليمي في بلادنا ليس في أفضل حالاته فإن شبابنا وشاباتنا يحرزون تفوقاً في اكتساب المعارف والفنون، وتقوم الحضارة الغربية باستقطابهم لبناء حضارتهم على أكتافهم، من خلال المحفزات العلمية وفتح الفرص للتقدم فضلاً عن تطور الأنظمة واللوائح التي تحبط المبدعين في ربوعنا، ثم بالمكافآت المالية المجزية. وثانياً: هذا الحال المائل الذي تعيشه أمتنا للغرب فيه يد عليا، فحين اجتاحتنا قطعان المحتلين الأوربيين قاموا بتغريب البنية التعليمية والتصنيعية عامدين، فالاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830م كان بهدف التهرب من سداد ما على فرنسا من ديون للجزائر! ولذلك قاموا بنهب خزانة الجزائر ومن ثم قاموا بإغلاق 1000 مدرسة فيها، فانتشر الجهل وعم الفقر ولا تزال الجزائر لليوم تعاني من هذه السرقة والبلطجة، ثم يسمون الاحتلال استعمارا (من العمران)!! والاحتلال البريطاني لمصر عمد للمصانع التي أنشأها محمد علي باشا فأغلقها وفكك بعضها وأتلفه وقيل إنه ألقى بعض المصانع في البحر، وذلك حتى تغزو منتجات بريطانيا مصر فيزدهر الاقتصاد البريطاني، ولا تزال سنة إلقاء المنتجات والحبوب والخضروات في البحر سارية لليوم في العالم المتقدم للحفاظ على السعر المثالي للرأسماليين الجشعين. وثالثاً: إن أمتنا بقيت تتربع على عرش العلم والابتكار والصناعة ألف عام ولم تغادره إلا مؤخراً، وذلك بسبب التخريب الغربي المتعمد للمدارس والمصانع كما بيّنا، وبسبب انتشار أفكار وعقائد وافدة على الإسلام عبر الطرق الصوفية والفرق الضالة التي حاربت العلم والمعرفة لتنشر باطلها وتحمي مكر قادتها الغشاشين والمخادعين من نقد العلماء والأذكياء، ولذلك راجت أحوال الشعوذة والسحر والعرافة والكهانة بين المسلمين لما انتشرت هذه الفرق والطرق الضالة، ووجدنا الاحتلال والمستشرقين يحرصون على دعم هذه الطرق والفرق لما تقوم به من قتل لمعنويات المسلمين في مقاومة المحتلين. وقد صدرت مؤخراً، وبعد وقت طويل، الترجمة العربية لكتاب "1001 ألف اختراع واختراع، التراث الإسلامي في عالمنا"، وهو نتاج فريق بحثي متخصص بقيادة البرفيسور سليم الحسني، ضمن مبادرة تربوية تعليمية عالمية تحمل نفس العنوان، والغاية منها سد الفجوة المعرفية الغربية خصوصاً والعالمية عموماً في تاريخ العلوم، وترعى هذه المبادرة مؤسسة العلوم والتتكنولوجيا والحضارة، وهي مؤسسة غير ربحية في لندن أسست لهذه الغاية. فللأسف أن الكتب الغربية – وهي المعتمدة- تؤرخ للعلوم من قبل الميلاد إلى يومنا الحاضر، لكن بإسقاط المشاركة الإسلامية في العلوم، فهم يقفزون ألف سنة تقريباً، بين القرن السابع والسابع عشر الميلاديين، ويعتبرونها عصر الظلمات، بينما كان العالم ينعم بالعلوم والمعارف والمخترعات الإسلامية!! الكتاب صدرت منه ثلاث طبعات إنجليزية وطبعة تركية، وهذه الطبعة العربية الأولى، وكان سبق أن طبع مختصر له بالعربية عام 2012 بالقاهرة عن دار نهضة مصر، يتجول الكتاب بقارئه بين سبعة فضاءات تحيط بحياتنا اليومية: البيت والمدرسة والسوق والمستشفى والمدينة والعالم والكون، وهو يقع في 390 صفحة ملونة ومليئة بالصور من القطع الكبير. ويعد الكتاب مفخرة لكل عربي ومسلم لأنه يعرفنا بعظمة ما قام به أجدادنا وأنه لا يزال سبب ما نحن والعالم فيه من رفاهية ومدنية، وإننا بالإيمان والعلم والعمل والإتقان يمكننا أن نواصل ما انقطع من دور حضاري رائد لنا. وأخيراً إن ما شهدته ماليزيا وتشهده تركيا اليوم من نهضة علمية وصناعية هو دليل واقعي على أن أمتنا الإسلامية والعربية قادرة على التفوق في العلم والصناعة إذا وجدت الإرادة السياسية وتوفر جو الحرية والكرامة لشبابنا وشاباتنا.