إدارة الخلاف في العمل الإسلامي

الرابط المختصر
Image
إدارة الخلاف في العمل الإسلامي

يعد الخلاف في ساحة العمل الإسلامي اليوم من أكثر الأسباب وراء فشل كثير من الأعمال المهمة والكبيرة، أو ضعف النتائج والمخرجات للمؤسسات أو المناشط العامة، أو ابتعاد كثير من الطاقات الحيوية عن ساحة العمل لعدم رغبتهم أو قدرتهم على تحمل أعباء الخلاف والبقاء في دوامته المقيتة.   والخلاف المقصود بهذا المقال هو الخلاف حول الأساليب والمناهج في حل المشكلات أو إدارة الأعمال ووسائل تحقيق الأهداف، وما شابه ذلك من القضايا الإجتهادية والتي تتنوع فيها الأفهام والمدارك وتختلف فيها ترتيب الولويات وتقدير المصالح والمفاسد، أما خلاف المخالفين للمنهج الإسلامي نفسه أو الإسلاميين من منطلق عقدي / فكري مغاير للإسلام، أو الخلاف العقدي بين المدارس أو الفرق الإسلامية فليس هو المقصود بهذا المقال. إن بقاء الوضع الحالي في التعامل مع الخلاف سيبقي حالة التشرذم والتناحر والتصادم والتعارض في ساحة العمل الإسلامي قائمة، مما يعرقل كثير من الأعمال المجمع على صحتها بين مختلف الفرقاء، كما أنه يمنع المخلصين من كافة الأطراف من التعاون على الخير المتفق عليه، ويكون سبب في خروج أو إخراج بعض الكفاءات والطاقات المميزة من صفوف أي جماعة أو حزب أو تيار. لقد اهتم العديد من العلماء والداعة والمفكرين بقضية الخلاف وعلاجها، ومن آخر ما أطلعته عليه مجلد ( أوراق مؤتمر العمل الإسلامي بين الإتفاق والافتراق ) والذي عقد بالسودان سنة 2004م. ولعل من أبرز الحلول العملية التي قدمت في هذا المؤتمر هو ما جاء في ورقة أ.د. جعفر شيخ إدريس، حيث قدم اقتراح بأن تكون إجتماعات نقاش وبحث القضايا الإجتهادية معلن وكذلك التصويت ونتائجه، لأنه في العادة يعلن ويتبنى رأي الأغالبية في كل جماعة أو حزب، ويتم تجاهل ووأد رأي أو أراء الأقلية، حيث يرى شيخ إدريس أن من شأن ذلك أن لا يجعل الخلاف جماعي بين أحزاب وحركات، بل يصبح خلاف فردى، لأن الأراء التي لم تحض بالأغلبية تكون أحياناً مشتركة بين الأحزاب والجماعات، وإعلان هذه الأراء ونسبة التصويت يعلن أن هناك تقاطعات وتوافقات بين هذه المجموعات وأن الرأي الغالب قد لايكون محل إجماع بل هو بأغلبية بسيطة، مما ينتج عنه أريحية وعدم تعصب بين الأفراد في تبنى قول حزبهم أو جماعتهم، كما أنه يرسل رسائل للأطراف الأخرى أن رأيكم له قبول بين أوساط الجهة المقابلة، مما يولد قناعات بقرب المسافات والمواقف. أما إذا بقي الحال على ما هو عليه من اعلان القيادة أو المرجعية للقول المختار دون بيان حجته ودليله ومن وافق عليه ومن خالف، فقد ينتج عن ذلك أحياناً نزاع داخلى ينتهي بالانشقاق أو الفصل لبعض المخالفين لرأي القيادة والمرجعية، وينتج عنه أيضاً رفض كامل لرأي وطرح الجهة المقابلة وعدم وجود مساحة مشتركة. وهذا الإعلان لجلسات الحوار والنقاش يمتد للسماح بعرض وجهات النظر المختلفة عبر وسائل الإعلام التابعة للجماعة أو الحركة من أفرادها ومن غيرهم، مما يساعد على بناء بيئة حرة تستطيع التعبير عن نفسها ومناقشة قضاياها بصراحة مما يقربها للوصول للحق. واعتقد أن ما طرحه د. شيخ إدريس يشبه ما يوجد في تراثنا الفقهي من تعدد الأقوال في المذهب الواحد تجاه مسألة محددة، مما أثرى الفقه الإسلامي ومنحه القدرة على مواجهة المستجدات وتصويب نفسه والإستفادة من أراء ومناهج المذاهب الفقهية الأخرى. ويعتقد شيخ إدريس أن تقليد الإلتزام برأي الأغلبية السائد في الساحة الإسلامية تسرب إليهم من تقليد مبدأ الديمقراطية المركزية لدى الأحزاب الشيوعية،  أي الديمقراطية وتعدد الأراء محصور على أعضاء لجنة القيادة ما داموا في اجتماع النقاش، فإذا اتخذوا قراراً وجب الإلتزام به والدفاع عنه ولو كان معارضاً له!! بينما نحن المسلمون غير ملزمين إلا بما هو منصوص عليه في القرآن والسنة والإجماع، أما في مسائل الإجتهاد فنحن غير ملزمين باعتقاد قول محدد، وإن كان الموقف العملى يقتضى الإلتزام رأي محدد يكون عادة رأي الحاكم / الجماعة مع إمكانية نقاشه. وهذا ما فهمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في أثر عبد الله بن مسعود مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فحين كان عثمان يصلي في الناس بمنى أربعاً، والسنة أن يُصلي قصراً، كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين لا غير.  فلما قيل له: يا عبد الله بن مسعود ! تقول هذا وأنت تصلي مع عثمان بن عفان أربع ركعات ! لماذا؟! قال : يا هذا ! الخلاف شر! الخلاف شر ! الخلاف شر . رواه أبو داود بإسناد قوي. فقد كان ابن مسعود على الصعيد العملي يلتزم برأي الحاكم – حيث كان عثمان يعتبر نفسه مقيم في مكة وليس مسافراً حتى يقصر-، وإن كان على الصعيد الإعتقادي أو الفكري يقول بخلافه، وهذا كان سبب لأن يغير الحاكم بعد عثمان تصرفه ويعود للقصر. فلعل هذا الإقتراح بعلنية الحوارات والنقاشات والتصويت على القرارات أن يلقى اهتمام ونقاش يتبلور عنده حل أو ألية سليمة لإدارة الخلاف دون خسائر أو مشاكل في ساحة العمل الإسلامي.