القرآن الكريم هو الوحي الرباني الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليكون الكتاب الرباني الأخير للبشرية ليدلها على سبيل سعادتها في الدنيا والأخرة، عن دور القرآن الكريم في حياة البشر قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً" (الإسراء: 9)، وقال تعالى عنه أيضاً: "ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" (يوسف: 111)، وقال عز وجل فيه: "وهذا كتاب أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" (الأنعام: 155).
ولما تغلغل الإيمان بالقرآن الكريم في قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وبقية المؤمنين والمسلمين ليوم الناس هذا عم الإسلام والإيمان ربوع الأرض كلها، واشرقت نور الإسلام على البشرية كلها، وأقام المسلمون حضارة سامية باسقة لا تزال خيراتها ترفد البشرية لليوم برغم كل محاولات الطمس والتشويه لها ولدورها.
وبسبب هذا الدور المركزي للقرآن الكريم في حياة الأمة المسلمة منذ فجرها الأول فقد اجتمعت كلمة ومواقف الأعداء على الطعن في القرآن الكريم، فكفار قريش حاولوا الطعن في القرآن الكريم بوصفه بوحي الشياطين أو بأنه من الشعر والكهانة، ولكن طاشت مزاعمهم وأحرق القرآن الكريم شبهاتهم.
وبعدهم حاول اليهود بالطعن في القرآن وتكذيب صحة علاقته بالوحي الرباني فأنزل الله عز وجل من الآيات ما نقض دعواهم وأسقط في أيديهم ولم يستطع العاقلون منهم إلا الرضوخ له والإيمان به كعبد الله بن سلام رضي الله عنه.
ثم ظهر مسيلمة الكذاب والذي زعم أن الوحي يأتيه مثل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان كذبه مفضوحا، وسرعان ما تبين زيفه حين وصلته سيوف المؤمنين فتخلت عنه الشياطين وذهب لمزبلة التاريخ مع كذبه على غرار: " يا ضفدع ابنة ضفدع ، نقى ما تنقين، اعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين"!!
وبعد الفتوحات الإسلامية وانهدام دول الشرك والوثنية والجور والظلم والطغيان، لم يهدأ الزنادقة والحاقدين على الإسلام الذي أزال سلطانهم وجبروتهم عن الضعفاء والمساكين وحررهم وأعاد لهم الكرامة والعدل والأمان، فبدأت محاولات الطعن في القرآن الكريم عمود الإسلام ودستوره.
فرأينا مناظرات اليهود والنصارى كيوحنا الدمشقي في القرآن بهدف الحط منه وتشويه، ورأينا محاولات البعض مجاراة القرآن فيما ينسب لابن المقفع وغيره، ورأينا دور السبئية في دعوى تحريف القرآن ونقصه، وكلها محاولات فشلت وخسر اصحابها وبقي نور القرآن يتسع ويمتد بين الناس.
ثم جاءت محاولات البعض بترجمة القرآن للغات أخرى خاصة في أوربا بهدف تشويه معانيه عبر تحريف الترجمة وقد فضحت هذه التراجم ولم يلتفت إليها إلا من المتعصبين، وبقي نور القرآن ينتشر في الآفاق.
ثم جاء دور المستشرقين ببث الأكاذيب والأقاويل والشبهات على القرآن الكريم، ولكن الله عز وجل الذي تعهد بحفظ القرآن الكريم "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر: 9) سخر للقرآن الكريم من يذب عنه هذه الشبهات، فتساقطت كالذباب، وبقي القرآن الكريم تقبل عليه القلوب والأفئدة تستمع له صباح مساء وتطالعه في كل وقت وحين، وتتسابق الهيئات والشخصيات لنشر علومه ومكافئة معلميه ومتعلميه والحمد لله رب العالمين.
وفي الواقع الذي نعيشه اليوم رأينا تحولا في محاربة القرآن الكريم من قبل خصوم الدين، بعد أن يئسوا من محاولة القضاء على القرآن الكريم عبر عقود الاستعمار حيث فشلوا فشلا ذريعاً، إذ لا تزال مشهورة كلمة غلادستون رئيس وزراء بريطانيا والذي عبر عن ذلك بوضوح حين قال: ( لا يستقر للاستعمار قرار ما دام هذا القرآن يتلى صباح مساء بين المسلمين ، فيجب أن نمزقه لنثبت أقدامنا في البلاد الإسلامية ).
هذا التحول هو لجوء العلمانيين وخاصة اليساريين منهم والملحدين لترك محاربة القرآن الكريم عبر الطعن فيه بنفي الوحي عنه وأنه ليس كلام الله عز وجل، للطعن فيه من خلال الطعن في تفسيره ومعانيه بتحريفها وتشويهها بما يخرجها عن مراد الله عز وجل.
فبدأ العلمانيون يزاحمون العلماء والمفسرين على تفسير القرآن الكريم! وهنا تضاربت مناهج العلمانيين وتصادمت برغم أنهم يزعمون اعتمادهم للعقل بخلاف المفسرين الشرعيين!
وبدأت تظهر نتائج العلمانية في تفسير القرآن الكريم، فأصبح الخمر حلال! والزنا حلال! والصلاة والحجاب غير واجب!
وأصبح الواقع هو المهيمن على النص القرآني وهو تطبيق حرفي للنظرية الماركسية المادية، وقام محمد شحرور باكتشاف أن القرآن الكريم مركب من القرآن والكتاب، وهو الأمر الذي غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم!
أما نصر أبو زيد فيتعامل مع القرآن الكريم بوصفه نص وليس وحي رباني له خاصية الثبات والشمول! بل هو عرضة للتغير والتبدل نتيجة البيئة!
أما عابد الجابري فحاول أن يرتب القرآن زمنيا بحسب النزول برغم عدم وجود روايات صحيحة كافية لذلك الترتيب وبرغم اعراض الله عز وجل ورسوله عن ذلك! ومعلوم لكل دارس لعلوم القرآن والتفسير أن ترتيب آيات وسور القرآن ترتيب تعبدي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول ترتيبي أفضل من ترتيب الله عز وجل والرسول!!
ولا تتوقف المحاولات العلمانية عن العبث بالقرآن الكريم سواء عبر مشاريع كاملة أو تعرض جزئي، ومن المحير أن هؤلاء العلمانيين يعيبون على العلماء الشرعيين أنهم يطلقون أحكام الحلال والحرام على مجالات دنيوية دون أن يكون لهم تخصص فيها، وهذه فرية باطلة لأن الشريعة جاءت بأحكام تخص الدين والدنيا، فالشريعة عبر نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية هي من تطلق أحكام الحلال والحرام على مجالات الطعام والشراب واللباس والعمل والبيع والشراء والمعاهدات والعقود والتحالفات والمعاملات والأخلاق والزواج والطلاق وغير ذلك، فعلماء الشريعة لا يمارسون شأنا ليس من شأنهم، بخلاف العلمانيين الذين لا علم لهم بعلوم الشريعة أصلا ثم يأخذون دور المفتي والمفسر وهذا خلاف الموضوعية والعلمية الواجب التزامها، والأدهى من ذلك أنهم غالبا لا يؤمنون بالشريعة ولا يطبقونها على أنفسهم!
وبحمد الله أن ترهات التفسير العلماني للقرآن الكريم لا يلتفت لها إلا العلمانيين أنفسهم، فأي مسلم مهما كان بسيطا حين تعرض عليه مفهوم الحجاب عند محمد شحرور والذي هو أصغر في مساحته من "المايوه البكيني" سوف يضحك هازئا منه وكذلك بقية التحريفات العلمانية للقرآن الكريم والتي تشبه نقيق ضفدع مسيلمة الكذاب.
وقد صدر عدد من الكتب والرسائل الجامعية والتي تبحث هذا العبث العلماني بالقرآن الكريم ومنها: التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم د مثني محمد الشافعي، والعلمانيون والقرآن الكريم د أحمد أدريس الطعان، التوظيف الحداثي لآيات المرأة وإشكالياته د كفاح كامل أبو هنود، والحداثيون العرب في العقود الثلاثة الأخيرة والقرآن الكريم، د الجيلاني مفتاح.
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فشل محاولات مسيلمة عبر كل العصور
2017/09/01
الرابط المختصر
Image