إنسانيتنا لا تكتمل إلا بالصلاة

الرابط المختصر
Image

ينظر الإسلام للإنسان نظرة تقدير واحترام، فهو مخلوق مكرّم ومفضل على كثير من المخلوقات "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا" (الإسراء: ٧٠)، ومِن أوجه تكريم الله عز وجل للإنسان أن سخر له الكون "وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه" (الجاثية: ١٣)، وأصل هذا التكريم الرباني للإنسان أن الله عز وجل خلقه بيديه مباشرة من الطين ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له  "إذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشرا من طين* فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين* قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدي استكبرتَ أم كنتَ من العالين" (ص:  ٧١- ٧٥).

ولما كان الإنسان مخلوقا مكرما ومركبا من طين، ونفخة من الروح، كانت إنسانيته لا تكتمل إلا بغذاء للبدن من الطعام والشراب والحركة، وغداء للروح بالإيمان والدين وعموده الصلاة.

ولارتباط الصلاة بالله عز وجل وبالروح إذ هي صلة بين قلب العبد وربه فإن تشريع الصلوات الخمس كان في السماء العليا، إذ عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم للسماوات في ليلة الإسراء ثم فَرض الله عليه الصلوات الخمس مباشرة وليس بواسطة جبريل عليه السلام في القصة المعروفة.

وفي بيان دور الصلاة ووظيفتها للإنسان الفرد يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "فاعلم أنه لا ريب أن الصلاة قرة عُيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وبستان العابدين ولذة نفوس الخاشعين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين.... ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة وأشباهها من داخل فيه وخارج عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخلع والعطايا، ودعاه إليها كل يوم خمس مرَّات، وجعل في كل لون من ألوان تلك المأدبة، لذة ومنفعة ومصلحة ووقاراً لهذا العبد.. فيصدر المدعو من هذه المأدبة وقد أشبعه وأرواه، وخلع عليه بخلع القبول، وأغناه، وذلك أن قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة، قد ناله من الجوع والقحط والجذب والظمأ والعري والسقم ما ناله، فصدر من عنده وقد أغناه وأعطاه من الطعام والشراب واللباس والتحف ما يغنيه"...

وللصلاة فوائد عظيمة لروح المجتمع الإنساني أيضا، فصلاة الجماعة تحث على الاجتماع والتعاون ونبذ الفردية القاتلة التي أصبحت تفتك بإنسان الحداثة وما بعدها عبر حالة الاغتراب عن المجتمع والمحيط وساهمت وسائل الاتصال الحديثة وألعابها في مفاقمة ذلك!

أيضا لصلاة الجمعة والجماعة دور كبير بنّاء في توجيه المجتمع لمكارم الأخلاق من جهة وتطبيق عملي لقيم المساواة والتعايش بين مختلف العرقيات والألوان والألسن، ونحن نعيش اليوم أزمة أمريكا والغرب العنصرية والاستهانة بالعرقية السوداء وأرواحهم نتيجة ترسبات عنصرية ونظريات علمانية تقوم على تفضيل العرق الأبيض على الأسود بناء على نظرية التطور الكاذبة التي تجعل أصل الإنسان حيوانا وهذه هي إحدى نتائجها الكارثية على الإنسان.

واليوم في الأردن، ونحن على أعتاب العودة للمساجد وصلاة الجمعة والجماعة لأول مرة بعد غياب لعشرة أسابيع عنها بسبب جائحة كورونا وما ترتب عليها من حظرٍ ومنعٍ للتجمعات، فإن هذه العودة سيكون فيها إحياء للقلوب وتغذية للأرواح مما يقوي الأبدان أيضا ويساعد الناس على تجاوز محنة الكورونا بأقل الأضرار إن شاء الله.

ولمّا كانت الصلاة ضرورة للإنسان في كل أحواله فقد أوجبت الشريعة على المسلم والمسلمة أداء الصلاة دوما مع مراعاة أحواله واحتياجاته، وهذا مظهر من مظاهر يسر الشريعة ومرونتها، وتطبيق عملي لقاعدة: إذا ضاق الأمر اتسع.

فبداية الوضوء شرط لصحة الصلاة لكن إذا عدم الماء جاز التيمم بالتراب.

وجعلت مواقيت الصلاة سهلة المعرفة لكل الناس، وجعلت الأرض كلها تصلح للصلاة ولم تحصر بأماكن محددة.

وإذا مرض الإنسان سُمح له بالصلاة على الكيفية التي تناسب مرضه.

وإذا سافر الإنسان خففت عليه بعض ركعات الصلاة وسمح له بالجمع تقديما وتأخيرا بحسب مصلحته بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.

وحتى في الحرب والجهاد أُمر المجاهدون بالصلاة وصلاة الجماعة على هيئات متعددة بحسب حالة الحرب مِن ترقب ومناوشة واشتباك، وإذا تعذرت صلاة الجماعة في الحرب لم تسقط الصلاة على الفرد بحسب حاله ولو أن يحرك عينيه.

واليوم ونحن مع حالة جديدة ونازلة حديثة وهي صلاة الجمعة والجماعة في زمن الكورونا فقد أجاز أهل العلم التباعد بين المصلين وارتداء الكمامة وذلك للمصلحة، وفي هذا تطبيق عملي لانسجام الشريعة وأحكام الدين مع ضرورات الحياة والمصلحة العامة بما تقوم عليه الشريعة من يسر ومرونة.

ختاما؛ فلنحرص على صلاتنا لتكتمل إنسانيتنا وتصح أبداننا وقلوبنا وأرواحنا وتنعم مجتمعاتنا بالأمن والسلام.