اتباع النبي علامة محبة الله عز وجل (4)

الرابط المختصر
Image
اتباع النبي علامة محبة الله عز وجل (4)

لا زلنا نتحدث عن جوانب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والذي هو الطريق لنيل محبة الله عز وجل ومغفرته، قال تعالى: "قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" (آل عمران: 31)، وبيّنا أهم ما يجب متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه في جانب العقيدة والإيمان والأفكار والمفاهيم، ثم تناولنا معالم اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم في جانب العبادات والشعائر والمعاملات، وبعدها استعرضنا جوانب اتّباعه صلى الله عليه وسلم في باب الأخلاق.
واليوم نستعرض جانبا آخر من جوانب اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم وهو اتّباعه في مسائل الحياة أو ما سماه بعض العلماء بالعادات، والتي تشمل شؤون المعيشة والطعام واللباس والسفر والفرح والترح، والتي باتباعه صلى الله عليه وسلم فيها نحقق محبة الله عز وجل ومغفرته، وأيضاً نتحصل على الهداية لقول الله عز وجل: "قل يا أيّها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إِلا هو يحيي ويميت فآمِنوا بالله ورسوله النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون" (الأعراف: 158).
اتباعه صلى الله عليه وسلم في شؤون الحياة:
* فمن هديه صلى الله عليه وسلم أن يحرص المسلم والمسلمة على أن يكون طعامهما وشرابهما من حلال لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: "يا أيها الرسل كُلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" (المؤمنون: 51) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" (البقرة: 172) - ثم ذكر - الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب لذلك" رواه مسلم.
وكلما شاع في الأمة أكل الحلال والحرص عليه كانت معونة الله عز وجل لها كبيرة وسريعة واستجاب الله دعاءها تجاه المصائب التي تحيق بها، وكلما حرصت على أكل الحلال كانت وحدتها وجبهتها الداخلية قوية، فالتراخي في أكل الحلال بقبول الرشوة دفعًا وقبضاً يشيع الفساد ويضيع الحقوق ويعطل مصالح الناس، وعدم إتقان العمل في القطاعين العام والخاص يدخل في أكل الحرام، مما يعاقب صاحبه في الآخرة، وهو مما يعرقل نهضة المجتمع، ويسبب الضرر للجميع.
ومِن أكل الحلال تجنب ما نهى عنه الله عز وجل ورسوله من الأطعمة والأشربة المحرمة، وهي محدودة جداً، كالميتة والخنزير والخمر وذوات المخلب والناب وما تغذّى على القمامة أو ما فيه مضرة كالتدخين والأرجيلة والمخدرات، وقد أثبت العلم الحديث أن هذه الأشياء مضرة بذاتها ولذلك حرمت لحماية ووقاية الناس من أضرارها الصحية والاقتصادية، ومن هنا يجب أن نوسع دائرة الوعي بشمولية الدين وأوامر القرآن الكريم والسنة النبوية لتحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة. 
ومع أمر الله عز وجل بأكل الطيبات إلا أنه نهى أيضا عن الإسراف، وهو من أبرز أمراض الحداثة العلمانية التي تغزو مجتمعات المسلمين باسم العولمة والتقدم، فقد أصبح الإسراف في الولائم الرسمية والشعبية عبئا كبيرا على كاهل المجتمع، فأرقام تقارير المحاسبة في عالمنا الإسلامي والعربي تكشف عن جرائم حقيقية ترتكب باسم مصاريف غداء وضيافة في المؤسسات الرسمية حيث تنفق الملايين على إطعام عدد محدود من النواب والوزراء من الأغنياء بينما ألوف الفقراء يمكن أن تسد حاجتهم بهذه الأموال، وأيضا أصبحت عادات الإسراف في حفلات الزفاف من المبالغة في نوع القاعة وخدماتها والضيافة وغيرها مما يعرقل زواج كثير من الشباب والفتيات ويفتح باب الحرام الذي تروّج له قيم الحداثة المعولمة، ويرتب الإسراف والمبالغة في حفلات الزفاف الديون الكثيرة على العريس وأهله، وللأسف أن هذه المصاريف المرهقة تكون سببا للنزاعات بين العريسين لاحقا وقد تتسبب بالطلاق والانفصال، وقد تزايدت لدرجة مقلقة نسب الطلاق في السنة الأولى لتصل إلى نسبة 40% من حالات الزواج في عدد من الدول العربية.
وهذا الإسراف والمبالغة في شؤون الزواج هو نتيجة طبيعية لخلل معايير اختيار الطرف الثاني لبناء الأسرة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج من رضينا دينه وخلقه من الرجال، والحرص على اختيار ذات الدين من النساء، وسنته وهديه في تخفيف المهور مما يطرح البركة في الزواج وبناء هذه الأسرة الجديدة، ومن المهم في هذا الوقت توعية الشباب والفتيات لمفهوم وأحكام الزواج وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته للحصول على أسرة ناجحة وموفّقة في ظل التآمر على تحطيم منظومة الأسرة سواء عبر اختراق اللاوعي عبر الإعلام بالدراما والرواية أو عبر التشريعات الدولية المناقضة لمنهج الإسلام في الأسرة.
ومقابل هذا الإسراف نجد ترويج قيم الفردية وعدم مشاركة الآخرين والتواصل معهم حتى لو كانوا إخوة وأقارب أو جيرانا وزملاء كنتيجة طبيعية لقيم الحضارة المادية، وفي المقابل يرفض الإسلام البخل بعدم الإنفاق على الأهل أو المجتمع من تكافل وصدقة وزكاة، وأسوأ صور ذلك البخل هو البخل بسبب إنفاق المال على المخدرات والخمور.
* بخصوص التواصل مع المجتمع فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على مخالطة الناس والإحسان إليهم وتعليمهم ومعاونتهم ونصيحتهم ومنع الظلم عنهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110)، وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه ابن ماجة وصحّحه الألباني، وهذه الإيجابية نحو التواصل مع المجتمع هي التي زودت مجتمعاتنا الإسلامية بالقوة عبر العصور والتي تحطمت عليها كل محاولات القضاء على أمتنا.
ولذلك فإن مما يلزم تقويته في هذه المرحلة المزيد من التشاركية بين أهل العلم والدعاة والمجتمع لأن وظيفة العلماء والدعاة هي إرشاد الناس لسبيل الله عز وجل التي تحقق للبشرية مصلحتها في الدنيا والآخرة، خاصة مع تزايد سيل الشهوات والشبهات التي تصب على المسلمين والمسلمات صباح مساء.
وإذا لم يتصدّ العلماء الحقيقيون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعلم والحكمة، فإن الجهلة والغلاة هم من سيقوم بذلك بجهل وتهور أو بتخطيط خبيث لنشر الفوضى والقلق. واستغلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل المندسّين لزعزعة المجتمع أمر قديم، فقد نقل الإمام الطبري في تاريخه عن ابن سبأ اليهودي الذي أسس لفكر الخوارج والشيعة قوله لأتباعه: "إبدؤوا في الطعن على أمرائكم و أظهِروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا قلوب الناس وادعوهم إلى هذا الأمر".
* من اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه في اللباس والهيئة، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالنظافة وحسن المظهر، وكان يحب التعطر والرائحة الجميلة، ولم يحدد لباسا أو زيا محددا للرجال والنساء، لكنه وضع شروطا عامة يلزم التزام جميع المسلمين والمسلمات المحبّين لله عز وجل ونبيه بها، من أهمها:
- ستر العورة، فلا يجوز أن تظهر العورات من الرجال والنساء، كلا بحسبه، سواء باللبس العاري أو الشفاف، وأيضا لا يجوز أن تجسد العورات بلبس الضيق، فما نشاهده من اتباع موضة البنطال الساحل الذي يكشف عورات أصحابها في الصلاة في المساجد وغيرها هو مما يبطل صلاتهم، تخيلوا شابا يتوضأ ويترك عمله ويذهب للمسجد لكن مع الركوع والسجود تظهر عورته فتبطل صلاته وهو لا يدري! وفي المقابل الفتاة التي تلبس الضيق أو البنطال والفيزون فهذه تقع في مخالفة عدم ستر العورة، وكل هذا لأنهما لم يتبعا النبي صلى الله عليه وسلم في هديه في اللباس.
- عدم التشبه، بلبس الرجال لملابس النساء، وبلبس النساء لملابس الرجال، أو التشبه بلبس ملابس غير المسلمين مما يختص بهم، فمن الأخطاء لبس الشباب للأساور والسلاسل وخاصة الذهب في تشبه بالنساء وغير المسلمين، وما نراه من بعض النساء من لبس ملابس الرجال، أو ما يلبسه الشباب والفتيات اتباعا للموضة الوافدة بلبس الممزق مما يكشف العورات وهذه كلها مخالفات لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه المخالفات في اللباس تجرّ لكثير من المفاسد الاجتماعية والاقتصادية حيث تزيد من الجرائم الأخلاقية وتفاقم أزمة الاستهلاك بمتابعة الموضة وصرعاتها، وترهن الشباب والفتيات لقدوات سيئة أخلاقيا وقيميا.
* في قضية الموت والتي لا ينجو منها بشر كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم توجيه الناس للاستعداد له بعمل الصالحات، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولْتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" (الحشر: 18)، ولذلك كان من توجيهاته الدائمة صلى الله عليه وسلم: "اذكروا هادم اللذات" رواه الترمذي، وكانت سنته عليه الصلاة والسلام التعامل مع الموت ورهبته بالتواضع والاعتبار، ولذلك نهى عن اللطم والصراخ، ونهى عن تعظيم القبور والبناء عليها، ونهى عن إشغال أهل الميت بتجهيز طعام أو ما شابه، لكن لما ابتعد الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم أصبحت الجنائز تجمع مصائب متعددة.
ففوق حزن أهل الميت ومصابهم فإن العادات المناقضة لسنته صلى الله عليه وسلم أصبحت تلزم أهل الميت بتجهيز مكان لائق وطعام وخدمة للمعزّين بما يخالف السنة النبوية، وقد يستدين أهل الميت من أجل هذه المظاهر الكاذبة وهم أحوج ما يكون للمساعدة، وفي اجتماعات العزاء هذه لا تجد عظة ولا اعتبارا من المتواجدين المشغولين بأخبار السياسة والاقتصاد والغيبة والنميمة، وحتى قراءة القرآن في اجتماعات العزاء تكون بلا خشوع ولا تدبر لأن همّ هؤلاء القراء هو التجارة بالقرآن الكريم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ الأجرة على قراءة القرآن، وليس حال النساء بأفضل فهنّ بين نواح ولطم أو ترتيب زينة خاصة بالعزاء في مناقضة تامة لمغزى وعبرة الموت.
في الختام؛ إن اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم في العادات فيه كل الخير والبركة الدينية والدنيوية لمن تأمل وتدبّر، وهذا جانب من الإيمان بالغيب فبعض السنن قد لا نعرف فائدتها وحكمتها الآن لكن نحن نؤمن بأن لها فائدة وحكمة ومصلحة، قد نعلمها وقد نجهلها، وواجبنا هو التسليم والاتّباع.