اتباع الوحي الرباني مركز تاريخ البشرية

الرابط المختصر
Image
اتباع الوحي الرباني مركز تاريخ البشرية

إن قضية العلاقة بين الناس والوحي الرباني الذي جاء بتوحيد الله عز وجل واتّباعه وتقواه وطاعة أمره في الحقيقة هي مركز التاريخ البشري منذ نسيان آدم -عليه السلام- أمر ربه بعدم الأكل من الشجرة وهبوطه إلى الأرض، حيث أخبره ربه عز وجل أن هدايته وهداية ذريته من البرية مرتبطة باتباع الوحي الرباني، قال تعالى: "قلنا اهبطوا منها جميعًا فإما يأتينكم منّي هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة: 38).
ولكن مع مرور الزمان والقرون انحرفت البشر عن هداية الوحي مما دفعها للفساد والطغيان تجاه توحيد الله عز وجل فاتخذت الأصنام وأشركت بعبادة الله عز وجل، كما اعتدى الأقوياء على الضعفاء مما استوجب لهم العقوبة، وهو ما أخبرنا به الوحي الرباني في قوله تعالى: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه" (البقرة: 213) وقد فسر حبر القرآن، ابن عباس، هذه الآية بقوله: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلّهم على شريعة من الحق. فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"، ويقول ابن كثير في تفسيره: "لأن الناس كانوا على ملة آدم، عليه السلام، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض".
وفي قصة شعيب عليه السلام نرى اعتراض كفار قومه على الوحي الرباني الذي بلّغهم إياه شعيب بتوحيد الله عز وجل وحده واتباع شريعة الله وترك إضاعة المال والغش في بيعهم وشرائهم، فقال تعالى على لسانهم: "قالوا يا شعيب أصَلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد" (هود :87)، وبمخالفة الوحي وقع فسادهم المالي، وهو الحال اليوم في الفساد المالي، فحين تنكّب الناس عن أمر الوحي بحرمة الربا والسرقة والرشوة والبيع المحرم بشكله أو بمادته كالدخان، كانت العاقبة تفشي الفساد المالي من الغش والتزوير والاختلاس والنهب والسرقة من المال العام والخاص!
وحتى نبينا محمد، عليه الصلاة والسلام، كان لب المشكلة مع كفار قريش هو في رفضهم التسليم لأمر الوحي الرباني، كما في قوله تعالى عن موقفهم: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والْغوا فيه لعلكم تَغلبون" (فصلت: 26)، ولإدراكهم إعجاز القرآن الكريم وفصاحته فإنهم كانوا يتجنبون سماعه ويفتعلون الفوضى والصفير والإزعاج حتى لا يستسلموا لسلطان الوحي ويدخلوا في طاعته.
وطاعة الوحي الرباني واتباعه لا تزال –لليوم- هي التي تحكم العلاقة بين المؤمنين بطاعة الوحي الرباني والمتمردين على طاعته واتباعه، وهو ما يشكل الدافع للمؤمنين برفض الانصياع للعدوان والاحتلال أو الرضوخ والركون للناهبين للخيرات من الغزاة والطغاة.
وكما كانت جريرة أهل الأخدود من المسلمين النصارى في زمانهم حسب ما أخبرنا القرآن الكريم: "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" (البروج: 8)، فإن المسلمين اليوم في أرجاء الأرض اليوم يُضطهدون ويُقتلون أيضا من أجل التخلي عن اتباع الوحي الرباني.
ففي فلسطين يراد لهم أن يتجنبوا طاعة الوحي الرباني فلا يدافعوا عن المسجد الأقصى وبيت المقدس، مسرى ومعراج النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يطالبون بحريتهم وكرامتهم وخيراتهم وثرواتهم، فها هو كوشنير وفريقه يرون أهل فلسطين والأردن والعرب -شعوباً وقادة- إرهابيين وطاعنين لمسيرة السلام لرفضهم لصفقة العار التي تهَب فلسطين والقدس لليهود الأغيار دون وجه حق!!  
وفي الصين وبورما وما حولها يُخيّر المسلمون هناك بين السجن والقتل وبين ترك الصلاة والصيام التي جاء الأمر بها في الوحي الرباني!
وفي أوروبا (أرض التنوير) تُحرق مساجد ومراكز المسلمين ويحظر بناء المآذن وتُقتل المحجبات وتغرّم المنقبات دون ذنب جنوه سوى طاعة الوحي واتباعه، المفارقة أنه لا يتم تجريم التيارات اليمينية الأوروبية العنصرية والمتعصبة التي ترتكب هذه الجرائم ولا تعاقب بالجملة بخلاف ما يتم بحق الأقليات المسلمة!
وفي الهند يُحرم 4 ملايين ن مسلم في ولاية آسام من جنسيته الهندية، فقط لأنه مسلم يتبع الوحي الرباني وليس هندوسياً يعبد البقر!
كما أن اتباع الوحي الرباني هو لب الخلاف بين دعاة التوحيد والسنة وبين دعاة البدعة والضلالة، ولعل مما يقرب تصور حقيقة الخلاف بين الطرفين التأمل في المنافع المادية الهائلة التي يجنيها دعاة البدع والضلال وتعظيم القبور والأضرحة والقباب من أموال البسطاء والفقراء التي يقدمونها وهم بأشد الحاجة لها اغترارا بخرافات دعاة البدع بكون هذه الأضرحة وأجداثها تحقق للناس النفع والضر، وهو ما يناقض صريح الوحي الرباني! والذي خبّرنا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" (الأعراف: 188).
ولذلك تنهال الملايين على هذه الأضرحة من الجهلة والسذج، والتي سرعان ما تتسرب إلى جيوب سدنة الأضرحة والقباب! أو تشييد القباب الذهبية هنا وهناك ويخدعون البسطاء بتقبيل أرجلهم ومد الموائد لهم في مناسبات متعددة، بينما هم غارقون في أوحال الفقر والمرض والجهل، كما هو حال الكثير من أهل مصر والعراق مثلاً!
بينما دعاة التوحيد والسنة واتباع الوحي الرباني تجدهم يجمعون أموال الزكاة والصدقات لبناء المساجد والمدارس والمستشفيات وحفر الآبار وعلاج المرضى وتوزيع الأضاحى وزكاة الفطر وموائد رمضان، وشتان ما بين الأمرين!
إن اتباع الوحي الرباني يرشد لاعتماد العلم والعمل أسلوبا للحياة، واعتماد الحق والعدل بوصلة للمسار، والتزام مكارم الأخلاق دوماً، وهذا يتناقض تماماً مع مصالح إبليس وأعوانه من الجن والإنس الذين لا تروج مصالحهم إلا بتفشي الجهل والكسل وحضور الظلم والباطل وغياب الأخلاق، ولذلك فالمنكرات والفواحش والجرائم والعدوان قرينة الكفر والشرك والبدعة عبر تاريخ البشرية.