بعد أن استعرضنا في المقالات الخمسة السابقة معالم ومجالات اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كسبيل لنيل مرضاة الله ومغفرته ومحبّته، فإنه يحسن بنا التذكير والتوضيح لحقيقة اتباع الوحي وأنه دين البشرية كلها ودين الأنبياء جميعهم، وأن اتباع الوحي هو أصل النزاع بين جنس الإنسان والشيطان، وهو مفرق الطريق وأساس الخلاف بين المؤمنين وغير المؤمنين في العالم عبر التاريخ، وفي زمنا هذا فإن اتباع الوحي المحمدي أو رفض ذلك هو عقدة الافتراق بين المسلمين وغيرهم، بل وحتى بين المسلمين أنفسهم ممّن ينكرون السنة النبوية أو من يحرّفون أوامر وأحكام وأخبار الوحي بذرائع شتى أو يدّعون أنها كانت لمدة زمنية معينة.
ولبيان هذه الحقيقة الكلية سنستعرض عددا من الآيات القرآنية التي تنصّ على الاتباع دون غيرها من الآيات التي تفيد نفس المعنى لبيان أن اتباع الوحي هو قاعدة قرآنية كلية وهي عابرة للبشرية منذ بداية الخلق وإلى يوم القيامة.
1- آيات تقرر أمر الله عز وجل للناس اتباع وحيه المنزل على رسله:
* قال تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون" (الأنعام: 153)، فهذا أمر من الله عز وجل باتباع صراطه المستقيم والمتمثل في الرسالة المحمدية، واليوم كم تعاني البشرية من اتباع السبل الضالة عن صراط الله المستقيم، فها هي روسيا تهدد بالفيتو السابع لنصرة إجرام النظام السوري ضد شعبه، وها هي إسرائيل تواصل العدوان على الشعب الفلسطيني ومقدساته دون أن تأبه لقرارات الأمم المتحدة، وها هي البشرية تعاني من الفقر والجهل والمرض والحروب بسبب أطماع الطغاة الديكتاتوريين والديمقراطيين!
أما المسلمون فحين فرّطوا في اتّباع الصراط المستقيم في دينهم ودنياهم تفرقوا ونشبت بينهم الحروب وتجرأ الطائفيون على ارتكاب المجازر وتفشى الفساد السياسي والاقتصادى فتأزمت الأحوال وضاقت المعيشة.
* وقال تعالى: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتقوا لعلكم تُرحَمون" (الأنعام: 155)، وفي هذه الآية يرشدنا الله عز وجل لاتباع القرآن الكتاب المبارك لتعمّ الرحمة، وهذه الرحمة تبحث عنها البشرية اليوم، سواء الفقراء الذين يعانون من البرد والجوع ويبحثون عن يد حانية وقلب رحيم، أو ضحايا طاحونة العولمة التي قهرت الناس بالفردية والمادية حيث فقد كثير من الآباء والأمهات حنان الأبناء في شيخوختهم، كما أن كثيرا من الأبناء فقدوا حنان الوالدين في صغرهم بسبب مقتضيات العولمة ونمطها السريع والمادي أو في مرحلة النضج التي تتخلى فيها الأسرة المعولمة عن فلذات أكبادها لأنياب الحياة المادية الحادة والمسمومة!
وكم يشعر المسلمون الجدد في الغرب بقيمة الأسرة وحنانها في أحكام القرآن المبارك بينما يدير بعض المحسوبين على الإسلام ظهورهم لأحكام الأسرة في الإسلام جريا وراء سراب المساواة والتقدمية الحداثية والتي ستطحنهم ببرودتها وجبروتها ليستيقظ في خريف العمر سعيد الحظ منهم مثل الدكتور عبد الرحمن بدوي.
2- آيات تقرر أن اتباع الوحي منهج كل الأنبياء
* قال الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه: "يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدِك صراطاً سويّا" (مريم: 43)، فهنا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يطلب من أبيه اتباع ما جاءه من الوحي والعلم، لأن الوحي الرباني الصحيح أحد مصادر المعرفة، وهذه قضية مهمة يتميز بها الدين عن الفكر العلماني.
فالعقل والحس من أدوات المعرفة التي يتفق عليها المؤمنون والعلمانيون لفهم عالم الشهادة/الحس، ويزيد عليها المؤمن أداة الوحي لفهم عالم الغيب الذي يعجز العقل والحس عن معرفته، فالأسئلة الوجودية المتعلقة بالإله والإنسان والكون والحياة والنشأة والمصير لا جواب صحيحا لها إلا عبر الوحي الصحيح المتمثل في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
وما شقاء البشرية عن الصراط المستقيم إلاّ باتباع السبل الباطلة سواء في الفلسفات المعقدة أو التحلل من إرهاق الفكر والتفكير والغرق في ظلمات الشهوات والفواحش، وتأملوا شقاء البشرية وأزماتها الروحية والأخلاقية والسلوكية المتشابهة بين المجتمعات الغنية والراقية والمجتمعات الفقيرة والمطحونة، بينما المسلمون الصادقون في رحمة من هذا الشقاء على تنوع قومياتهم وعرقياتهم ومستوياتهم المادية والتعليمية.
ولأن دين الأنبياء واحد، أُمر نبينا عليه السلام وأُمرنا معه باتباع إبراهيم عليه السلام في اتباع الوحي: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" (النحل: 123).
* وقال تعالى: " ولقد قال لهم هارون مِن قبلُ يا قوم إنما فُتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتّبعوني وأطيعوا أمري" (طه: 90)، وهذا هارون أخو موسى ينصح بني إسرائيل الذين فتنهم العجل الذهبي باتباعه واتباع الوحي الذي جاء به مع موسى عليهما السلام.
وللأسف لا يزال العجل الذهبي يَفتن الكثير من الناس الذين يخطف أبصارهم بريق الذهب، أو الذين تخلب ألبابهم الحيل الباطلة باسم الدين، كما فعل السامري "فأخرج لهم عجلاً جسداً له خُوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي" (طه: 88)، وقد كانت حيلة السامري في صناعة العجل أنه أخذ أثرا لفرس جبريل عليه السلام حين نزل لعقاب فرعون، وخلطه بالذهب الذي أخذه بنو إسرائيل من أهل مصر وجعله على شكل رأس عجل ويصدر عنه صوت.
ولليوم لا يزال الناس يُفتنون بقصة الآثار للشخصيات الشريفة كالنبي صلى الله عليه وسلم، برغم أنه لا دليل صحيحا ومعتمدا على صحة نسبة أغلب هذه الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليها وسلم، والتي يتخذها بعض الزعماء وأصحاب العمائم سبباً للزعامة والطاعة وكسب قلوب وجيوب كثير من البسطاء، ولو كانوا من خريجي أرقى الجامعات!
* وقال تعالى: "وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قومِ اتّبعوا المرسلين * اتّبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون" (يس: 20-21)، فهذا الرجل المبادر والإيجابي أعلنها صريحة "اتّبعوا المرسلين"، ونهج المرسلين أنهم لا يسألون الناس الأجر، ولكن من تنكّب اتباع الأنبياء فإنه يُبتلى باتباع الطماعين من الأدعياء، فهذه حفلة مولد لا بد فيها من ألوان الطعام والشراب، وهذا نذر لقبر فلان أو علان، وهذه أضحية لمقام هذا أو ذاك، ومن شاهد صور أموال صناديق النذور والتبرعات في الأضرحة سيهوله حجمها الضخم، وسيصدق الأرقام الفلكية التي يسيطر عليها سدنة القبور والأضرحة وتتسرب لجيوبهم بدلاً من مصالح الفقراء.
3- آيات تقرر أن منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو اتباع الوحي
* قال تعالى: " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلى قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون" (الأنعام: 50)، اتباع الوحي دون مقابل مادى ومكاسب هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم، فاتباع الوحي هو الحق ولذات الحق يلزم اتباعه لا طمعا في مال أو منصب.
* قال تعالى: "اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرِض عن المشركين" ( الأنعام: 106)، هناك طريقان فقط، طريق اتباع الوحي النازل من السماء والذي حقق للبشرية السعادة، فمن تبع نوحا نجى من الطوفان، ومن تبع موسى نجى من الغرق، ومن تبع سليمان عاش سعيدا وقويا، والذين تبعوا محمدا من العرب تحولوا لسادة العالم، ومقابل ذلك هناك طريق المشركين، فعليك باتباع الأنبياء.
* وقال تعالى: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً " (الجاثية: 18 -19)، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مطالبا من الله عز وجل باتباع الشريعة، فكيف يتجرأ بعض الجهلة والمغرضين للقول بأن الشريعة الإسلامية كانت تصلح لزمن محدد ولا يلزمنا اليوم اتباعها؟ لكن هؤلاء يتبعون أهواءهم كما قال الله عز وجل فيهم.
* وقال تعالى: "قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" (يونس: 15)، النبي صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع الوحي، ثم تخرج علينا أصوات نشاز تزعم أن البشرية اليوم بلغت الرشد ولم تعد بحاجة لهداية السماء!
ومع انتشار الربا والزنا والقمار والخمر وغيرها بينهم فقدوا الرشد في الدنيا والدين، فأمورهم مضطربة وأرواحهم قلقة ومستقبلهم مظلم.
وفي الختام؛ كانت هذه وقفات سريعة مع بعض آيات القرآن المجيد حول مركزية اتباع الوحي في حياة البشرية، وأن البشرية كلما انحرفت عن اتباع الوحي، أو حرفت الوحي، انحرفت أمورها وضاع الصراط المستقيم منها وسلكت السبل المضلة والمهلكة.
واليوم مع الرسالة المحمدية الخاتمة فإن البشرية ليس لها خيار إلا اتباع الصراط المستقيم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم واتباع الوحي الرباني في القرآن المجيد والسنة الصحيحة لترحم البشرية نفسها وتسعد أبناءها وتحمي مستقبلهم في الدنيا والآخرة.
اتباع الوحي دين البشرية والأنبياء
2017/03/01
الرابط المختصر
Image