من البشارات النبوية ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها"، رواه أبو داود وصحّحه الألباني.
وذلك أن الدين قد يضعف نوره في قلوب الناس بسبب الجهل أو التقصير والمعصية أو الفتن والتحديات الصعبة، وهذا يكون على مستوى المجتمع كما في الحديث السابق و قد يكون على مستوى الفرد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدّد الإيمان في قلوبكم" رواه الحاكم وحسّنه الألباني.
فتجديد الإيمان على مستوى الفرد وتجديد الدين على مستوى المجتمع عملية في غاية الأهمية لتواصل مسيرة الإيمان والدين في الأمة، وهي تقوم على مواصلة التعلم والدعوة والتذكير لمعاني القرآن الكريم والسنة النبوية والعمل بالأحكام الشرعية والأخلاق الحسنة ونبذ البدع والمحدثات والمعاصي والشرك والجهل والكسل.
يقول العلامة المناوي في شرحه لحديث المجددين حول بيان صفات المجدد للدين: "إنه يكون قائماً بالحجة، ناصرًا للسنة، له ملَكة رد المتشابهات إلى المحكمات، وقوة استنباط الحقائق والدقائق النظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته واقتضاءاته، من قلبٍ حاضرٍ وفؤاد يقظان"، وقد تعددت محاولات العلماء في سرد أسماء المجددين عبر القرون، والمشترك بينها أنها لعلماء مجتهدين مشهود لهم بالديانة والتقوى والعلم والفضل أو لشخصيات فاضلة لهم دور إيجابي في نصرة الإسلام، مثل: الأئمة الأربعة وابن دقيق العيد والعز بن عبد السلام وابن تيمية ومحمود سبكتكين فاتح الهند وصلاح الدين الأيوبي وهكذا.
وفي العصور الأخيرة عرفنا عدداً من العلماء المجددين كمحمد بن عبد الوهاب والشوكاني والدهلوي ورشيد رضا والطاهر بن عاشور والألباني وغيرهم، وقد نتج عن جهودهم جميعاً انتشار العلم بنوعيه الشرعي والدنيوي وانحسار الجهل ومظاهر الشرك والبدع، وتضاعف الالتزام بأركان الإسلام من الصلاة والصوم والزكاة والحج، وشيوع عمل الخير والبر للضعفاء والفقراء والأيتام، ونصرة قضايا المسلمين في كل مكان والتداعي لنصرة القضايا العادلة لعموم البشرية والبيئة.
ولكن في مقابل هذا التجديد الصحيح للدين الذي قام به العلماء المجتهدون المجددون ظهرت محاولات منحرفة حاولت رفع رايات تجديد الدين لتمرير مشاريعها المضادة للدين والهادفة لتبديل الدين في الحقيقة، يقول د. محمد البهي الخولي عنها: "تلك المحاولات الفكرية التي يدعي القائمون بها إصلاحاً أو تجديداً في الإسلام، وهي في واقع أمرها إخضاع الإسلام لِلون معين من التفكير، أجنبي عنه، سواء في هدفه أو فيما يصدر عنه".
وهؤلاء المندسون تحت غطاء التجديد للدين والإسلام ليسوا على شاكلة واحدة، ويمكن أن نركز على ثلاثة خطوط رئيسة معاصرة هي:
1- أصحاب الأهواء والانحرافات، سواء كانوا من أصحاب العمائم أو الأجندات العلمانية التي نُبذت شعبياً فأعادوا نشرها بوضع عمة لها!
وهؤلاء تجديدهم للدين يتمثل في إنكار السنة النبوية جزئيا أو كلياً، وتحريف معاني القرآن الكريم والطعن فيه واعتباره يعالج قضايا مرحلة تاريخية انتهت، وليس صالحا لمعالجة حياتنا المعاصرة، وفتح باب الاجتهاد في الدين للجميع دون اشتراط وجود قدرة علمية شرعية كما هو المشترط للاجتهاد في بقية العلوم الأخرى! ولذلك لا مشكلة عندهم في تبديل الدين بدل تجديده، فالخمر والزنا والربا حلال! والتعري هو الحجاب! والقرآن الكريم ليس كلام الله تعالى! والصلاة ليست واجبة! والإيمان بالله عز وجل والإلحاد المنكر لوجود الله عز وجل وجهتا نظر يمكن أن يدخلا كلاهما جنة الله عز وجل التي ينكر الملحد أصلا وجودها ووجود الله عز وجل!
فهل هذا تجديد للدين والإسلام أم تجديد للشرك والمعاصي وملّة الشيطان؟!
2- أدعياء منهج إحياء اتّباع آل البيت الكرام ونصرة المستضعفين ومحاربة الشيطان الأكبر والأصغر، والذين جعلوا تجديد الدين مقصورا على بث الخرافات والأكاذيب حول كرامات آل البيت، وأحيوا الشرك والوثنية بالطواف حول القبور والركوع والسجود لها ولو بعكس القبلة! والذهاب لها زحفا! وللوصول لشهواتهم عظّموا زواج/ زنا المتعة فتضاعفت نسبة جرائم الزنا وامتهان الدعارة وإدمان المخدرات!! فهل هذا تجديدٌ الدين وإحياءٌ لمنهج آل البيت الكرام؟!
وتسبب هذا التبديل للدين ورفض منهج ادعاء الحق الإلهي من قبل الأدعياء بتزايد أعداد الملحدين بين شبابهم المتعلم!
وأما علاقتهم بالآخرين فقد تجسدت نصرة المستضعفين عندهم بالتفجير وقتل الحجاج في مكة المكرمة عدة مرات، وقتل مئات الآلاف من الأبرياء في عدد من الدول ونهب خيرات وثروات العراق، فهل هذا هو تجديد الدين؟!
أما ما يبثونه من فكر ودعوة وإعلام وتعليم للطلبة في بلدانهم أو عبر استضافتهم في إيران فهو تكفير الصحابة رضي الله عنهم وعموم المسلمين، والطعن بسلامة القرآن الكريم، كما هو ثابت في كتب ومقالات ومحاضرات ودروس من تأثر بهم من المسلمين السنة! فهل هذا تجديد الدين والإسلام؟!
3- أهل الغلو والتطرف، الذين رفعوا راية الجهاد وتحكيم الشريعة، ولكنهم سلّطوا رصاصهم وقنابلهم على المسلمين من العلماء والمجاهدين والعامة بعد تكفيرهم في كل بلد أصبحت لهم فيه شوكة وقدرة، بدلا من مقاومة الغزاة المحتلين.
فبدّلوا مفهوم الجهاد وتحكيم الشريعة ليصبح نشراً للفوضى والتخريب وتشويه صورة الشريعة وجوهر العدل فيها لتصبح ظلمات من الظلم والحمق بجهلهم وتلاعب القوى الدولية بهم.
ومَن نظر في حقيقة تجديدهم للدين سيجده قتل العلماء والصالحين وانتهاك حرمة المساجد بالتفجير والقتل حتى أنه لم يسلم الحرم المكي نفسه من جرائمهم، وبث الجهل والتشدد في فتاواهم، وتناقضهم فيما بينهم الذي يوصلهم لتكفير بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا.
وأين هذا الغلو والإرهاب من تجديد الدين ونصرة الإسلام؟!
والمسلم العاقل هو الذي لا ينخدع بشعارات تجديد الدين التي ترفعها جهات كثيرة، ويفحص صحة دعوى هذه الجهات من خلال تبيّن حقيقة علم ومعرفة وتقوى وصلاح وخدمة الإسلام من قبل القائمين عليها، ويضيف لذلك تفحص نتائج سلوك هذه الجهات عبر مسيرتها، هل نشرت العلم السليم والسلوك القويم وتسير في مسار خدمة الدين حقيقة وساعدت الفقراء وساهمت بتنمية المجتمع ومتصالحة مع محيطها؟! فإن كانت هكذا، وإلاّ فاحذرها وتجنّب سمّها وخطرها على الدنيا والدين.
احذروا تبديل الدين باسم تجديده!
2018/03/01
الرابط المختصر
Image