عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه" رواه ابن ماجه وحسّنه الألباني.
ومن الطبيعي أن يحرص الجميع على أن يكونوا مفاتيح للخير، لكن أحيانا يغفل البعض أو الكثير ويصبحون مفاتيح للشر، ولو بصورة غير مباشرة.
ولـ "مفتاح الشر" في زماننا صور متعددة منها:
١-القول على الله عز وجل بلا علم، فقد أصبحت الجرأة على الخوض في أمور الدين بجهل أمرا شائعا لدى الناس مع الأسف، ومما فاقم المشكلة تصدير كثير من الفضائيات لغير المختصين للكلام في الدين، وتتفاقم المصيبة مع تصدير بعض أصحاب الأهواء لتمرير باطلهم الذي يوافق أجندات بعض القنوات الفضائية والمعروفة بعداوتها للإسلام وعقيدته وشريعته.
فالمسلم الواعي يحذر من الكلام في الدين إلا بعلم، ولا يتلقى دينه إلا من العلماء الربانيين المشهود لهم بالعلم والاستقامة ولو لم يخرجوا على شاشات الفضائيات أو لم يكن لهم مناصب رسمية.
٢-الانجرار خلف الشائعات وترديدها ونشرها، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي والإعلامي الكبير الذي تشهده بلاد المسلمين، حتى أصبحت معرفة الحقيقة الصحيحة والكاملة في غاية الصعوبة، خاصة وأنه لا يوجد طرف لديه كامل الحق، سواء في صراعات الدول فيما بينها أو على مستوى الدولة الواحدة، سواء في صراع أجنحة الحكم أو خلاف الحكومة والمعارضة.
والمسلم الواعي هو من يحذر من المسارعة في تقبّل أي خبر أو شائعة، خاصة إذا كانت بحق الخصم ولأن الكذب المتعمد أمر ثابت ومتكرر لدى كل القنوات الإخبارية الرسمية والتجارية.
٣-الوقوع في فخ التوظيف السياسي للدين أو عكسه بنفي علاقة الدين بالسياسة، فمعلومٌ مركزية الدين في مجتمعاتنا الإسلامية، الأمر الذي جعل الفرقاء السياسيين -حتى لو كانوا علمانيين- يرفعون راية التدين، ففي مواسم الانتخابات رأينا أحزابا علمانية تركية ممّن حاربت الحجاب لعقود طويلة ترشح محجّبات على قوائمها، وفي عالمنا العربي أعلنت أحزاب شيوعية عن تأدية بعض قياداتها لفريضة الحج!
واليوم في صراع بعض الدول مع جماعة الإخوان المسلمين يتم توظيف الإسلام في الصراع بشكل غير شريف من الطرفين حيث يتم شيطنة كل طرف للآخر ورمي التهم بمحاربة الدين وتشويهه، والحقيقة أنه صراع سياسي بحت، وسرعان ما ستزول هذه الاتهامات وتختفي إذا تم التفاهم أو عقد صفقة بينهما، فالمسلم الواعي لا يتورط بهذا التوظيف السياسي للدين وإنما يناصر الحق حيثما كان ومع أي طرف، وقد يتوزع الحق بين الطرفين في نفس القضية أو في قضايا متعددة.
ومقابل باب الشر هذا يدعو البعض لباب شر آخر وهو العلمنة وفصل الدين عن السياسة، ومعلوم أن الإسلام جاء بأحكام شرعية مهيمنة على كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفصله عن السياسة يدخل في قوله تعالي: "أفتؤمنون ببعضِ الكتاب وتكفرون ببعض" (البقرة: ٨٥).
والمسلم الواعي لا يقبل بغير حاكمية الله عز وجل ويدعو لها بعلم وحكمة، ولا يتورط في الغلو بالتكفير والعنف.
٤-التهور والاندفاع وتحويل الخلاف الفكري والسياسي إلى صراع مادي أو عنف أو صراع مسلح، ويكون ذلك بالتحريض أو الممارسة.
من المحزن أن يذهب البعض -من السلطة أو المعارضة- لخيار العنف والقوة الخشنة سواء بالاعتقال والتعدي أو التعطيل والإرباك، وهذا كله باب للشر مهما كان يظن أصحابه أنهم ينصرون الخير.
والمسلم الواعي يقف مع الحق دوما ويطالب به بحكمة ورفق، فالرفق ما كان في شيء إلا زانَه، وأيضا من قمة الوعي مراعاة موازنة المصالح والمفاسد والتيقظ لنتائج الأحداث، فلا يجوز بحال من الأحوال معالجة مشكلة أو فساد صغير بمشكلة وفساد عريض!
هذه بعض صور فتح أبواب الشر، التي للأسف نجدها طاغية على المشهد العام، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي في المنشورات والتعليقات المضادة، والمسلم الموفق هو من يتجنب أبواب الشر ويلتزم أبواب الخير المعروفة دوما.