الأرض الموعودة

الرابط المختصر
Image

بحمد الله أنهيت مطالعة كتاب مذكرات أوباما ج ١ والذي ترجم للعربية بعنوان الأرض الموعودة وصدر عن دار نوفل في أكثر من ٨٠٠ صفحة.
صدر للكتاب ملخص ضمن سلسلة خلاصات لموقع إدارة، لكن الملخص كان تبجيليا لدور الرئيس / المؤلف ويبدو أن السلسلة كونها تستهدف رجال الأعمال فقد غاب عن الملخص كثير من المحاور المهمة للقارئ العربي والمسيس غالبا!
موقع ساسة بوست نشرت مقتطفات قصيرة من تعليقات أوباما على الرؤساء والدول العربية وهي لا تشكل من الكتاب إلا جزء يسير جدا.
أيضا البروفسور فوزى الغزالى قدم تلخيصا للكتاب في موقع مركز تريندز ركز فيه على تعليقات أوباما على الرؤساء العرب والعالميين الذين التقاهم.

فيما يلى أهم محاور الأفكار التي ضمنها أوباما في مذكراته وأراها مهمة للقارئ المسلم والعربي بحسب مطالعتي للكتاب:

١- هناك أزمة هوية لدى أوباما حيث هناك تشكيك مستمر في سلامة انتسابه لأمريكا وصلاحيته لرئاسة البلد!
فحتى السنة الثانية من ولايته الأولى كانت تشكيكات ترامب وأمثاله من قبل في صحة ولادة أوباما تجد رواجا وقبولا في الإعلام وبين الجماهير!
وهذا التشكيك في أوباما شمل عدة نواحى لخصها أوباما عدة مرات في كون البعض يصدق أن أوباما (مولودا في كينيا، اشتراكي، مسلم سري، وعميل للقوى المعادية) ص ٧٧٠.
ولذلك من بداية الكتاب ركز على إبراز أمه وجدته لأمه وأنها أمريكية نصرانية بيضاء وأنه نشأ معها وعلى دينها برغم إقامتها الطويلة في أندونيسيا المسلمة، حيث انفصل والده الكيني عن والدته وعمره عامين ولم يلتق به إلا قليلا، وأهمل الحديث عنه وعن دينه وهل قابله فيما بعد فوزه بالرئاسة.
وكرر كثيرا في ثنايا الكتاب تبرؤه من الإسلام حتى يبيض صفحته!
٢- كشف أوباما في الكتاب عن أزمة اضطهاد السود في أمريكا والتي لا تزال موجودة برغم كل المحاولات للقضاء عليها وتعديل القوانين التميزية ضد السود، إلا أن ذلك مترسب في الثقافة العنصرية لدى الكثيرين.
وقد عانى هو من ذلك طيلة حياته وحتى بعد استلامه للرئاسة فقد كان هناك تيار يمينى يرفض أن يحكم أسود البيت الأبيض!
٣- نتيجة هذه الأزمة الذاتية بكونه أسود ومن أب مسلم فقد بقي أوباما يعانى من اشتداد معاداة اليمين العنصري المتطرف له، وبدء ذلك العداء مع سارة بالين وتواصل مع النواب الجمهوريين وزعيمهم الذي كان يصرح لن يتعاون مع أوباما حنى لا يفوز بولاية ثانية! ثم استلم الراية ترامب!
وحين تطالع عبارات أوباما عن المعاداة تتعجب أن هذه هي حقيقة المجتمع المتقدم والمتنور والليبرالى والتعددي!!
٤- هذا ينقلنا لمحور هام جدا كشف أوباما عنه في ثنايا كلامه وهو مقدار الخلل الحاصل في النظام الإنتخابي والديمقراطي والآليات التي تعمل بها مؤسسات السلطة.
فالأمور تمرر في مجلس النواب أو الشيوخ عبر الصفقات وليس بحسب الحق والعدالة!
وجماعات الضغط التي أغرقت ممثلى الشعب بالدعم / الرشوة تمرر مصالحها على مصالح الشعب!
نظام الضرائب يقوم على محاباة الأغنياء على حساب الفقراء، لأن مصالح النواب هي مع ممولى حملاتهم الإنتخابية التي يخدعون بها الفقراء!
كثير من اجراءات مجلس النواب والشيوخ هي معرقلة للانجاز وغير عادلة أو سليمة أصلا!
الإدارة الأمريكية لا يمكنها التزام قيم العدالة وحقوق الإنسان دوما لأن ذلك يتعارض أحيانا مع المصالح فتقدم المصالح على القيم والمبادئ!
ولذلك لا تلازم بين الانتخابات والديمقراطية! ولا بينهما وبين العدالة والحق!
٥- برغم كون أمريكا أقوى دولة في العالم إلا أن فيها من الخلل والفوضى الشيء الكثير بخلاف ما يظن الغالبية، فبعض الوزراء لا يتمكن من مقابلة أوباما إلا كل بضعة أشهر! 
وبعض الأجهزة الحكومية نخرها الفساد والرشوة من الشركات الكبرى كهيئة إدارة الموارد المنجمية مما تسبب كارثة ضخمة بتسرب ملايين البراميل من البترول في خليج المكسيك!
٦- ويلحق بهذا عجز النظام الأقتصادى عن التنبه مبكرا للكارثة الاقتصادية سنة ٢٠٠٨ والتي أفقدت ملايين الأسر منازلهم وأفلست فيها بنوك وشركات عقارية ضخمة.
والتي كشفت عن بؤس قطاع كبير من المجتمع الذي يرضخ تحت الديون الاستهلاكية أو لا يتوفر له تأمين صحي، فضلا عن ملايين العاطلين عن العمل.
هذه الشهادة حين تأتي من رئيس أمريكي فهي تكشف أزمة العالم وليس أزمة أمريكا فحسب، إذ هي تكشف هشاشة النظام السياسي والاقتصادي والأخلاقي والقيمي الذي يراد قولبة العالم كله فيه!

في الكتاب نصائح إدارية وقيادية جيدة من خلال خبرته كسياسي ورئيس، وفي الكتاب توجيهات مهمة للوعي بأهمية الإعلام والتعامل معه وتجنب فخاخه.

أيضا تعرض أوباما لتقييمه لعدد من الدول وقادتها كروسيا/بوتين، الصين ورئيسها، الهند، إيران، تركيا، فرنسا/ساركوزى، ألمانيا/  ميركل، وهكذا.

أفرد مساحة لقضية فلسطين قدم فيها موجز تاريخي مقبول في غالبه بفضل مساعديه، فيه انحياز لحق اليهود بدولة وتجاوز عن جرائمهم وإرهابهم الذي كان يطلقه على هجمات الفلسطينيين فقط!
لكنه كان صريحا في إدانة تعنت نتياهو برفض حل الدولتين أو ايقاف الاستيطان، واشتكى من قوة ضغط اليهود على رئيس أمريكا وإدارتها عبر اللوبي اليهودي.
اظهر أوباما بوضوح احتقاره لسياسة عباس القائمة الفساد وتمرير الصفقات التجارية مع اليهود تحت الطاولة وادعاء الوطنية في العلن، وكذلك مواقف الجامعة العربية وأعضائها!
انتقد أوباما عدد من الرؤساء العرب كمبارك وعباس وعبدالله ال سعود والقذافي، وسرد رواية ظهور الربيع العربي وكيف أنه لم يتفاجىء به وكيف حاول تعويم مبارك فيه لكنه أصر على مجابهة الجماهير فانحاز أوباما للجماهير في مصر وليبيا!
مدح أوباما محمد بن زايد بشكل كبير وبين أن بن زايد كان متوجسا من هيمنة الإخوان من لحظات الربيع الأولى، تحدث بوضوح أوباما عن انتهازية سياسة أمريكا مع الدول العربية بحيث تتجاوز عن انتهاكات الديمقراطية وحقوق الإنسان لصالح خدمات مخابراتية تقدمها هذه الدول فتجنب أمريكا أحداث إرهابية!
تفاصيل رؤية أوباما للدول العربية وزعمائها عرضها ملخص ساسة بوست يمكن العودة إليه.

الكتاب انتهى قبل أن يصل لمرحلة ثورة سوريا واليمن وما تلاها من تطور مسيرة الربيع العربي، ولم يتناول صفقة أوباما مع طهران.
تبقى ملاحظة أخيرة أن هذه المعلومات نشرت بعد تدقيقات واستشارات وبمعاونة محررين متخصصين ومراجعات متعددة، فهل تم تحسين واقع أمريكا أكثر من الحقيقي؟ أو تم اجتزاء بعض الحقائق عن عالمنا العربي؟
لا أعلم لكن مهم وعي القارئ المسلم والعربي لذلك حتى لا ينساق مع السرد الممتع والخطاب العاطفي الذي قد يجعل القارئ يتبنى مواقف وتبريرات الكاتب الرئيس أوباما بشكل غير واعى.