الأسرة السعيدة

الرابط المختصر
Image
الأسرة السعيدة

الأسرة السعيدة مقصد ومطمح كل شاب وفتاة، ولكن من يتمكنون من الحصول على السعادة الأسرية هم قلة فقط فلماذا؟ تتنوع الأسباب في ذلك ولكن من أهمها من وجهة نظري النموذج الوهمي للأسرة السعيدة والذي تروجه المسلسلات والأفلام، ويكفي في بيان وهمه أن أبطال هذه السعادة الموهومة من الفنانين والفنانات في عالم السينما هم نماذج الفشل الأسري بامتياز في عالم الواقع. ومما يتولد عن هذا النموذج الوهمي للسعادة الزوجية سوء الاختيار للطرف الآخر، وعدم الاهتمام بالتعلم والتثقف حول الحياة الأسرية وتربية الأبناء، والعيش في أحلام اليقظة اللذيذة حتى يصطدم بمرارة الواقع فلا يجد حلا سوى الطلاق، ولذلك من الملاحظ في الفترة الأخيرة تزايد نسب الطلاق حتى وصلت في بعض البلاد العربية إلى نصف عدد حالات الزواج، كما تزايدت حالات الطلاق المبكر بدرجة تنذر بخطورة كبيرة. لعل من أفضل الآليات لإخراج الشباب والشابات من عالم الوهم إلى أرض الواقع في موضوع الزواج وتربية الأبناء هو مطالبته بتحديد النموذج الذي يعجبه ويحوز على رضاه من دائرة الأسر المحيطة به من أقارب وجيران ومعارف، لأن الشباب والفتيات قد لا يستطيعون التعبير بدقة عما يريدون وأيضاً غالباً ما يدققون على المظهر الخارجي فقط ، وبعد ذلك يتم تحديد الصفات التي نالت استحسانه لاختبار توفرها في المرشحين لبناء السعادة الأسرية. إن تحديد النموذج المطلوب يساعد المقبلين على الزواج في تحديد المواصفات التي يريدونها في شركائهم وتصورهم لحال أبنائهم في المستقبل، وهذا يقضي بشكل كبير على مشكلة لم أكن أعرف أن شريكي بهذه المواصفات!! كما أن تحديد النموذج يساعد الطرفين على تحديد هل هم متوافقين على صفات أبناء المستقبل أم أنهم مختلفون حول ذلك وهل الطرف الثاني يصلح لهذه المهمة وهي تربية الأبناء الصالحين ؟   طبيعة عصرنا تكاد تلزمنا بفرض مساقات تعليمية حول أسس الحياة الزوجية بسبب كثرت المشاغل غير الضرورية والتقلب السريع وكثرة النماذج البراقة التي تخطف الأبصار لكنها سرعان ما تذوي وتذوب، ولكن بعد أن تكون قد خدعت الكثيرين بل قد تكون دمرتهم، بسبب ضعف الثقافة الشرعية والحياتية لدى جيلنا الصاعد على أمجاد التقنيات الرقمية في عالم الترفيه فقط!! رأيت العديد من الشباب المتعلم والجامعي وأيضاً من أصحاب الحرف والتجارة حين تزوج كان كالأعمى يقوده من حوله، ليس له قرار أو اختيار ولذلك بعد سنوات كان غالبهم من أصحاب الأسر العادية والأطفال المشاكسون. وغالب هؤلاء الآباء والأمهات يشكون دوماً من سلوك أطفالهم مما يجعلهم يكررون أساليب تربيتهم السابقة والتي أخرجت منهم أشخاص عاديين، أو يلجئون إلى قسوة أشد ليخرج لنا وحوش آدمية، أو يستسلمون ليخرج لنا وقاحة لا حد لها. إن التعامل مع الأطفال هو من أجمل متع الحياة التي منحها الله عز وجل لكافة البشر لا فرق فيها بين غني وفقير أو أمير وخفير، فلماذا لا نضاعف متعة التعامل مع الأطفال بتعلم فنون التربية الإيجابية لأطفالنا. من أبرز ما يعاني منه الآباء والأمهات هو عدم التزام الأبناء بتعليماتهم، ويرجع الدكتور مصطفي أبو سعد مستشار التربية الأسرية – في برنامجه "فنون التربية الإيجابية" وهو متوفر بشكل كتاب واسطوانات مدمجة - سبب ذلك إلى أننا لا نحوز على إعجاب أبنائنا!! ذلك أن الإنسان يطيع من يحب ويعجب به – وهذا هو جوهر انتشار صرعات الموضة وتأثير الدعايات – ولا يلزم أن يحبنا أبنائنا ويعجبون بنا لمجرد كوننا والديهم فيقلدونا يسيروا على طريقتنا. وأن الطريق للحصول على طاعتهم هو إعجابهم وحبهم لنا من خلال حسن معاملتهم وتربيتهم، التي تراعي حاجاتهم النفسية وحقهم بالحصول على الحب والحنان والتقدير والثقة والإقناع، والتي تتمثل بطريقة الحديث معهم وتوجيههم وطريقة التعامل مع أخطائهم ومشاكلهم وفشلهم وعدم الاقتصار على الأوامر الجافة وغيرها من فنون التربية الإيجابية، ويعتبر أبو سعد أن معيار إعجاب الطفل بوالديه هو عدم تردد الطفل بإعلان حبه لوالديه إذا سأل عن ذلك!! وهذا يفسر السلوك السيئ لبعض أطفال ومراهقي الشخصيات المرموقة علمياً أو دينياً أو سياسياً، حيث أن هؤلاء الآباء يتمكنون من ضبط سلوك أبنائهم بقوة سلطتهم وليس بقوة قناعتهم الداخلية بهذا السلوك، ولذلك حين تخف قوة هذه السلطة إما بكبر الابن أو انشغال وضعف الأب حتى يظهر السلوك المناقض لما فرضه الأهل، ولذلك بر الآباء بأبنائهم هو الطريق لبر الأبناء بآبائهم.            قد تيسر الآن للجادين والراغبين في تطوير أنفسهم ومعارفهم ومهاراتهم العديد من الخيارات لذلك سواء بالدورات السريعة والمتخصصة أو البرامج الفضائية المتخصصة بذلك ومواقع الإنترنت فضلاً عن الكتب والإصدارات المرئية والسمعية التي يمكن سماعها أثناء قيادة السيارة فنستفيد من الوقت المهدور عند الكثيرين، فهل يتدارك التفريط المفرطين، وهل يزيد الجادين من مساحة وعيهم.