الأقصى عنوان المجد

الرابط المختصر
Image
الأقصى عنوان المجد

عبر التاريخ كان المسجد الأقصى عنوان للمجد والعزة والكرامة، وذلك لأنه مرتبط بقيم ومبادئ سامية، فهو قبلة للمؤمنين، وكهف للعابدين، ومنزل للعلماء والمتعلمين، اجتمع فيه الأنبياء للصلاة بإمامة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ساحته كانت محطة الانطلاق لمعراجه الشريف لسدرة المنتدى في السماء السابعة، لمخاطبة الله عز وجل، والمسجد الأقصى كما يقول الإمام ابن القيم: " بيت الأنبياء ومعدن الوحي". والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع على الأرض لعبادة الله سبحانه وتعالى، ودليله ما ورد في حديث أبي ذر، قال: قلت: يا رسول أي مسجد وضع في الأرض أولاً ؟ قال: المسجد الحرام، فقلت: يا رسول الله ثم أي ؟ قال: ثم المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة"، متفق عليه. واختلف أهل العلم فيمن بناه على عدة أقوال، منها: الملائكة، آدم عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، يعقوب عليه السلام، داود عليه السلام، وسليمان عليه السلام. قال الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: " وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى، وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله. وهذا متجه، ويشهد له ما ذكرناه من الحديث، فعلى هذا يكون بناء يعقوب عليه السلام وهو إسرائيل بعد بناء الخليل، وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء، وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود إسحاق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه: كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم، 35-41). وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالاً ثلاثاً كما ذكرناه عند قوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}، وكما سنورده في قصته، فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة، ولم يقل أحد إنَّ بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواعه، وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه". ولما فتح المسلمون بيت المقدس بقيادة الفاروق عمر ابن الخطاب سنة 15 أو 16 هـ، وجد النصارى قد جعلوا من موضع صخرة بيت المقدس مزبلة يرمون عليها النجاسات! فكنسها أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب بردائه وكنس معه الصحابة، ثم بنى مسجدا أمام الصخرة على طرف السور، وكل ما دار عليه السور هو من المسجد الأقصى. ثم قام بتوسيعه وتجديده وبناء قبة الصخرة عبد الملك بن مروان سنة 72هـ، ثم استولى الصليبيين عليه سنة 492ه، حتى حرره صلاح الدين الأيوبي سنة 583ه، ووجده صلاح الدين في وضع مهين حيث جعل الصليبين فيه مزبلة ومربض للخيول، فطهره صلاح الدين وطيبه ونوره بالفوانيس، ونصب فيه منبر نور الدين زنكي، والذي صنع قبل تحرير الأقصى بـ 20 عاماً، مما يرشدنا إلى أن تحرير الأقصى كان أمنية ومشروعاً تعاهد على حمله القادة العظام والمخلصون، عبر مسيرة ممتدة وحلقات متواصلة لمدة تجاوزت أكثر من 100 عام، حتى تحرر بعد أن قضى في الأسر 90 عام. ولمكانة بيت المقدس والمسجد الأقصى جعل الله عز وجل أرضها أرضاً مباركة ليوم القيامة، قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) (الإسراء، 1)، ولذلك لم يشرع السفر لزيارة المساجد إلا لثلاثة مساجد في الدنيا، كان المسجد الأقصى منها، مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، ورتب الباري سبحانه وتعالى الثواب الجزيل على الصلاة فيه. ولهذه المنزلة العظيمة للمسجد الأقصى عند الله عز وجل وللتاريخ العريق الممتد في التاريخ مع أنبياء الله، فإن المؤمنين الصادقين يبذلون الغالي والنفيس لحماية جناب الأقصى ويفدونه بالغالي والرخيص، ويقدمون في سبيل ذلك أرواحهم ودمائهم بكل رضا وأريحية. والتاريخ البعيد والقريب يؤكد لنا مركزية بيت المقدس والأقصى في وجدان كل مسلم، فرغم أسر الأقصى 90 عام من قبل الصليبيين، إلا أن المسلمين لم يقفوا متفرجين، بل هبوا يقاومون ضعفهم وتفرقهم وجهلهم، وجعلوا تحريره غايتهم، فاصطف الجميع خلف كردي (صلاح الدين الأيوبي) لما علمته ولمسته من صدقه وأهليته، فتجاوزت الأمة الإسلامية عقدة القوميات والهويات الفرعية المفرقة، وجمعت كلمتها خلفه، حتى تحققت أمنيتها بعودة الأقصى ورفع الآذان في جنباته، وخفض الجباه على عتباته لله عز وجل. وفي عصرنا الحاضر لا زال المسجد الأقصى هو الخط الأحمر الذي لا يرضى المسلمين ولا الفلسطينيين أن يعتدى عليه اليهود، ومن يتفحص ثورات الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال البريطاني عام 1917م، ومن بعده الاحتلال اليهودي، فسيجد أن الدفاع عن الأقصى كان هو شرارتها الدائمة. وما نشاهده اليوم من جهاد مبارك وبطولات خارقة لأهل بيت المقدس لرد الاعتداءات الوحشية لقطعان المستوطنين، لهو أكبر دليل على حياة الأمة وعافيتها من جهة، وعلى أن الدفاع عن الأقصى هو سبيل وطريق العزة والمجد في الدنيا والآخرة. والمؤمنين على يقين من ربهم أن احتلال بيت المقدس لن يطول ولن يدوم (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (التوبة، 33)، وأن الفجر قريب، وأن شدة الظلم والظلام مؤذن بقرب ميلاد الفجر وانبلاجه. وأن الفرصة اليوم متاحة للجميع ليلحقوا بركب العزة والمجد بركوب مركب نصرة الأقصى، بالقيام بحق الله عز وجل في شؤون حياتهم، ومساندة ومساعدة بيت المقدس معنوياً بالدعاء والاهتمام، ومادياً بدعم ومساندة بيت المقدس أهلاً ومؤسسات كل بحسبه، فحذار أن يفوتك مركب العز والمجد.
قلتُ: يا أقصى سلاماً *** قالَ: هلْ عادَ صلاحْ ؟!
قلتُ: لا إنّي حبيبٌ *** يرتجي منكَ السماحْ
قالَ: والدمعُ يفيضُ *** هدنّي طعنُ الرماحْ
هدنّي ظلمُ اليهودِ *** والثرى أضحى مباحْ
قدسنا أمستْ تنادي *** صوتها عمَّ البطاحْ
منْ تُراهُ سوفَ يأتي *** حاملاً طُهرَ الوشاحْ
والمآذنُ في صداها *** تشتكي: أينَ رباحْ ؟!
أينَ هاتيك الليالي؟ *** أينَ عشَّاقُ السلاحْ؟
كمْ حلمتُ فيكَ تأتي *** تمسحُ عنّي الجراحْ
كمْ حلمتُ أنْ تعودَ *** منشداً لحنَ الكفاحْ
كمْ حلمتُ ..غيرَ أني *** قالها .... ثمَّ استراحْ
قلتُ: يا أقصى تمهَّلْ *** إنَّ في القدس ِ صلاحْ
إنَّ في القدسِ رجالاً *** أبصروا دربَ الفلاحْ
إنَّ في القدسِ يتامى *** أنبتوا ريشَ الجناحْ
إنَّ في القدسِ جبالاً *** راسياتٍ لا تُزاحْ
أيقنوا أنَّ الظلامَ *** سوفَ يجلوهُ الصباحْ
هيَّا أقصى لننسى *** كلَّ أيامِ النواحْ
نتَّبعْ نهجَ الرسولِ *** إنَّهُ سرُّ النجاحْ
ردَّدَ الأقصى بهمس ٍ: *** ( كأنَّهُ صوتُ صلاحْ)‍؟؟