الفوز والتفوق لحملة الراية الإسلامية في أي انتخابات نزيهة أصبحا قاعدة مضطردة في عالمنا الإسلامي، كما شاهدنا في تونس والمغرب ومصر ومن قبل في تركيا وغيرها. وهذا الفوز ليس فوزاً لأشخاص محددين بقدر ما هو فوز للخيار الإسلامي ذاته عبر الأحزاب والشخصيات التي تتبنى الخيار الإسلامي مهما تعددت حملته وتباينت نظرتهم، وليس هو نجاح وتفوق لفصيل إسلامي محدد، لأننا نعيش عصر عودة الإسلام في وعي الشعوب رغم كل محاولات تغييبه، وبسبب انهيار الخيارات غير الإسلامية كالشيوعية التي انهارت حاميتها روسيا قبل عقدين ومن ثم قامت بعمليات ترميم وتجميل لها من خلال إضافة مكونات غير شيوعية عليها، وإن بقيت روسيا لليوم لا تبتعد عن دائرة تأثير جهاز الاستخبارات الروسية الشيوعية (الكى جي بي) ولا سياساتها القديمة، كما شهدنا في دعمها المستميت للطاغية القذافي ومن ثم للمجرم بشار الأسد في استمرار للسياسة الروسية الشيوعية زمن الثنائية القطبية. واليوم يشهد العالم تضعضع الرأسمالية تحت وطأة أوزار الربا المدمر، والذي ينادي عقلاء الغرب بسرعة التخلص منه بانتهاج المصرفية الإسلامية كخيار وحيد للإفلات من الكارثة القادمة، كما أن العالم الرأسمالي يواجه تحدى الفناء والموت من خلال تناقص أعداد المواليد الجدد وانتشار الأمراض الجنسية القاتلة تحت وطأة الإنفلات الإخلاقي سعياً وراء الشهوات الجنسية والتي تعيقها مسؤوليات الأمومة والطفولة. إن انحياز الشعوب الإسلامية للخيار الإسلامي وحملته هو انحياز طبيعي، فهذه الأمة والشعوب لا يمكن أن تتخلى عن هويتنا الإسلامية التي حققت لها السعادة والتقدم عبر تاريخها الطويل، كما أن هويتها الإسلامية هي التي جعلتها تتناغم وتتعاون مع كافة مكوناتها العرقية والمذهبية والدينية. ولذلك حين مرت بالأمة الإسلامية مرحلة الضعف والهزيمة المادية وتفوق أوروبا عليها بعد أن استفادت من احتكاكها بالإسلام، هذا الضعف الذي نشأ بسبب تغلغل الأفكار الخرافية والبدعية تحت شعار الصوفية من تقديس الجهل والقذارة والرضى بالمحتل والتهاون في الطاعات والاتكال على حضور الموالد والحضرات فقط، مما أفسد الحياة الاجتماعية والسياسية فانتشر الجهل والفساد السياسي والأخلاقي حتى تحللت قوى الأمة السياسية والعسكرية، وانتشر ظلم الحكام للرعية فسادت الكراهية أنحاء المجتمع وطغت الأنانية عليه. ولما ظهرت الدعوات الإصلاحية الإسلامية منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري وجدت نفسها أمام تحديين حضاريين، الأول تحدي الخرافة والجهل والتدين المزيف القائم على البدع وأكل أموال الناس بالباطل من جهة، والتحدي الثاني وهو التحدي الخارجي بمواجهة الغزو الخارجي والذي تحالف مع كهنة التدين المزيف طمعاً منهما في الاستيلاء على مقدرات الأمة وخيراتها، فكان الاستعمار يسرق ثروات الأمة كالمعادن والكنوز في الوقت الذي يسرق فيه كهنة التدين المزيف أموال الناس بالنذور والقرابين!! وقد شارك القوى الإصلاحية الإسلامية في حرب التدين الزائف بعضُ من اغتر بالحضارة الغربية فكان موقفهما متقارب تجاه قضايا محاربة الجهل وضرورة نشر العلم، وحاجة الأمة للعناية بالصناعة والزراعة وتطوير وسائلهما، وضرورة نبذ الاستبداد و محاربة الفساد السياسي لترتقي الأمة، ولكنهما كانا يختلفان في ماهية العلم الذي تحتاجه الأمة، هل هو علم الشريعة والعلوم الطبيعية المجردة، أم كل معارف الحضارة الأوروبية وثقافتها المنافية للشريعة الإسلامية، وهذا الصراع لا يزال مستمراً لليوم بين معسكري الإسلاميين والعلمانيين. وحين خرج الاستعمار من بلادنا سلم الأمور من بعده لِمن يوافقونه الرأي ويشاطرونه المنهج، ولذلك سرعان ما أقرت الدساتير والقوانين المتنكرة لهوية الأمة الإسلامية بطريقة ديكتاتورية في كثير من البلاد دون مشورة أو مشاركة شعبية كما في مصر وتركيا وتونس وليبيا وغيرها، فدخلت الأمة في صراع داخلي بين حملة الخيار الإسلامي وحملة مشاعل العلمانية. وتبدلت الأدوار فبقي الاستعمار يسلب خيراتنا وأصبح سدنة العلمانية الجدد يسرقون أقوات الشعوب بدلاً من كهنة التدين الزائف، واليوم وبعد أن أفلست التجربة العلمانية في بلادنا حتى أصبح الفساد السياسي والاقتصادي هو السائد، ولما وصلت الأمور لهذا الحد وسقطت عن هذه الأنظمة الرعاية الخارجية ولم تعد تجدِ فزاعة التخويف من الإسلاميين، وأجبرت هذه الأنظمة على الاحتكام لرأي الشعوب، فكانت النتيجة أن الأمة اختارت الخيار الإسلامي. الأمة أخذت هذا الخيار لأنها أدركت أن تحكيم دينها الذي يؤكد على الحق والصدق والأمانة والعدل والرحمة هو الذي سيسعدها في الدنيا والآخرة، وأن الخيارات الأخرى تنتج الفساد والظلم ومن ثم الانحلال والتحلل. ولذلك على الحركات الإسلامية أن تعي جيداً أن الأمة تختارها بشكل أساسي بسبب الراية الإسلامية، فإن صدقت هذه التيارات في حمل الأمانة والعمل بقيم الإسلام من التمسك بالحق ونشر العدل وأداء الأمانة والصدق في العمل، فإن الأمة ستكون خلفها دوماً، وإن قصرت في ذلك وسعت خلف مصالحها الحزبية ومكاسبها الشخصية، فإن الأمة تملك من الوعي والقدرة ما يمكنها من معاقبتها في الإنتخابات القادمة، ولو بالإستنكاف عن دعم هذه التيارات الإسلامية والعزوف عن المشاركة إذا لم تجد أمامها بديلاً أفضل. أمتنا اختارت الإسلام وليس الإسلاميين، ولذلك الطريق للفوز باختيار الأمة من قبل منافسي التيار الإسلامي له سبيل واحد وهو بالمنافسة الصادقة في الالتزام بالإسلام والعمل بأحكامه والتخلق بأخلاقه، وليس بالتلاعب بالإسلام لخداع الشعوب كما يفعل أحمد حسون مفتي نظام بشار، ومحمد سعيد البوطي خطيب المسجد الأموي اليوم في سوريا النازفة.
الإسلام هو الفائز في الانتخابات
2014/08/01
الرابط المختصر
Image