الاختراق في داعش حقيقة لا تقبل النقاش والجدال، وتعترف بها داعش نفسها، فضلاً عن اتفاق كل الأطراف المتعارضة والمتناقضة من خصوم داعش على وجود اختراقات في صفوف داعش، وإن كان خلافهم في مستوى الاختراق وهويته.
ونبدأ بسرد الاختراق الذي تقر وتعترف به داعش نفسها، حتى نخرج من التنظيرات البائسة التي تصم أي محاولة لكشف تلاعب الأخرين بداعش وأمثالها على أنها استسلام لنظرية "المؤامرة"!
(1)
فمما أعلنت عنه داعش ومن حولها من عمليات اختراق لها:
- تجنيد المخابرات البريطانية لمسؤولها الأمني في ولاية الرقة، أبو عبيدة المغربي، وقد تم إعدامه في 20/8/2014، ومعه شخصين من التنظيم بنفس التهمة.
- اعدام خمسة جنود أكراد قرب الموصل بتهمة العمالة للقوات الكردية، في 7/9/2014.
- أعدمت داعش مسؤولها الشرعي في دير الزور أبو عبدالله الكويتي بتهمة العمالة والتخابر مع المخابرات الأمريكية، في 30/9/2014.
- أعدم التنظيم 12 من جنوده في محافظة الرقة، بتهمة تزويد قوات التحالف بإحداثيات قوات التنظيم، في 24/11/2014.
- اعدام والى الموصل معمر توحله، بتهمة تسريب مواقع عناصر التنظيم لقوات التحالف، في 9/12/2014.
- اعدام ثلاثة قياديين في داعش جنوب الموصل بتهمة التجسس والخيانة لصالح قوات الأمن العراقي والبيشمركة، في 3/1/2015.
- اعدمت داعش أحد أعضائها السوريين بتهمة العمالة للمخابرات الأردنية، في 1/2/2015.
- اعدمت داعش شاب فلسطيني بتهمة العمالة للموساد ضدها، في 10/3/2015.
- أعلن أبو الوليد المقدسي شرعي داعش في القلمون في كلمته الصوتية في 1/6/2015 عن أن من أسباب انشقاقه عن داعش، وجود اختراق في صفوفهم بالقلمون، وقد قام التنظيم بقتله لاحقاً.
هذه حصيلة بحث سريع على الإنترنت، وإلا لو أن هناك عملية رصد وتتبع لكانت النتائج مهولة، إذن داعش تعترف بأن هناك اختراقات في صفوفها تطال الجنود والقياديين الشرعيين والعسكريين والسياسيين، ولا تفصح داعش عن مدى الخدمات التي قدمت للأعداء من قبل مخترقيها، ولا تكشف داعش النقاب عن مدى التغلغل الذي وصلت له المخابرات المعادية لها.
والأهم من هذا كله هو كم هو حجم الاختراق الذي لم تكتشفه داعش لليوم ؟
أما من يستغرب هذا الاختراق، فهو بحاجة أن يتعلم ويقرأ عن تاريخ مخططات أجهزة المخابرات العالمية والمحلية وكم هو حجم الاختراق الذي يديرونه في مختلف التنظيمات السياسية والمسلحة العلمانية والمتدينة، ويقرأ ويطالع في تاريخ الاختراقات الأمنية للحركات الإسلامية السلمية والمسلحة، من جماعة الإخوان في بلاد متعددة منذ التأسيس، إلى جماعات العنف في مصر، إلى أحداث حماة في الثمانينيات، إلى الجهاد الأفغاني، ثم جماعات الجزائر، إلى تنظيم القاعدة، واليوم داعش.
(2)
أما من يصرح بأن داعش مخترقة من أجهزة مخابرات، فهم كثيرون جداً، ومنهم:
- مراقب الإخوان المسلمين السوريين رياض الشقفة داعش، صرح في 1/2/2014، أن داعش مخترقة من إيران.
- زعيم القاعدة أيمن الظواهري، والذي قال في رسالته الصوتية بتاريخ 19/4/2014، "لا أستبعد وجود اختراق معادٍ للجهاد ووسط المجاهدين وليس بالضرورة أن يكون هذا الاختراق تجسسيًّا استخباراتيًّا بل قد يكون ناعمًا مخادعًا في صورة نصيحة غير سديدة أو تحريض بين المجاهدين".
- نائب بشار الأسد السابق عبدالحليم خدام، صرح لصحيفة الشرق الأوسط في 3/6/2014، أن إيران أحضرت داعش لسوريا.
- منظر العنف أبو محمد المقدسي، في مقابلته مع CNN في 3/6/2015 أكد على الاختراق البعثي العراقي لداعش.
- عبد الله الوزير عضو اللجنة الإعلامية في طالبان، غرد على "تويتر" قائلاً: "ما يسمى (الدولة الإسلامية) والمدعو (البغدادي) هو مشروع أمريكي بإسناد أمريكي فاجتنبوهم، فهم العدو وهدف للمجاهدين أينما ثقفوهم. والله أكبر". في 29/6/2015
- أنور مالك عضو لجنة المراقبة العربية في سوريا، نشر مقالاً مهماً بعنوان "الاختراق الاستخباراتي لداعش" على موقع الخليج أون لاين في 28/8/2014، من أهم جاء فيه باختصار وتصرف يسير:
عثرت على وثيقة استخباراتية مسرّبة من حاسوب للفرع الخارجي (279) التابع للمخابرات العامة السورية. هذه الوثيقة الخطيرة حصلت عليها من مصادر موثوقة وحرّرت في 2012 قبل ظهور "داعش" على المسرح السوري أصلاً، وهي عبارة عن تقرير عن لقاء هام عقد بين جهاز مخابرات الحزب ومسؤولين أمنيين من السفارة الإيرانية وضباط من المخابرات العراقية. وتكشف الوثيقة أنه "تمّت مناقشة الوضع في القطر (سوريا)، ومن أهم البنود أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اقترح ضرورة وجود جماعات تكفيرية في الساحة السورية حتى يسهّل حشد الرأي العام الإسلامي والعربي والغربي لصالح الحكومة في سورية".
وأشارت الوثيقة إلى أن المجتمعين ناقشوا "كل السبل لتوصيل التكفيريين لداخل القطر (سوريا)، وتمّ الاتفاق على تسهيل مرورهم عبر العراق من خلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذين يتواجد أكثر من 2000 عنصر منهم في السجون العراقية". وحسب المصدر الذي تحدث لمحطة المخابرات السورية في لبنان: "أن الجانب العراقي تعهّد بتسهيل خروجهم من السجون بأيّ وسيلة كانت، وأيضاً رفع الحراسة المشدّدة على الحدود. وأكّد ضباط المخابرات العراقية أنهم لديهم عناصرهم داخل التنظيم. أما الجانب الإيراني فتقدّم بحلول عملية أخرى في هذا الجانب"، وهذه الحلول كانت مرفقة في قرص مضغوط لم يتسرّب إلينا محتواه.
هذه الوثيقة أكّدت على بعض النقاط الخطيرة:
أولاً: وجود "داعش" في سوريا كانت فكرة مقترحة من حسن نصر الله، وحدث بتسهيل من حكومة نوري المالكي ومخابرات إيران.
ثانياً: المخابرات العراقية كانت تخترق قيادات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" قبل وصولها إلى سوريا.
ثالثاً: رفع الحراسة من الحدود والفرار من السجون العراقية من أبرز ما قدّمته حكومة المالكي لتنظيم "داعش".
ثم يقول أنور مالك: بحوزتي أكثر من 100 وثيقة من بين ما يقارب 15 ألف وثيقة استخباراتية مسرّبة كلّها تشير إلى جهات نصحت نظام بشار الأسد بضرورة وجود جماعات إرهابية في المشهد السوري، ومن بين الذين نصحوا الأسد بذلك نذكر مثلاً الكاتب المصري محمد حسنين هيكل واللواء أحمد سليمان مدير مكتب اللواء مراد موافي مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، وأيضاً جاءت هذه النصائح من منتدب المخابرات السورية في العراق وهو "الكاتب" العراقي سمير عبيد وغيرهم. أ.ه
إذن يتفق الكثير من الجهات على حصول اختراقات مخابراتية في داعش، لكنهم يختلفون في مقداره وفي هوية الجهة المخترقة لداعش.
(3)
وهذه محاولة لترتيب ما تفرق من معلومات وأراء وتحليلات في اختراق داعش، مما قد يساعد على فهم تناقض سياسات ومواقف داعش مع بعضها البعض من جهة، ويكشف سبب تضارب تحليلات الخصوم بهوية الجهة المخترقة لداعش.
قبل ذلك لابد من استحضار أن الاختراق تم لقيادات وأعضاء التنظيم قبل ظهور فكرة داعش، والتي ظهرت من محصلة فكر منحرف ذاتي عند بقايا تنظيم الزرقاوي مع تأثير الاختراق من جهات متعددة، سواء كان اختراق تجسسي كما سماه الظواهري أو توجيه ناعم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل استمر الاختراق يتوسع من ناحية الكم ومن ناحية الجهات المخترقة، ولذلك أصبح الاختراق متعدد التوجهات والغايات، مما ولد تباين في المواقف الداعشية، والمقاومة لها.
أيضا يجب أن نفهم أن مركز داعش يدرك أن هناك اختراقات، بل هناك اختراع لأجنحة داعشية بالكامل لا علاقة له بها تقريباً، لكنه يرى أن ذلك سيخدمه اعلامياً أنه تنظيم يتوسع ويتمدد عبر القارات، وما يتم من قبل هذه الاجنحة المزيفة لا يتعارض من أصل أفكار داعش من ردة كل فصائل العمل الإسلامي والأنظمة السياسية وأن القتال هو الأسلوب الوحيد المجدي معهم، ولذلك يغض المركز النظر عن نشوء هذه الأجنحة المزيفة نوعاً ما.
والآن نفصل جهات الاختراق وآلية ذلك:
- معلوم أن أصل تنظيم داعش هو تنظيم الزرقاوي الذي جاء من أفغانستان عبر إيران، ثم تحالف مع القاعدة التي كان جزء مهم من قياداتها مقيم أو بالإقامة الجبرية في طهران، ونتج عن هذا نوع التنسيق والمقايضة والتعاون، وهو ما اعترف به أبو محمد العدناني في كلمته "عذراً أمير القاعدة" أنهم التزموا بطلب الظواهري بعدم استهداف إيران والإيرانيين في العراق! واعترف به الشيعي المتطرف ياسر الحبيب أن إيران تدعم القاعدة في العراق لتنفذ تفجيرات ضد الشيعة، لخلق صراع طائفي وشحن الشيعة ضد السنة وتبرير تدخل وحماية إيران للشيعة في العراق.
يرتبط هذا بما يؤكده قادة عدد من الفصائل الثورية السورية من أن بعض قيادات داعش كحجي بكر العسكري البعثي العراقي هو من أصول شيعية وكذلك أبو أيمن العراقي وأنه وعائلته حاصلون على الجنسية الإيرانية، وتفاصيل ذلك منشور في النت.
- أيضاً معلوم أن المخابرات السورية كانت تدعم تنظيم الزرقاوي بالمقاتلين العرب والسوريين، وقد اتهم نورى المالكي سوريا وبشار بذلك علناً، ومن هؤلاء المقاتلين العرب الذين التحقوا بتنظيم الزرقاوي من سوريا أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة وأبو محمد العدناني الناطق باسم داعش.
وفي مرحلة الثورة السورية أطلقت السلطات السورية سراح الكثيرين من أعضاء جماعات العنف المسلح والذين انخرط كثير منهم مع داعش، وبالطبع كان كثير منهم قد تم تجنيده في السجن وهو ما يطلق عليه اسم "العصافير"!
ومما يدلل على هذا الارتباط/الاختراق رفض وزير الاعلام السوري عمران الزعبي في بداية عام 2014 الإجابة على سؤال صحفي كرره عليه 16 مرة في ثلاث دقائق، وكان السؤال: لماذا النظام لا يقصف داعش؟؟
وقد تكررت اتهامات الثوار في سوريا لداعش بإيوائها شبيحة بشار الذين يقتلون قادة الفصائل وخيرة المجاهدين، كما أن داعش التي تعتقد ردة الفصائل السورية وكفر النظام السوري، دوما تتقاطع مصالحها في معاونة النظام ضد الفصائل السورية مما يفشل كثير من هجماتها ومعاركها.
- في سجون العراق التقى الغلاة بالبعثيين، وحصل امتزاج، وهناك خلاف على من طوع الفريق الآخر لصالحه، وهو ما ناقشناه في مقال "حقيقة دور العسكريين البعثيين في داعش"، لكن أيضاً هناك سجال هل كان التعذيب الوحشي من قبل الأمريكان ومن قبل أجهزة الأمن العراقية الشيعية، كان تعذيباً مقصوداً منه إخراج شخصيات حاقدة تبحث عن الثأر الوحشي بأي طريقة، وتعيد ممارسة التعذيب الوحشي بمقتضى قانون ابن خلدون "المغلوب مولع بتقليد الغالب"؟؟
وأيضاً هل تم اختراق بعض المساجين من الغلاة ومن البعثيين لصالح الأمريكان أو لصالح الشيعة؟ وهل هذا يفسر عدم جدية أمريكا في محاربة داعش، ويتمثل ذلك بـ:
عدة دقة احداثيات قصف طائرات التحالف مما استدعى توقف الطائرات السعودية، غالب الطلعات الجوية الأمريكية تعود دون قصف، إنزال مساعدات أمريكية متكررة على مناطق داعش وتبرير ذلك بالخطأ أو حركة الرياح، عدم اقتران القصف الجوي بعمليات على الأرض.
ومؤخراً ظهر فصيل لداعش في أفغانستان يتكفل بمهمة تدمير طالبان بدلاً من الأمريكان، وتقول مصادر طالبان أن داعش تجد مساندة لها من الطائرات الأمريكية في استيلائها على مناطق طالبان، في تكرار لمسرحية داعش في سوريا بتحرير المحرر، فهل هذا تطور طبيعي في أفغانستان؟
وهل كان اغتيال ابن لادن في 2/5/2011 بمثابة إزاحة له من المشهد وتهيئة لظهور الخليفة البغدادي في 29/6/2014، وهل يتم الآن التمهيد لإزاحة الملا عمر لصالح والى لداعش في منطقة خرسان؟
- أما بخصوص النظام العراقي الشيعي، فهل اختراقه لداعش هو سبب تكرر تسهيله لفرار مساجين القاعدة الذين شكلوا نواة داعش في سوريا بما يتفق مع وثيقة حزب الله التي نشرها أنور مالك، ومن ثم رأينا داعش تجتاح مناطق السنة وتتوقف عند اعتاب بغداد، وتخلى مدينة تكريت لقوات الحشد الشيعي بعد تهجيرها سكانها السنة بما ينفذ فعلياً المخططات الشيعية الطائفية بالتهجير للسنة من العراق!
- كما كان للمخابرات الروسية دور بالغ الخطورة من خلال عناصرها بين المتطوعين من الجمهوريات الروسية والشيشان وغيرهم، واختراق الروس لهذه المجموعات قديم من قبل داعش، ولكنه دور لا يعرفه إلا قلة من الناس، وقد كان لهؤلاء المقاتلون دور مهم في داعش، حتى حظي أبو عمر الشيشاني بقيادة قوات داعش خلفاً لأبي عبد الرحمن الببلاوى، علماً أن الشيشاني أصلاً كان ضابط في الجيش الجورجي.
- وفي ليبيا ظهرت داعش، وسرعان ما أصبحت في مواجهة مفتوحة مع قوات فجر ليبيا ذات الخلفية الإسلامية، والعجيب أن طائرات العقيد حفتر دوماً ما تساند داعش! فهل صنعت وربيت لهذا الغرض؟
- وفي بداية رمضان لهذا العام أعلن عن ظهور داعش في اليمن، وكان قد سبق ذلك بأيام قتل زعيم القاعدة ناصر الوحيشي بغارة أمريكية، ليصعد قاسم الريمي لزعامة القاعدة والمعروف بعلاقاته بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وتبدأ عمليات داعش في اليمن بما يؤكد مزاعم الحوثيين على غرار بشار الأسد أنهم يحاربون الإرهاب الداعشي!!
- وفي أخر حادثة إرهابية في تونس، يكشف النقاب عن أن منفذ الهجوم من خلفية غير إسلامية، ولم تظهر عليه مظاهر الالتزام، وهناك أخبار أن تشريح جثته كشف عن كونه كان متعاطياً للمخدرات عند تنفيذ العملية!! ولعل هذا يدل على مدى التلاعب بداعش واختراقها.
وفي الختام لعل من أجمل العبارات التي تلخص الاختراق في داعش، قول أحد الساسة: "داعش شركة مساهمة أسسها السوريون، ثم ساهم فيها دول ومخابرات كثيرة".
الاختراق في داعش إلى أي مستوى ؟ وممن ؟
2015/07/01
الرابط المختصر
Image