على الرغم من صغر حجم هذا الكتاب البالغ 120 صفحة من القطع الصغير مع الملاحق والصور التي هي من صنع المترجم، إلا أنه بالِغ الأهمية لسببين: أنه نتيجة بحث ميداني في سوريا تم في نهاية سنة 2008م، ولأنه من باحث محايد تجاه التشيع بل هو متخصص في الأدب الشيعي، وهو د. خالد سنداوي، وهو فلسطيني من مناطق الـ 48، وكانت أطروحته في الدكتوراه "مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي" من جامعة بار إيلان الإسرائيلية سنة 1999م.
الكتاب نشر بالإنجليزية، وترجمه حمد العيسى، وصدر عن دار مدارك بدبي سنة 2014م، ويبدو أن البحث أعد لصالح مؤتمر غربي حيث شارك المؤلف في عدد من المؤتمرات في الجامعات الأمريكية بخصوص الشيعة والتشيع، وتستحق هذه المؤتمرات الغربية عن التشيع وإيران -والتي بدأت عقب قيام نظام الخميني- دراسة جادة ترصد الفهم الغربي للتشيع ونظام الملالي وتقلبات هذا الفهم وكيف نجحت إيران بقلب بوصلة هذه الدراسات لصالحها.
يقرر الباحث أن حجم التشيع في سوريا هامشي، إذ لا يتجاوز 1% من حجم السكان، بينما يشكل العلويون والإسماعيليون وغيرهم حوالى 12% في أقصى التقديرات، أما البقية، أي 87% فهم المسلمون السنة.
يرى الباحث أن هناك عدة عوامل ساهمت في استفحال التشيع في سوريا منها: طبيعة الطقوس الشيعية، وقوة وسائل الإعلام الشيعية، والانتصار "المتوهم" لحزب الله، والإغراءات المالية، وينبه الباحث إلى أنه بحسب دراسة سابقة للاتحاد الأوربي في سوريا سنة 2006م تبين أن التحول للتشيع هو بنسبة 98% من العلويين والإسماعليين، وكان العوز والفقر هما سبب تحول العلويين للتشيع، وخرجت الدراسة بتوقع انقراض الإسماعيليين خلال عشر سنوات والعلويين خلال ربع قرن إذا تواصل نشر التشيع في سوريا بنفس المعدل!
أما نسبة 2% من السنة الذين تحولوا للتشيع فهم من عائلات شيعية تسننت سابقا، وجاء تشيعها كنوع من الحنين للجذور الشيعية!
ولعل هذه الأرقام عن التحول للتشيع تفسر التشبث الإيراني والشيعي بقتال الثورة السورية وأن القضية ليست دفاعا عن حليف سياسي بقدر ما هي دفاع عن مشروع شيعي للسيطرة على سوريا كلها من خلال تشييع العلويين والإسماعيليين المسيطرين على سوريا.
ترصد الدراسة مظهرا آخر للتغلغل الشيعي من بوابة المزارات الشيعية والسياحة الدينية الشيعية، حيث قامت إيران والشيعة بشراء الأراضي حول بعض المزارات وشيدوا شبه مدن كاملة حولها لتستقبل الأعداد الضخمة من السياح الشيعة، والتي تزداد مع الزمن (27 ألف سائح سنة 1978، إلى 290 ألف سائح في 2003)( ) وبعضهم بدأ يستوطن هذه المدن وبعضهم منح الجنسية السورية وتقدر أعدادهم بعشرات الآلاف!
ويبدو أن تغلغل التشيع بين العلويين والإسماعيليين ثم تكاثر السياح الإيرانيين والمتجنسين، وتصاعد شعبية حزب الله اللبناني بعد سنة 2006، أغرى قطاعات من السنة بالتشيع في السنوات الأخيرة، خاصة مع تزايد النفوذ الإيراني في عهد بشار الأسد، بخلاف عهد أبيه الذي كان يعرقل انتشار التشيع والنفوذ الإيراني حرصا على مصالحه الخاصة.
ففي عهد بشار تم جلب 3000 جندي إيراني للمشاركة في حماية بشار، ومنح الشيعة حق إنشاء معهد ديني وجامعة شيعية فضلا عن المنح المجانية للدراسة في إيران، ورافق هذا محاولة النظام السوري حظر التعليم الابتدائي في المؤسسات الدينية السنية التعليمية وهو ما اعترض عليه العلماء حتى تراجع النظام عن قراره بعد توتر كبير في سوريا، وبث التشيع على شاشة التلفزيون السوري الرسمي.
وترصد الدراسة الميدانية للباحث مظاهر عديدة لانتشار التشيع بين السنة: حيث رصد تشيع عدد كبير من سكان دير الزور –يقال 10% من السكان- على يد عمر الحمادي وحسين آل رجا، وإقامتهم عدة حسينيات في دير الزور والرقة، والعجيب أن دير الزور والرقة هما مقر داعش اليوم، فهل من علاقة بين الطرفين؟
وأيضا رصد ما شهدته درعا من نشاط شيعي بين السنة بعد أن كان التشيع فيها مقصورا على الجالية الشيعية العراقية الهاربة من صدام حسين، ورصد جهود للتبشير الشيعي في حمص وحلب وإدلب، كما وقف على نشاط للتشيع بين الأكراد في محافظة الحسكة.
ولعل من أبرز المتشيعين من السنة وزير الأوقاف السوري د. محمد عبدالستار السيد، ومفتي سوريا أحمد حسون، ويختم الباحث دراسته في خلاصة مركزة مفادها أن الميل للتشيع قائم في سوريا.
وهذه الخلاصة دوّنها الباحث قبل الثورة السورية، واستفحال النفوذ الإيراني في سوريا والتي جعلت بشار ونظامه في قبضة إيران بالكامل، والتي تستولي على مساحات ضخمة من المدن اليوم في ظل الحرب التي هجّرت الملايين عن بيوتهم، حيث يتم الاستيلاء عليها وتوطين شيعة غير سوريين من عدة جنسيات مكانهم مع منحهم الجنسية السورية، فضلا عن أخذ ايران الكثير من مقدرات سوريا كرهن بدل الدعم لبشار، وهذا سيجعل الشعب السوري في مواجهة مأزق كبير في المستقبل.
التشيع في سوريا ليس خرافة! (بحث ميداني)
2016/04/01
الرابط المختصر
Image