يقف المواطن العربي والمسلم اليوم مذهولاً بعد احتلال الحوثيين أو (أنصار الله) لكثير من محافظات اليمن وليس العاصمة صنعاء فحسب، وذلك بعد سبع أو ثماني حروب عسكرية مع الدولة، وعدة معارك مع القبائل والتيارات اليمنية المخالفة لها، وسبب الذهول هو السلاسة التي تمّ بها هذا الاحتلال الحوثي لليمن، وبقاء الجميع يتفرج سواء مؤسسات الدولة اليمنية من الرئاسة والحكومة والجيش وقوى المعارضة، أو من دول الجوار والعالم، أو جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
وسبب آخر لذهول المواطن العربي والمسلم هو الموقف الرسمي العربي والإقليمي والعالمي من الجماعات الإسلامية السنية المنافسة سواء بالعمل السياسي كجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس أو بالعمل العسكري كتنظيم داعش والنصرة في سوريا والعراق أو القاعدة في اليمن أو الثوار في ليبيا وغيرهم، هذا الموقف الذي يتشكل من حرب إعلامية صريحة وقذرة وقمع وبطش أمني غير مسبوق وحرب عسكرية معلنة، بينما الجماعات الشيعية السياسية والعسكرية التي تمارس نفس الممارسات في الدول العربية والعالمية، معترف بها ويغض الطرف عن طائفيتها وإجرامها، ومقبول التواصل معها عربيا وعالميا وعلى كل الأصعدة سواء كانت جماعات معارضة أو مشاركة في الحكم أو مستولية عليه!!
ومَن تابع مسار نشأة وتطور الحوثيين منذ سنة 1992 يجد تشابها كبيرا مع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ويمكن أن نعدد من أوجه الشبه أن الجهاد الإسلامي وجماعة الحوثيين يعلنان تحالفهما مع النظام الإيراني والقبول بالفكر الشيعي الإمامي في مفارقة لجذور الجهاد السنية أو جذور الحوثيين الزيدية، وإذا كانت علاقة الحوثيين بإيران والتشيع واضحة للكثيرين، فإن علاقة الجهاد بإيران والتشيع تحتاج إلى تذكير القارئ بعدد من الحقائق منها:
أن مؤسس حركة الجهاد الدكتور فتحي الشقاقي كان من أوائل الفلسطينيين والإسلاميين الذين أعلنوا انبهارهم بمشروع الخميني والسير على خطاه، ولذلك قام بتأليف كتاب "الشيعة والسنة ضجة مفتعلة"، وكتاب "الخميني والحل الإسلامي البديل" منذ صعود نجم الخميني في نهاية السبعينيات، وقد شاركه هذا المسار الرئيس الحالي للحركة الدكتور رمضان شلح، الذي نسخ مسودات هذه الكتب وقدمها للطباعة.
ولم يقف الأمر لدى الشقاقي وشلح والحركة عند حد التقاطع السياسي والمعروف بمصطلح (التشيع السياسي)، وتمجيد الخميني وخليفته خامنئي واعتبارهما القدوة والنموذج للقيادة الإسلامية المطلوبة، بل وجدنا قطاعات في الحركة وقيادات ومؤسسات تابعة لها تعلن تشيعها العقدي، مثل هشام سالم وعبدالله الشامي وعمر شلح وأحمد حجازي، وهم من قيادات الحركة في غزة، أو بعض ما ينشر في جريدة الاستقلال وإذاعة القدس التابعة لهم من ترديد لسبّ الصحابة والطعن فيهم.
وبخلاف حركة حماس التي تمردت على الرؤية الإيرانية المعادية للثورة السورية، حيث آثرت قيادة حماس مغادرة دمشق وعدم تأييد إجرام بشار الأسد ضد الشعب السوري، فإن حركة الجهاد بقيت في العباءة الإيرانية والسورية، وأعلنت عداءها للثورة السورية، وأصبح رمضان شلح وقيادات الحركة ضيوف مؤتمرات الصحوة الإسلامية في طهران والفضائيات السابحة في المدار الإيراني.
ومؤخرا وعقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وبقاء إيران وحزب الله متفرجين على ضرب غزة في نوع من التشفي بحماس، حتى صرح عدد من قادة حماس مثل موسى أبو مرزوق ضد موقف إيران وحزب الله وزعيمه حسن نصر الله، بأن غزة لا تحتاج نصرة ودعما بالهاتف! برغم كل هذا نجد حركة الجهاد تقوم بدعاية ضخمة لإيران في الفضائيات الإيرانية وفي داخل غزة من خلال لوحات إعلانية كبيرة تشكر فيها إيران على دعم غزة! في تكرار لما فعلته قبل عدة سنوات من تلميع لإيران، وكأن مهمة شلح وإخوانه اليوم هي إعادة تبييض صفحة إيران في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية.
بعد هذه الحقائق السريعة عن علاقة الجهاد القديمة والوطيدة والمستمرة مع إيران، نعود لمواصلة الحديث عن أوجه الشبه بين حركة الجهاد والحوثيين.
منها أن الجهاد و"الحوثيين" برغم انخراطهما في المحور الإيراني، إلا أن الأنظمة العربية لا تقاطعهما وتعاديهما بحدة مقاطعة الإخوان وحماس برغم أن المبرر لهذه المقاطعة والعداء كونهما يتبعان المحور الإيراني.
ومنها أن الجهاد والحوثيين يشعلون حربا كل حين ودون مبرر حقيقي إلا رغبات ومخططات إيران، ومع هذا لا يتم تجريمهم كما حصل مع حماس، لا من قبل السلطة السياسية ولا من قبل النظام العربي، وبرغم كل هذا نجد أن الجهاد والحوثيين لا يُستهدفون من إسرائيل وأمريكا على غرار استهداف حماس في فلسطين من قبل إسرائيل، والقاعدة في اليمن من قبل أمريكا.
ومنها أن الحوثيين والجهاد يعتدون بالضرب والاغتيال والقتال العسكري على مخالفيهم وخاصة من يحذرون من تبعيتهم لإيران وتشيعهم، ولا يتم معاقبتهم أو كف عدوانهم وضمان أن لا يتجدد.
ومنها أنهم توجهوا مؤخرا للمشاركة في الفعاليات السياسية والطلابية أكثر، لكن، وهم يضعون السلاح على الطاولة، فإما أن تقبل مطالبهم وإما أن يقلبوا الطاولة، فالحوثيون وقعوا على ميثاق السلم ولكنهم لا يزالون يقتحمون المحافظات اليمنية بحجة حرب القاعدة، والجهاد يدعون للحوار الوطني لكنهم يرفضون دخول اللعبة السياسية بالكامل.
ومنها أن الحوثيين والجهاد يستغلون الصراع بين النظام الحاكم والإقليمي ومنافسيه وخصوصا الإخوان لتقوية نفوذهم وانتشارهم.
الخلاصة؛ الجهاد الإسلامي والحوثيون مجموعة محلية شذت عن السياق العام لمجتمعاتها وانساقت خلف السياسة الإيرانية والفكر والعقيدة الشيعية، وأصبحت كيانا منفصلا عن التيار العام ويراعي المصالح الإيرانية على حساب المصالح الوطنية، ثم بسبب الولاء الفكري والسياسي بداية ثم التبعية المالية أصبحت الحركتان أدوات للسياسة الإيرانية في المنطقة.
وبفضل التوجيه والدعم المالي والإحتضان الإيراني وإرسال الخبراء والمستشارين لهم، تم تقوية كيان المجموعتين وتوسيع دائرة نفوذهم، خاصة عن طريق تكثيف حضورهم الإعلامي عبر فضائية فلسطين اليوم التابعة للجهاد، وفضائية المسيرة التابعة للحوثيين.
ومن خلال براعة إيران في حماية ورعاية وكلائها في المنطقة تجاوز الجهاد والحوثيون كثيرا من المطبات والمضائق التي وقعوا فيها، كما أن براعة إيران في الاستفادة من تناقضات الخصوم مكنت الحوثيين والجهاد من الاستمرار في التقدم في ظل الخلاف الإخواني – الحماسي مع السلطة في اليمن وفلسطين والمنطقة العربية.
اليوم وصل الحوثيون لقمة الهرم بعد التحالف مع علي عبدالله صالح الرئيس السابق والذي تفاهم مع الخليج على التغاضي عن تقدم الحوثيين في اليمن للقضاء على حزب الإصلاح، لكن الحوثيين وإيران غدروا بعلي صالح الذي غدر بالخليج، وكان الرابح هم الحوثيين وإيران.
وفي غزة نجد نظام السيسي يتعاطى مع الجهاد بأريحية نكاية في حماس والإخوان، ونجد الجهاد تتمدد في الفراغ القائم بين السلطة والحكومة المقالة، وكلا الطرفين يخطب ودها، لكن الجهاد تعمل ومن خلفها إيران على بناء وضعها الخاص، عبر إحياء الكتلة الطلابية التابعة لها في الجامعات تمهيداً لخوض انتخابات الطلبة، وحرصها على البقاء على مسافة من حماس، لتستفيد من العداء العربي الرسمى تجاهها.
وبعد هذا كله، هل ستطول المدة التي نرى فيها حركة الجهاد تسيطر على غزة، وترفرف فيها أعلام وصور إيران وقادتها كما شاهدنا في صنعاء؟؟
(الجهاد الإسلامي) هل تصبح حوثية فلسطين ؟
2014/11/01
الرابط المختصر
Image