الجهاد في سوريا حتى لا تتكرر مأساة العراق مع القاعدة

الرابط المختصر
Image
الجهاد في سوريا حتى لا تتكرر مأساة العراق مع القاعدة

~~هذا هو الكتاب الأول للزميل والصديق سعيد بن حازم السويدي، وقد صدر حديثا في مطلع عام 2014 عن مركز الدين والسياسة للدراسات ودار الانتشار العربي، ويقع في 260 صفحة مع الملاحق من القطع المتوسط.
أهمية الكتاب تنبع من ثلاث نواحٍ، هي:
1- الحديث الصريح والمباشر من أرضية سلفية عن انحراف وجرائم تنظيم القاعدة من الناحية الواقعية والسياسية بحق الإسلام والمسلمين في العراق بخاصة، وكل البلدان بعامة، وهذا الجانب تندر الكتابة فيه، فجاء كتاب السويدي ليقدم رؤية سلفية تحليلية لحقيقة سياسات ونتائج وثمار تنظيم القاعدة.
وأكرر: موضوع الكتاب هو انحراف تنظيم القاعدة وليس داعش، فالكتاب كُتب مع بدايات تشكل داعش وقبل إعلان الخلافة، وقد جاء للتحذير من أخطار تنظيم القاعدة في العراق أن تتكرر في الجهاد بسوريا، وهذه الأخطار والانحرافات هي سبب انشقاق أبي محمد الجولاني عن قاعدة العراق وزعيمها أبوبكر البغدادي، واعلانه البيعة للظواهري، في محاولة لتجنب تكرارها في سوريا.
إن ضلال القاعدة وانحرافها في العراق حدثا تحت قيادة ابن لادن والظواهري للقاعدة، وقد أورد السويدي العديد من الرسائل الموجهة لابن لادن والظواهري من بعض التنظيمات الجهادية في العراق تعترض وتشتكي من جرائم أتباعهم في العراق، ثم كانت رسالة قاضي القاعدة في العراق أبي سليمان مؤكدة لهذه الجرائم، ولم يصدر عن ابن لادن والظواهري قرار يدين تلك الجرائم ويعمل على إعادة الحقوق ورد المظالم، بل بقي الظواهري لليوم يحتفظ بشعرة معاوية مع داعش برغم كل الاتهامات والمطاعن التي وجهت له شخصياً منهم، مما يحمّله وابن لادن مسؤولية هذه الجرائم بشكل مباشر.
2- الاستناد إلى كثير من أدبيات تنظيم القاعدة ورموزه لبيان تجذر فكر التكفير والتخوين والاستعداء ومن ثم التهديد بالقتل لبقية المسلمين من العلماء والدعاة والجماعات والفصائل المجاهدة، فضلا عن العامة والموظفين والجنود والحكومات و...، مما شكل جذور انحراف داعش والتي أخرجت ذلك وطبقته علنا حتى كفّرت كثيرا من القاعدة ورموزها أنفسهم، فكما تدين تُدان!
3- الرؤية المستقبلية للدور السيئ الذي ستلعبه القاعدة في الجهاد بسوريا لمصلحة النظام النصيري الطائفي تحت شعارات إسلامية وجهادية.
فقد اعتمد السويدي على تحليل لواقع وحقيقة ثمار تنظيم القاعدة في العراق وبقية العالم ليستنبط الدور السيئ الذي ستلعبه القاعدة في تخريب الثورة السورية، وقد صدقت استنتاجاته مع متغير صغير وهو انقسام القاعدة في سوريا إلى قسمين: غالبية التنظيم وعدة فصائل قاعدية في العالم انشقت على قيادة الظواهري وعُرفت باسم (داعش) وأعلنت الخلافة ولم تكرر جرائم وأخطاء العراق فحسب، بل زادت عليها كثيراً، وقسم بسيط بقي مع أبي محمد الجولاني لا يزال يتبع الظواهري، ولكنه كرر سياسة القاعدة المنحرفة بالانفصال عن بقية الفصائل بتنظيم مستقل وأعلن تبعيته للظواهري وحصلت منهم اشتباكات محدودة مع بعض الفصائل الأخرى، ولا يخفي رفضه وعداءه لاجتهادات الفصائل الأخرى التي تمزج المقاومة بالسياسة، والأيام كفيلة بإظهار مدى اعتدال جبهة النصرة وتطورها عن القاعدة الأم.
الكتاب جاء في أربعة فصول، عالج الفصل الأول بعض الأسئلة حول القاعدة لبيان حقيقة سياستها وفكرها بعيدا عن الشعارات والخطابات الرنانة "لم نعتمد فيما كتبناه على الادعاءات والاتهامات المطلقة، وإنما نظرنا في الأعمال والنتائج فحكمنا عليها وشخّصنا الداء الكامن فيها" كما يقول السويدي.
ويرى السويدي أن القاعدة تنطلق من رؤية مغلوطة للواقع وصلت بها لرفض الإصلاح السلمي لحال الأمة وأنه لا حلّ إلا بالقتال، ولما رفض العلماء والعقلاء تهور القاعدة، لم تراجع نفسها بل أسقطت العلماء وخوّنتهم واتهمتهم بالجبن والانبطاح والردة، ودغدغت عواطف الشباب بالشعارات والأناشيد والأفلام.
ولأن قادة القاعدة غالبا مجهولون ويغلب عليهم الجهل، انتشرت بينهم المفاهيم المضللة كمفهوم (النصر) الذي أصبح يعنى عندهم بقاء المسلمين يقاتلون، ولو كان هذا القتال بدون استعداد وقدرة فيقتلون دون ثمرة! فهذا غير مهم إذ المهم عندهم بقاء القتال قائماً!!
وهكذا تحولت القاعدة إلى أداة هدم للدول السنية فهي قامت لمحاربة الأمريكان والصليبيين، لكنها في الطريق كفّرت الأنظمة والعلماء والجماعات الإسلامية والمجاهدة والشعوب المسلمة، ودخلت مهم في صراع عسكري على اعتبار أن قتال المرتدين مقدم على قتال الكفار الأصليين، وهكذا كفَت القاعدة أعداء الأمة هدم بلادنا، وكفَت الأنظمة الطائفية في العراق وسوريا مقاومة الثورات الشعبية، فقد تكفلت القاعدة بهذا الدور!! وأصبحت الغاية الحقيقية للقاعدة السيطرة على بلاد المسلمين كحال الطغاة في عالمنا!!
الفصل الثاني خصصه المؤلف لقصة انقلاب القاعدة على أهل السنة والجهاد في العراق، حيث يسكت الإسلاميون على عدوان القاعدة بحقهم بحجة الأخوة والجهاد وهو الخطأ الذي تكرر في أكثر من بلد وكانت عواقبه وبيلة، فالقاعدة في العراق كانت بقيادة الزرقاوي الذي يصفه شيخه المقدسي بالسطحية والضحالة، فإن صدَق المقدسي فهي مصيبة، وإن كذب المقدسي فهي مصيبة أيضاً.
وبهذه القيادة الزرقاوية تم استعداء الحاضنة السنية التي كانت تواجه القتل على يد الأمريكان والشيعة، والتى لم تُطِق قتال العدوّين فاختارت مهادنة الأمريكان، فكفّرها الزرقاوي وحاربها نيابة عن الشيعة والأمريكان!!
وفصّل المؤلف في مواقف القاعدة من الفصائل المجاهدة وعدوانها عليهم كالجيش الإسلامي وجيش المجاهدين وجماعة أنصار السنة وجماعة أنصار الإسلام الكردية، وهو ما كررته داعش في سوريا!!
وجاء الفصل الثالث لبيان حقيقة موقف القاعدة من إيران والشيعة، وأنه بخلاف الخطابات العدائية بينهم فإن الواقع أكثر عقلانية وحيادية، فقد تجنبت القاعدة أن تكون إيران وسوريا الطائفية مسرحا لجهادها طيلة المدة من نشأة القاعدة وحتى قيام الثورة السورية، رغم استباحتها الكثير من العواصم السنية بالتفجيرات والعمليات، فضلا عن تصريحات قيادات القاعدة بأن المعركة مع إيران وسوريا لم يحِن وقتها بعد!
والفصل الرابع نبّه فيه السويدي على تسلل فساد القاعدة في العراق للجهاد في سوريا، من خلال الانفصال عن الفصائل المجاهدة السورية والتي هي أسبق في الجهاد هناك، ومن ثم السعي في تزعم الجهاد وطلب المبايعة لها والانضواء تحت إمرتها والتي تطورت وأصبحت خلافة!
ثم شغلت الجهاد بالمعارك فيما بينهم بدلا من النظام النصيري، فلقد قتل الدواعش أبناءُ القاعدة من المجاهدين ما لم يقتل النظام النصيري، وكانت الثمرة الحقيقية هي عودة الروح لنظام الأسد وتفكك جبهة الثورة، وتدمير مناطق السنة إما بالبراميل المفخخة من النظام أو بجنون داعش.
في الختام الكتاب مليء بالأفكار ووجهات النظر غير السائدة عن تنظيم القاعدة، ومطالعته مهمة للباحثين في تجارب ومستقبل العمل الإسلامي، وإن كان الكتاب يحتاج في بعض المواطن إلى تقديم وتأخير لتنسجم الأفكار المتشابهة في مكان واحد مما يساعد على اكتمال الصورة عند القارئ.