الحجيج يوحدون البشرية عبر التاريخ والجغرافيا !!

الرابط المختصر
Image
الحجيج يوحدون البشرية عبر التاريخ والجغرافيا !!

حين تعاين جموع الحجيج إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة في مراكز الحدود أو الحرم المدني أو الميقات، تشاهد اختلاف ألوانهم وتباين ملابسهم، وتسمع تنوع ألسنتهم ولغاتهم ولهجاتهم، حين تفعل ذلك تبصر الوحدة البشرية المأمولة ماثلة بين ناظريك قائمة على أرض الواقع لا الخيال !!
يقول الله عز وجل عن الكعبة المشرفة ومكة المكرمة: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين" (آل عمران 96)، فالكعبة هي أول بيت للعبادة وضع لكافة الناس، ويرى بعض المفسرين كالإمام السدي ويوافقه الدكتور زغلول النجار من المعاصرين أن الكعبة المشرفة هي أول بيت عرفته البشرية !!
وحتى نقام عبادة الله عز وجل في الكعبة التي هي أول بيت وضع للعبادة، أمر الله عز وجل نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام بدعوة الحجيج، قال تعالى: " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" (الحج 27)، قال ابن كثير في تفسيرها: " أَيْ نَادِ فِي النَّاس بِالْحَجِّ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى الْحَجّ إِلَى هَذَا الْبَيْت الَّذِي أَمَرْنَاك بِبِنَائِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَبّ كَيْف أُبَلِّغ النَّاس وَصَوْتِي لَا يَنْفُذهُمْ فَقَالَ نَادِ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغ فَقَامَ عَلَى مَقَامه وَقِيلَ عَلَى الْحِجْر وَقِيلَ عَلَى الصَّفَا وَقِيلَ عَلَى أَبِي قُبَيْس وَقَالَ: يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ رَبّكُمْ قَدْ اِتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ فَيُقَال إِنَّ الْجِبَال تَوَاضَعَتْ حَتَّى بَلَغَ الصَّوْت أَرْجَاء الْأَرْض وَأَسْمَعَ مَنْ فِي الْأَرْحَام وَالْأَصْلَاب وَأَجَابَهُ كُلّ شَيْء سَمِعَهُ مِنْ حَجَر وَمَدَر وَشَجَر وَمَنْ كَتَبَ اللَّه أَنَّهُ يَحُجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ".
وأورد القرطبي عن اِبْن عَبَّاس رضي الله عنه انه سأل أبي الطفيل: " أَتَدْرِي مَا كَانَ أَصْل التَّلْبِيَة؟ قُلْت لَا! قَالَ: لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُؤَذِّن فِي النَّاس بِالْحَجِّ خَفَضَتْ الْجِبَال رُءُوسهَا وَرُفِعَتْ لَهُ الْقُرَى، فَنَادَى فِي النَّاس بِالْحَجِّ فَأَجَابَهُ كُلّ شَيْء: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"، وأضاف القرطبي: " وَإِنَّمَا قَالَ " يَأْتُوك " وَإِنْ كَانُوا يَأْتُونَ الْكَعْبَة لِأَنَّ الْمُنَادِي إِبْرَاهِيم، فَمَنْ أَتَى الْكَعْبَة حَاجًّا فَكَأَنَّمَا أَتَى إِبْرَاهِيم، لِأَنَّهُ أَجَابَ نِدَاءَهُ".
وإذا استحضرنا أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، ومن جاء بعده من الانبياء هم من ذرية أبنائه إسحاق وإسماعيل عليهم السلام، وكانوا سائرين على نهج إبراهيم في تعظيم مكة والكعبة، وقد قال رسول صلى الله عليه وسلم: " أمَّا موسى كأنِّي أنظر إليه إذا انْحدَر في الوادي يلبِّي " (رواه البخاري ومسلم( ، وفي القرآن نجد أن مفهوم الحج مفهوم ومتداول في حديث الرجل الصالح مع موسي قبل أن ينزل عليه الوحي، قال تعالى: " قال إنى أريد أن أنحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرنى ثماني حجج" (القصص 27). وقد روى البيهقي في سننه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "حجَّ موسى بن عمران في خمسين ألف من بني إسرائيل وعليه عباءتان قطوانيتان وهو يلبي"، وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "صلى في (مسجد الخيف) سبعون نبيًّا"، وروى عن عروة: "ما من نبيٍّ إلا وقدْ حجَّ البيت"، وروى ابن ماجة عن عبدالله بن عباس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال:" أي واد هذا؟"، قالوا: وادي الأزرق، قال:" كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم واضعا إصبعه في أذنه له جؤار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي"، قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية، فقال:" أي ثنية هذه؟" قالوا: ثنية هرشى أو لفت، قال:" كأني أنظر إلى يونس صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء عليه جبة صوف وخطام ناقته خلبة مارا بهذا الوادي ملبيا".
ومن ذلك اليوم وللآن والحجيج يأتون إلى مكة ليحجوا ويطوفوا بالكعبة البيت العتيق على مر السنين، حتى حين تحول العرب للجاهلية فإنهم لم يتركوا الحج إلى مكة والطواف بالكعبة، إجابة لنداء أبينا إبراهيم عليه السلام، ومن طريف ما يروى أن مكة في سنة من السنين تعرضت لسيول أغرقت مكة وعطلت الطواف بالكعبة فطاف بها الصحابي عبدالله بن الزبير سباحة وكلما وصل إلى الحجر الأسود غاص وقبله!! وقد حدث هذا مرة اخرى قبل عشرات السنين وممن شاهده الراحل الدكتور محمد عبده يماني – وزير الإعلام السعودي السابق- في صغره. فهذه وحدة البشرية عبر التاريخ من خلال الحجيج!!
أما وحدة البشرية الجغرافية من خلال الحجيج فهي في تأمل القارات والدول التي قدموا منها والتي تكاد لا تدع قارة أو بلداً إلا وحضر بعض الحجيج منه، ليشكلوا لوحة بديعة من خلال تنوع ألوانهم في بشراتهم وملابسهم وألسنتهم، لكنهم ما أن تبدأ أعمال الحج حتى تتحول هذه اللوحة الواسعة التنوع إلى وحدة في اللون بالرداء الأبيض، وتدور حول مركز موحد في الأرض، وتسير عبر مسار محدد لتحقق طاعة أمر الله عز وجل، وكذلك هو الحال للوصول إلى الخلود في السماء لا بد من السير في مسار محدد بينت معالمه نصوص الوحي الإلهي.