صدر هذا الكتاب بالعربية مطلع عام 2017 بعد أن صدر بالفرنسية مرتين في عامي 2009 و2010، وعنوانه الكامل "الخميني في فرنسا: الأكاذيب الكبرى والحقائق الموثقة حول قصة حياته وحادثة الثورة"، وهو من تأليف د. هوشنك نهاوندي، الذي كان وزيرا للإسكان ثم وزيرا للعلوم ثم رئيسا لجامعة طهران في عهد الشاه، وقد تولى ترجمته ونشره مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية ومقره بالرياض، ويقع الكتاب في 260 صفحة من الحجم المتوسط.
الكتاب مدهش بتفاصيله ومعلوماته ووثائقه الغائبة عن القارئ العربي، وبتناوله مرحلة ما قبل قيام دولة الملالي، وهو يؤكد الحاجة الماسة لترجمة العديد من الكتب الفارسية والأجنبية المفصلية والموثقة عن دولة الملالي حتى نفهم عدوّنا بشكل أفضل ونحسن التعامل معه.
الكتاب يتناول نشأة الخميني وظهوره على الساحة، ومن ثم انتقاله للعراق، ومن بعدها ذهابه لفرنسا، ويركز هنا على فضح الأكاذيب التي روّجها الإعلام الغربي، وخاصة الفرنسي، لتلميع صورة الخمينى وتضخيمه في ذهن الشارع الإيراني خاصة، والعالم عامة، ويتناول سياسة الشاه وتعامله مع الاضطرابات منذ ستينيات القرن الماضي، ومن ثم تعامله مع الثورة، ويتناول موقف الجيش الإيراني والقوى الدولية (أمريكا وفرنسا وروسيا) من إسقاط الشاه ودعم الثورة والخميني، ويتناول دور اليسار الإيراني والعربي والعالمي في روسيا وأوربا وأمريكيا في دعم الخميني، ويشير إلى انقلاب الخميني على داعميه في أوربا وأمريكا.
وهذه النقطة تفتح من الأسئلة ما يفوق إجابات الكِتاب، فكيف خدع الخميني داعميه؟ وكيف تخلّص من رجال الغرب في إيران؟ وكيف هدم الجيش الإيراني وبقي الجميع يتفرج دون حراك؟ هذه الأسئلة وغيرها لن تجد جوابها في هذا الكتاب، وقد يكون أجاب عنها المؤلف في كتاب آخر، أو تكون من الأسئلة التي لا زالت تبحث عن إجابة، فللأسف أن ما نجهله عن الخميني وثورته ودولته أكثر بكثير ممّا نعرفه بعد هذه السنين الطويلة!!
جعل المؤلف كتابه في مقدمة و10 فصول، لكنه فرّق فيها المعلومات بحسب التتابع الزمني أو البعد الجغرافي، مما جعلها جزرا مفصولة برغم أنها تتعلق بفكرة واحدة، ولذلك لن أعرض للفصول التي كتبها المؤلف، ولكن سأعرض لأهم الأفكار والمعلومات التي كشفها المؤلف تجاه كل موضوع على حدة.
1- الفكرة الأساسية في الكتاب هي بيان وفضح أكاذيب الإعلام الغربي، والفرنسي تحديداً، لتضخيم حجم وصورة الخميني والتي تمثلت في تقديم وكالة فرانس برس سيرة ذاتية مزيّفة له! حيث تم إسقاط جذوره الهندية حتى لا تهتز شرعيته لكون الدستور ينصّ على أن يكون رئيس الجمهورية إيراني الأصل! وبخصوص والد الخميني، مصطفى، والذي كان سكرتيرا وبلطجيا عند أحد الإقطاعيين وتم قتله بسبب خلافات مع أحد المتضررين من والد الخميني، لكن في السيرة الفرنسية المزيفة تم تحويل مصطفى إلى شهيد وضحية لإجرام الشاه! برغم أنه حين قتل مصطفى كان الشاه لا يزال ضابطا صغيرا! ثم تم تطوير الكذبة أن مصطفى أُعدم نتيجة مقاومته للمستعمرين وأنه كان يقود قريته! كما تم الزعم بأن والدته ابنة أحد رجال الدين المرموقين وهي في الحقيقة امرأة قروية فقيرة، كما تم تصوير مرحلة شباب الخميني بأنها نضال وكفاح، وهي في الحقيقة كانت مؤيدة للشاه ومعترضة على سياسة مصدق لصالح الشاه وبريطانيا! ثم زعموا أن ابنه مصطفى قتل بسبب معارضته للشاه، بينما مات مصطفى نتيجة سكتة قلبية لمرضه بالسكري.
وكانت غاية التزوير منحه لقب الإمام وآية الله العظمى من الصحافة الغربية وليس من قبل المراجع الشيعة الأعلى منه! ومن ثم تم تبجيله وتقديمه بصورة الحكيم والديمقراطي وداعية حماية حقوق الإنسان، وقد قام كثير من رموز اليسار الفرنسي كجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وميشيل فوكو، ومن أمريكا ريتشارد كوتام وريشتارد فولك والعديد من الصحف المرموقة كصحيفة لوموند وغيرها بالدعاية والتأييد للخميني حين كان في فرنسا كتمهيد له وكحملة علاقات عامة لتقبل المجتمع الإيراني والعالمي لإزاحة الشاه ومجيء الخميني لقيادة إيران.
2- لم يكن للخميني دور بارز في عقود حياته الخمسة الأولى، وكان مؤيدا لمواقف المرجع أبي القاسم الكاشاني ضد المواقف القومية لرئيس الوزراء مصدق والداعمة للشاه، بل لقد قاد الخميني المظاهرات الشعبية المطالِبة بعدم مغادرة الشاه لإيران في 28/2/1953م! وهو ما يخالف الدعاية الكاذبة بأن الخميني بطل مقاومة للاستعمار!
ولكن عدم قبض الخميني ثمن دعمه للشاه كما حدث مع آخرين من أتباع الكاشاني كان سببا لشعوره بالمرارة، وبدء حقده على الشاه وابتعاده عن المشهد حيث لم يلتفت له أحد، وبعد عدة أعوام، أي في سنة 1962م وقّع الخميني مع آخرين بَرقية احتجاج للشاه على انتخابات المحافظات، ولكن مع إعلان نتائج الانتخابات أصدر الخميني فتوى اعتبر فيها أن الاستفتاء مخالف للشرع المنير! وبعد حوالي أسبوعين أصدر فتوى جديدة ضد نظام الشاه وأنه يتعمد مصادمة الإسلام، ودعا للحداد العام ولمقاطعة مراسم عيد النيروز، ولكن لم تلقَ هذه الدعوة استجابة من الشارع، لكن أبرزت الخميني كمُعارض سليط اللسان، والتفّ حوله المعارضون المبعثرون للشاه، واسترعى انتباه أجهزة المخابرات الأجنبية كما يقول المؤلف.
وعاد الخميني بعد عدة أشهر، وذلك في عام 1963 ليهاجم اليهود وإسرائيل، لكنه بقي غير معادٍ للشاه، فقال يخاطبه: "سيدى الملك: إنهم يريدون أن يظهروك يهوديا، حتى أكفّرك، عندها سيخرجونك من إيران ويصفونك"! وأخذ الخميني يصعّد من خطاباته حتى هدّد بإسقاط الحكومة، وعندها تم اعتقاله ونقله لطهران، وخرجت بعض المظاهرات تأييدا له بتحريض من حزب توده الشيوعي! وتبين أن جمال عبد الناصر يموّل هذه المظاهرات، وهو ما سيتوسع ويصل الدعم الناصري للخميني!
قضى الخميني 10 أشهر مسجونا دون محاكمة ثم عفا عنه الشاه، خاصة بعد أن قام 5 من مراجع التقليد بترفيع الخميني من درجة حجة الإسلام إلى آية الله! وبعد أشهر هاجم الخميني الاتفاقية العسكرية مع أمريكا، فاتخذت الحكومة قرارا بنفيه، فذهب لتركيا، ولكنه لم يرتح هناك، وطلب الذهاب للعراق فتعاونت تركيا مع حكومة الشاه وسهّلت انتقاله للعراق، وطويت صفحته عدة سنوات.
3- اجتمع على الشاه عددٌ من الأعداء المتشاكسين من الإقطاعيين ورؤساء العشائر في الداخل الرافضين لفقد امتيازاتهم عبر الإصلاحات التي يطالب بها الغرب والشعب، وحزب تودة وعبد الناصر والروس الذين يريدون تحويل إيران لدولة شيوعية، والأمريكان الذين أزعجهم رفع سعر البترول ومحاولته التحرر من التبعية، والأوربيين لاحقا، وضعف شخصيته ومسالمته الزائدة مع الخصوم، اجتمع كل هؤلاء عليه فأسقطوه!
4- الخميني لم يكن صانع الأحداث، بل الواجهة الإعلامية لها، فالذين كانوا يثيرون المشاكل على الأرض هم اليساريون من أنصار حزب توده وغيره بتحريض من الروس، بل يكرر المؤلف عدة مرات وجود يساريين فلسطينيين في طهران مارسوا البلطجة وتأجيج الأوضاع!
والذين كانوا يلمّعون صورة الخميني ويشوهون صورة الشاه ويرتّبون الأمور السياسية هم الأمريكان والفرنسيون، وكان إبراهيم يزدي الإيراني الأمريكي ووزير خارجية الخميني لاحقاً هو مسؤول هذا الملف في فرنسا.
والذين كانوا ينشرون خطابات الخميني هم إذاعة بي بي سي الفارسية وخليط من المخابرات الأمريكية والفرنسية التي تسجل خطابات الخميني وتبثها لإيران عبر مركز بريد استحدث قرب مكان إقامته في فرنسا أو عبر الحقيبة الديبلوماسية الأمريكية! والتوزيع في إيران يتولاه نشطاء حزب توده!
وكان للايرانيين اليساريين في أمريكا والأنشطة الإعلامية في أمريكا دور ضد الشاه بتمويل من الحكومة الأمريكية!
5- الجيش الإيراني بقي وفيا للشاه لآخر لحظة، لكن تردد الشاه في حسم الأمور وسوء إدارته للأزمة، وتخاذل قياداته السياسية واضطرابهم، وتآمر الأمريكان ضده ومنعهم الجيش من التحرك، كل هذه الأمور أدت لفشل الشاه بالحفاظ على عرشه. وكان الخميني في غاية الخوف من الجيش، ولذلك لم يتردد -حين سنحت الفرصة- من قتل قيادات الجيش بكل وحشية والكثير من أفراده لاحقا، ثم تم تهميش الجيش لاحقا والتركيز على الحرس الثوري.
6- كان الروس يعدّون الخميني عميلا وجاسوسا لهم، وكان الأمريكان يعتبرونه دمية بيدهم، فكالوا له المديح بسبب ذلك، وكانوا لا يتوقعون أن يكون عنده طمع ورغبة بالسلطة والحكم المطلق.
لكن الخميني استطاع أن ينقلب عليهم ويفُوقهم في الخبث على طريقة مسخ رواية د. فرانكنشتاين ويستقل بنفسه ويقضي على أنصار الروس (حزب توده) وأنصار الأمريكان (الجيش، والساسة)، ولم يستيقظ الغرب للحقيقة إلا بعد أن استتبّ الأمر للخميني! في قصة لم تفهم أبعادها وتفصيلاتها بعد.
7- في مواضع كثيرة من قصة صعود الخميني تشعر أن ما ينقله المؤلف من أحداث وقعت في إيران قبل 40 سنة جرى تكرار بعضها في الربيع العربي، أو على الأقل تم تداول وقوعها فيه!
مثلا: قصة البلطجية الغرباء في المظاهرات، إطلاق النار من طرف ثالث على الشرطة والمتظاهرين، تمويل غربي للثورة بمئات الملايين، منع الجيش من التحرك، نشر أخبار وصور ومقاطع كاذبة عن القمع الوحشي للجيش والأمن تجاه المظاهرات، تسخير الإعلام الغربي (بي بي سي) لتأييد الثورة، تخلي الأمريكان عن حليفهم، الغضب من ارتفاع أسعار البترول، وغيرها، وهي حَرية بالفحص والتأمل قديماً وحديثاً.
هذه أهم الخطوط الفكرية في هذا الكتاب، وهناك المزيد من المعلومات التفصيلية لهذه المحاور في الكتاب، والذي ينبغي مطالعته لكل مهتم بدولة الملالي.
الخميني في فرنسا
2017/08/01
الرابط المختصر
Image