في هذا الزمن الذي انفتحت فيه سبل التعبير وإبداء الرأي للعالِم والجاهل، والكبير والصغير، في مختلف المجالات، وخصوصا في قضايا الدين والإسلام، لأهداف وغايات غير سليمة، وبذلك تحققت عدة نبوءات نبوية تؤكد أن السنة النبوية وحي رباني منها، قوله صلى الله عليه وسلم: "بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق" وفي رواية "ظهور القلم" رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" أخرجه ابن ماجه وصحّحه الألباني.
وفي هذا الزمان انتشرت الكتابة بالقلم الحقيقي والقلم الإلكتروني في الجوالات والقلم المعنوي عبر لوحات الحواسيب والهواتف، وتقذف المطابع بملايين الصحف والمجلات والكتب التي تزدحم بها رفوف المكتبات وطاولات العرض في المعارض، ولكن غالبها اليوم هو من كلام الرويبضات التافهين، خاصة مع توفر إمكانية طباعة عدد محدود من النسخ !
فأكثر الإقبال في شراء المطبوعات في المعارض اليوم هو على كتب الأبراج والنجوم! وروايات العشق والغرام! وكتب الطبخ والحلويات! وكتب الريجيم والتنحيف! ومثلها المواقع والصفحات الإلكترونية، بينما الكتب العلمية والثقافية والفكرية الجادة تعاني الركود وقلة الاكتراث.
ومؤخرا نافست المنابر الإعلامية الفضائية عالم المطبوعات والفضاء الإلكتروني بتصدير الرويبضات، سواء في مقدمي نشرات الأخبار أو المحللين والمعلقين أو المذيعين أصحاب البرامج الحوارية، فلم نعد نشاهد قامة إعلامية محترمة تخاطب عقل المشاهد وتحترم الحقيقة والموضوعية إلا نادرا.
ونتيجة لفشو القلم بين الجهلاء وتكلم الرويبضات تم عمدا وقصدا تشويه كثير من حقائق الدين في المطبوعات والمواقع والفضائيات، وأصبح كثير من الناس عرضةً للوقوع في الباطل وهُم يظنون أنهم يتبعون صحيح الدين وحقيقة الإسلام.
وحتى نضع النقاط على الحروف ونكشف زيف هؤلاء الرويبضات دعونا ننطلق من بعض مزاعمهم التي يردّدونها -وهم لا يقصدون منها الحق أصلا- وهي الاحتكام للقرآن الكريم وذلك في وجه الذين يذكّرون المسلمين والمسلمات بوجوب التقيد بالعقائد والمفاهيم والأحكام الشرعية التي وردت في الوحي الكتاب والسنة.
فهم حين ينادون بالرجوع للقرآن الكريم يهدفون أولا لإسقاط السنة النبوية في الحقيقة، ويهدفون ثانيا لهدم الإسلام بأكمله، ويسعون لنزع معيارية فهم وتطبيق الصحابة الكرام للدين ثالثا، ومما يكشف عن حقيقة مقصدهم مواقفهم التي ترفض ما جاءت به السنة النبوية من عقائد وأحكام، وأنهم يهدمون الكثير من قطعيات القرآن الكريم، وأن جهودهم في تشويه الصحابة والطعن فيه لا تتوقف.
ولذلك من أراد فهم حقيقة دعوة بعض من صدره فشو القلم وفتحت له المنابر الإعلامية ليتحدث في شؤون الدين وقضايا الإسلام فليركز على مجمل دعوة هؤلاء وليس على جزئية التحاكم للقرآن الكريم.
ولنختبر مدى توافق هؤلاء في الاحتكام للقرآن الكريم مع آية واحدة كنموذج ومثال، فالله عز وجل يخاطبنا -معشر المسلمين والمسلمات- بقوله تعالى: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" (البقرة: ٧٣١).
وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام ابن كثير: قوله تعالى (فإن آمنوا) أي: الكفار من أهل الكتاب وغيرهم (بمثل ما آمنتم به) أيها المؤمنون، مِن الإيمان بجميع كتب الله ورسله، ولم يفرقوا بين أحد منهم (فقد اهتدوا) أي: فقد أصابوا الحق، وأرشدوا إليه (وإن تولوا) أي: عن الحق إلى الباطل، بعد قيام الحجة عليهم (فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله) أي: فسينصرك عليهم ويظفرك بهم (وهو السميع العليم)".
فإذا جئت لهؤلاء الرويبضات تجد أنهم يخالفون القرآن الكريم وهم يدعون التحاكم إليه، فتجدهم يطلقون لقب الإيمان على من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الرسل والأنبياء! ولم يؤمن بالقرآن الكريم أنه كتاب الله الخالد المعجز!
وتجد هؤلاء يخالفون القرآن الكريم، فلا يقبلون أن يؤمنوا بمثل ما آمن به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فبعضهم ينكر عالم الملائكة! وبعضهم ينكر عالم الجن! وبعضهم ينكر وجود اليوم الآخر والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب! والآيات القرآنية في ذلك تبلغ مقدارا عظيما منه، ثم يزعمون أنهم يريدون منا التحاكم للقرآن الكريم والالتزام بما فيه فقط!
وتجد هؤلاء الرويبضات يرفضون أن يؤمنوا بمثل ما آمن به النبي صلى الله عليه وأصحابه من أن الزنا والخمر والربا حرام لا يجوز، وإنما تجدهم "يتفلسفون" بأن تحريم ذلك كان مؤقتا أو لظروف تغيرت اليوم، ويعارضون بذلك القرآن الكريم الذي جعل معيار الهداية الدائم وعبر الزمان والمكان هو الإيمان والاتباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ومخالفات هؤلاء الرويبضات للقرآن الكريم وللنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن حصرها وعدّها، ومنها أنهم يرفضون ما جاء به القرآن الكريم من أنه هو الحق، وأن ما عداه الباطل، كما في قوله تعالى: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نُزّل على محمد وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالَهم" (محمد: ٢)، فترى هؤلاء الرويبضات يروّجون لنسبية الحقيقة وعدم وجود حق مطلق وأن الإيمان بالله والكفر به والإلحاد وجهات نظر لا يمكن الحكم بالصواب والخطأ عليها! مما يكشف لنا خطورة الدور والمهمة التي يقوم بها هؤلاء ومدى فداحة النتائج التي يريدون الوصول إليها تحت ستار جميل براق وهو الرجوع والاحتكام إلى القرآن الكريم.
ولا تقتصر تناقضات هؤلاء الرويبضات على الطعن بكثير من قطعيات القرآن الكريم والسنة النبوية ورفض مرجعيتهما لمعرفة الحق والهداية للصراط المستقيم، بل تمتد للطعن والتشويه في جيل الصحابة الكرام الذي شهد لهم الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم بالإيمان والخيرية والفضل في أكثر من مئة آية، منها قوله جلّ من قائل: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم" (التوبة: ٠٠١)، ومن آخر هذه الرويبضات مَن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، في تكذيبٍ ومناقضةٍ تامةٍ ومباشرةٍ للقرآن الكريم.
إن من التحديات المعاصرة للمؤمنين والمؤمنات النجاة من شبهات الرويبضات في الإعلام وفتنة فشو القلم التي نشرت كمًّا ضخما من المقالات والكتب كل ما فيها باطل وضلال، والنجاة من ذلك سهلة ميسرة لمن أراد النجاة وذلك باتباع القرآن الكريم الذي بيّن لنا المعيار بقوله تعالى: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" فالإيمان بمِثل ما آمن به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو الهداية، وكل إيمان يخالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو ضلال، سواء قال به من يلبس عمة وبيده مسبحة أو جاءنا به من يرتدي بدلة، وما أصدق علماءنا المخلصين حين فضحوا مؤامرات أعداء الدين منذ زمن بعيد كما في قول الإمام مالك عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم: ما لم يكن يومئذ دينًا فلن يكون اليوم دينًا.
الدين الحق
2019/07/01
الرابط المختصر
Image